ملخص
البرنامج النووي الإيراني بدأ عام 1980 ووصل إلى أوجه عام 1998، واستطاعت إيران وقتها تحقيق ثلاثة متطلبات لهذا البرنامج، وهي الترويج لسلمية المشروع، وإيجاد قوة بشرية علمية وفنية، وتأسيس بنى تحتية صناعية.
كل يوم تسقط ورقة من التقويم، ونقترب من اليوم الذي يحذر منه مساعد الشؤون الاستراتيجية للرئيس الإيراني محمد جواد ظريف ويصفه بـ"اليوم الصعب"، ويحذر ظريف بأنه في "اليوم الصعب" سيواجه نظام الخميني وكذلك إيران تهديدات مصيرية، ومن أجل تفادي الوصول إلى ذلك اليوم الموعود على النظام الإيراني التخلي عن الدعاية التي ينتهجها وأن يفتح أبواب التفاوض مع "الشيطان الأكبر".
"اليوم الصعب" هذا سيحل في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2025 عندما تنتهي صلاحية الاتفاق النووي بناء على القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في ذلك الوقت سيتم تفعيل نظام "الزناد" تلقائياً لكي تتحول جميع العقوبات التي أقرها مجلس الأمن الدولي إلى عقوبات دائمة، وظريف ومجموعته يحذرون أيضاً أن "اليوم الصعب" يمكن أن يرافق وضع ملف إيران تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، وإرسال الضوء الأخضر من أجل شن هجوم عسكري على إيران.
ما لم يفصح عنه مساعد الشؤون الاستراتيجية وفريقه المعروف بـ"أولاد نيويورك" هو أنهم السبب في وصول البلاد إلى هذه النقطة، عندما بدأت فترة الإصلاحات بقيادة محمد خاتمي كان هذا الفريق توصل إلى هذه النتيجة، أنه لا يمكن الحفاظ على السلطة التي كسبوها على سبيل الصدفة من دون دعم أميركي وغربي.
وأنهم لم يتمكنوا من إزالة أنصار روسيا والصين من دون دعم القوى الغربية، كما لم يستطيعوا تحقيق نصر على بقية المعارضين للنظام من دون هذا الدعم.
وكان محمد خاتمي ومعه حسن روحاني روجا لهذه الفكرة خلال زياراتهم إلى الغرب، وكان الهدف تثبيت النظام الإيراني كواقع مر ولا بد منه، وطرح أنفسهم على أنهم التيار الوحيد الذي بإمكانه خفض مرارة هذا الواقع إلى أن يأتي عهد حلو.
وكان من متطلبات تحقيق هذه الخدعة هو عدم السماح ببحث طبيعة تركيبة النظام الإيراني والتفاوض حولها في اللقاءات مع الوفود الغربية، وإذا لم يكن ذلك مسموحاً فما الأمور المسموح بالتفاوض حولها؟
والرد وجده خاتمي وروحاني ربما بعد التأثير في أفكار وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو، وهو التفاوض حول البرنامج النووي الذي تسلط عليه الأضواء بين فترة وأخرى، لكن في الواقع لم يكن الأمر الحيوي بين إيران والعالم.
البرنامج النووي الإيراني بدأ عام 1980، ووصل إلى أوجه عام 1998، واستطاعت إيران وقتها تحقيق ثلاثة متطلبات لهذا البرنامج، وهي الترويج لسلمية المشروع، وإيجاد قوة بشرية علمية وفنية، وتأسيس بنى تحتية صناعية.
وفي الوقت نفسه انضمت إيران إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وكانت ضمن 11 بلداً شكلت نواة المعاهدة، وبناء على ذلك يحق لها الحصول على وسائل وأساليب امتلاك العلوم النووية وفي المقابل الالتزام بجميع التعهدات للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
عندما وصل مؤسس النظام روح الله الخميني إلى الحكم توقف البرنامج النووي لمدة عقد من الزمن، وكانت إعادة العمل بالبرنامج النووي وتنشيطه مثل بقية إجراءات النظام العشوائية غير واضحة في البداية، لكن يمكن القول إن البرنامج النووي لم يتعد حدود معاهدة منع انتشار الأسلحة النووي.
