Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

معركة عقارات ومقار دبلوماسية بين فرنسا والجزائر

باريس قد تبادر بالمثل وتقدم على تحريك هذا الملف على أراضيها

مقر إقامة السفير الفرنسي في الجزائر (وزارة الخارجية الفرنسية)

ملخص

تساءل السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر كزافيي دريانكور عن "التحول المفاجئ في موقف الجزائر بعد اتفاق دام 63 عاماً؟".

تتصاعد حدة التوتر ين الجزائر وفرنسا لتشمل ملفات ومواضيع عدة كانت إلى وقت قريب "صامتة"، فبعد السياسة والذاكرة والاقتصاد والثقافة واللغة والهجرة جاء الدور على العقار، ويبدو أن الهدوء لا يزال مؤجلاً لحين إيجاد حلول للأوراق التي بدأت تتناثر هنا وهناك وكان مسكوتاً عنها.

61 عقاراً مقابل إيجارات زهيدة

الجزائر وفي رد على حديث باريس عن استفادتها من مساعدات فرنسية وعدم احترام الاتفاقات الثنائية المبرمة منذ 1962 عام استقلال البلاد، قالت إن فرنسا هي المستفيد الأكبر من هذه العلاقات وأشارت إلى أنها "تشغل 61 عقاراً في الجزائر مقابل إيجارات زهيدة، من بينها مقر السفارة الفرنسية الذي يمتد على 14 هكتاراً في أعالي العاصمة الجزائر بإيجار لا يعادل حتى كلفة غرفة في باريس".

وجاء ذلك في بيان عقب استدعاء الخارجية الجزائرية سفير فرنسا ستيفان روماتي لبحث ملف العقارات التي وضعتها الجزائر تحت تصرف فرنسا، وأوضحت أن "الملف الذي كثيراً ما تجاهلته باريس يكشف عن عدم توازن واضح في المعاملة بين البلدين" وأن إقامة السفير الفرنسي في المنطقة المعروفة باسم "ليزوليفيي" أو "حقل الزيتون" التي تمتد على أربعة هكتارات، مقابل إيجار رمزي ظل ثابتاً منذ عام 1962 حتى عام 2023، مشددة على أنه في المقابل لا تمنح فرنسا معاملة مماثلة للجزائر على أراضيها.

باريس الرسمية لا ترد

وفي حين لم ترد باريس بصورة رسمية على ما جاء في بيان العقارات، عبر السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر كزافيي دريانكور ضمن مقالة كتبها في صحيفة "لو فيغارو" عن مخاوفه من أن "تؤدي الأزمة المعقدة إلى إقدام الجزائر على الاستيلاء على العقارات الفرنسية"، ووصف ما جاء في هذا الموضوع بـ"التحول المفاجئ في موقف الجزائر بعد اتفاق دام 63 عاماً"، مضيفاً أن "حكومة تبون أرادت عولمة قضايا الهجرة مع الاقتصاد والعقار وغيرها".

وتابع دريانكور "من المدهش أن الجزائر التي لم تنازع على تفسير نصوص ’اتفاقات إيفيان‘ لمدة 63 عاماً، تتظاهر الآن باكتشاف أهمية السوق العقارية الفرنسية"، مشيراً إلى أن الرئيسين الفرنسيين السابق فرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون أبلغا السلطات في الجزائر بملكية فرنسا لتلك العقارات" ولم يستبعد إقدام الجزائر على استرجاعها بكل السبل، وكتب أنه "من الصعب أن نتخيل تدخل قوات إنفاذ القانون الجزائرية بالقوة في عقارات تحتلها فرنسا في انتهاك لقواعد ’اتفاقية فيينا‘، ولكن في هذه المرحلة يمكننا أن نتوقع أي شيء من الآن فصاعداً".

تفاعل جزائري

ولم يتوقف الدبلوماسي الفرنسي المتقاعد عند انتقاد ما جاء في بيان الخارجية الجزائرية ليؤكد امتلاك بلاده 26 مبنى بمساحة إجمالية تبلغ 344 ألف متر مربع في الجزائر، موزعة على ست مدن رئيسة في البلاد هي وهران وعنابة وتلمسان وقسنطينة وتيزي وزو، وفي الجزائر العاصمة أحصي 19 مبنى، قائلاً إن بعض هذه العقارات يقع ضمن "اتفاقات إيفيان" التي تنص في المادة 19 على أن "العقارات المملوكة للدولة في الجزائر تنتقل إلى الدولة الجزائرية مع خصم المباني التي تعتبر ضرورية للسير العادي للمصالح الفرنسية الموقتة أو الدائمة بموافقة السلطات الجزائرية".