وكان أربعة مديرين عامين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، السويدي منهم والياباني والمصري والأرجنتيني، لم يرغبوا أو لم يستطيعوا إحالة الملف النووي، وما يتردد حول نية قادة طهران كاتهامات، إلى مجلس الأمن الدولي.
وخلال الأعوام الـ20 الماضية، خضع البرنامج النووي الإيراني إلى أوسع عملية مراقبة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإذا ما استعرضنا تجربة ألمانيا الفيدرالية وجنوب أفريقيا والأرجنتين فإن إيران يجب أن تحصل على موافقة الوكالة الدولية منذ سنوات طويلة.
لكن لماذا لم تحصل على مثل هذه الموافقة؟ أتصور أن قادة النظام الإيراني والقوى الكبرى يحققون أرباحاً من هذه القضية، فكما سبق شرحه يسعى قادة النظام الإيراني إلى التمسك بالقضية النووية لمنع طرح قضايا أخرى تتعلق بالنظام أمام القوى الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي ترى أنه إذا ما طرحت قضايا غير الملف النووي فإنهم لم يروا أمامهم سبيلاً إلا قبول النظام الإيراني كذريعة للتعامل مع مشكلات الشرق الأوسط، على رغم أن هذه الذريعة تثير القلق بين القوى الغربية.
العالم يرى بسهولة أن القضية مع النظام الإيراني ليست القضية النووية، إلا أن القضية تحولت إلى معالجة موضوع تخصيب اليورانيوم، وبما أنه حق مشروع لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فإن الموضوع تحول بعد فترة إلى التركيز على درجة تخصيب اليورانيوم.
وفي ما بعد تخلوا عن بحث موضوع درجة تخصيب اليورانيوم وتمسكوا بموضوع ذخائر اليورانيوم، كما أن موضوع إنتاج قنبلة نووية أو القرب من إنتاجها تناوله الإعلام في آلاف من المقالات، وورد في كتب متعددة، في حين أن إنتاج قنبلة نووية بحد ذاته لا يعد غير شرعي إذا ما قرر أي بلد الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
والطريف أن التقارير المتعددة الصادرة عن أجهزة الأمن التابعة للقوى الكبرى تؤكد أن النظام الإيراني لم يقرر بعد إنتاج أسلحة نووية، وكان أحدث تقرير صادر عن مجموعة الأجهزة الاستخبارية الأميركية تحت عنوان "تصور المعلومات الوطنية" أكد للمرة الـ10 أن إيران تسعى نحو الوصول إلى مرحلة قريبة من إنتاج أسلحة نووية، لكنها لم تصل إلى هذه المرحلة بعد ولم تتخذ قراراً بهذا الشأن.
قضية العالم مع النظام الإيراني ليست القضية النووية، في الوقت الحاضر تملك تسع دول منها أعضاء مجموعة (1+5) أسلحة نووية، وتخصيب اليورانيوم ليس بالأمر الصعب، وهناك 18 دولة تعمل على ذلك من دون أن تقرع أجراس الخطر، كما أن الوصول إلى مرحلة قريبة من إنتاج أسلحة نووية لا ينطوي على إيجاد مشكلة، إذ هنالك ثماني دول وصلت إلى هذه المرحلة من دون أن تقدم على إنتاج أسلحة نووية.
عندما تحصل مشكلة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والبلدان الأعضاء تقدم على حلها بمشاركة مجلس الأمن الدولي، وفي ما يتعلق بإيران لم يحل ملفها إلى مجلس الأمن الدولي، لذلك موضوع "التهديد النووي الإيراني" يمكن أن يستمر كذريعة من أجل وضع إيران في عزلة ربما تستمر حتى انتهاء النظام الإيراني.
لكن هل النظام الإيراني الذي لم ينتج بعد أسلحة نووية عضو منضبط وملتزم بالقانون في المجتمع الدولي؟ هذا النظام جنى لنفسه أكبر الخسائر فداحة في تاريخ حروب الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الماضية من دون أن ينتج أسلحة نووية، نفذ النظام مئات من العمليات الإرهابية في أكثر من 30 دولة، وتشكل عمليات الاختطاف وتهريب الأسلحة والأموال، والتدريب العسكري على أنواع الأسلحة، وتدريب الإرهابيين في الشرق الأوسط وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا، الفصول السوداء في تاريخ هذا النظام.
يقول علي الخميني حفيد مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في مراسم في ذكرى الثورة الإيرانية إنه "إذا لم تكن ثورتنا لما كانت ’حماس‘، ولما كانت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023".
ويقول البروفيسور صادق زيبا كلام، وهو من نشطاء التيار الإصلاحي في إيران، إنه "إذا ما عاد بنا الزمان لعام 1979 فإننا سنقدم على الأفعال نفسها التي فعلها في تلك الفترة، أي تهريب الأسلحة لأفراد العصابات المسلحة".
ويقول بعض معارضي النظام إن الاتفاق النووي ربما يكون مفيداً لأنه يضع جميع أنشطة النظام الإيراني مثل المعاملات المالية والتجارة الخارجية والاستفادة من الاستثمارات الخارجية تحت رعاية مجموعة (1+5)، أي في الواقع تحت رقابة الولايات المتحدة الأميركية.
لكن هذا الإجراء يمنح الفرصة للنظام الإيراني بالاستمرار، وفي الوقت نفسه يتمكن التيار الإصلاحي من القضاء على منافسيه وتحقق القوى الكبرى أرباحاً كبيرة، وفي المقابل يلتزم النظام بعدم اجتياز الخطوط الحمراء.
على أساس هذه الملاحظات العامة لا تجد إيران أمامها سبيلاً إلا القبول بحل استعماري، هذا الحل يسمح للنظام الإيراني المتهور الاستمرار بقمع الشعب وتقديم الأموال للمافيات العائدة له وفي النهاية الاستمرار بالحياة.
"أولاد نيويورك" يعتبرون المعارضين للمفاوضات النووية والعودة للاتفاق النووي على أنهم معارضون للتفاوض مع أميركا والقوى الكبرى، في حين أن هذه كذبة كبرى، فعودة إيران للمجتمع الدولي لا يمكن تحقيقها من دون تطبيع العلاقات مع جميع بلدان العالم.
هذا التطبيع يتطلب إجراء مفاوضات في فترة زمنية معينة، مثلما فعلت ألمانيا وجنوب أفريقيا والأرجنتين عندما كانت هناك خلافات بينها والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمكنت هذه البلدان في النهاية من تسوية القضايا العالقة في فترة زمنية معينة تحت إشراف مجلس الأمن الدولي.
في حين أن القضية النووية تستمر منذ 25 عاماً، فإذا ما كانت إيران ترغب في إنتاج أسلحة نووية لفعلتها خلال هذه الفترة، لكن إذا ما أنتجت مثل هذه الأسلحة ماذا ستحصل غير تضعيف أمنها؟
القوى التي تملك أسلحة نووية لا يمكنها مهاجمة البلدان التي لا تملك هذه الأسلحة، وفي مثل هذه الحالة سيكون من صالح إيران عدم إنتاج أسلحة نووية حتى تضمن أمنها من مثل هذا الهجوم.
وإذا ما أقدمت على إنتاج أسلحة نووية فسيكون الهجوم النووي ضدها متاحاً للدول التي تملك هذه الأسلحة، لكن ما البلدان التي تستطيع فعل ذلك؟ القوى التي تملك أسلحة نووية عشرات أو مئات المرات مما يمكن أن تنتجه إيران.
الأطراف التي لا ترغب في تغيير النظام الإيراني تريد الانتظار حتى الـ25 من أكتوبر المقبل وتسعى إلى إحياء جثة الاتفاق النووي، إنهم يبحثون عن التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية مفاده وقف البرنامج النووي لمدة عام، في مقابل تمديد مهلة القرار 2231، وهذا التراجع سيمنح الإدارة الأميركية إمكان إعلان تحقيق انتصار دبلوماسي لتأجيل بحث القضية إلى فترة مقبلة.
لذلك لا نستغرب عندما ينادي قادة النظام الإيراني، ومنهم مرشد النظام، إلى إجراء المفاوضات شرط أن تقتصر على الاتفاق النووي.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"