وتفاعل الشارع الجزائري كما النخب من سياسيين وأكاديميين مع ملف العقارات الفرنسية في بلادهم، ولم يكُن مفاجئاً امتلاك فرنسا عقارات ظاهرة للعيان مثل السفارة والقنصليات والمدارس والإقامات، لكن ضخامة المساحات المعنية وتأجيرها بأسعار رمزية زهيدة صدما الجميع، لا سيما أن باريس ما فتئت تروج لاستفادة الجزائر من الاتفاقات الثنائية ومساعدات فرنسية، بحسب متابعين.

العقارات الجزائرية على الأراضي الفرنسية

أستاذ العلوم السياسية والنائب البرلماني علي محمد ربيج يعتقد بأن مسألة العقارات والممتلكات الفرنسية على الأراضي الجزائرية ملف قديم واليوم ربما يوظف في هذه التوترات بين الجزائر وفرنسا. وقال في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن مسألة العقار الفرنسي في الجزائر ترجع إلى مرحلة الستينيات وقد تكون حتى من بين التفاهمات في "اتفاقات إيفيان"، مفاوضات استقلال الجزائر، ثم بعد ذلك اتفاق عام 1968، يعني فيها كثير من الأمور والأطر القانونية التي تنظم هذه العقارات الفرنسية، ولكن العيب والأمر غير المعلوم وغير المفهوم هو تأجير هذه العقارات بالسعر الرمزي وبمقابل مادي لا يعكس أهمية تلك العقارات، مشيراً إلى أن مراجعة هذه الأسعار كانت مقررة عام 2023 غير أنها صادفت الأزمة بين البلدين، وتوقع أن تمضي بلاده نحو مراجعة أسعار مختلف العقارات الفرنسية.

وعلى رغم أن هناك من يفسر الخطوة بأنها نوع من الضغوط الجزائرية ضد فرنسا، "فإنني أستبعد هذا الأمر"، يضيف ربيج، لافتاً إلى أن باريس قد تبادر بالمثل وتقدم على تحريك ملف العقارات الجزائرية على الأراضي الفرنسية، "وإن كان الذي أعرفه هو أن هذه العقارات أملاك تابعة للدولة الجزائرية بصورة مباشرة وليست هبة أو مستأجرة". وأبرز أن فرنسا ستحاول النبش في هذا الملف في محاولة للتشويش والضغط ليس إلا، على اعتبار أن العلاقات الثنائية باتت مفتوحة على كل السيناريوهات، موضحاً أن الفعل ورد الفعل ومسألة الضغوط واستعمال كل الملفات وتوظيف كل الأوراق أصبحت سياسة كل طرف، مما يعمق الأزمة ويؤخر الحلول ويبعد الآفاق.

اقرأ المزيد

استرجاع 58 عقاراً جزائرياً في الخارج

وتخلط أطراف في الجزائر وفرنسا بين امتلاك والاستحواذ على عقارات بمساحات كبيرة وكرائها بأثمان زهيدة، وبين اقتنائها أو شغلها بأسعارها الحقيقية، وأشارت إلى امتلاك الجزائر عقارات في فرنسا، إذ كشفت وزارة الخارجية الجزائرية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024 عن استرجاع 58 عقاراً مملوكاً للدولة الجزائرية في الخارج، بينها 38 في فرنسا.

وأوضحت في رد على سؤال برلماني أن العملية تأتي في إطار التزام الجزائر حماية ممتلكاتها في الخارج واستغلالها بما يخدم المصلحة الوطنية، مشيرة إلى أن قرارات مختلفة اتخذت إزاء هذه الممتلكات بحسب وضعيتها وقيمتها، ليعرض بعضها للبيع ويخصص البعض الآخر لمصلحة هيئات ومؤسسات وطنية تعمل في الخارج، بينما أعيد تخصيص أخرى لفائدة جمعيات ذات طابع ثقافي وخيري وديني وتربوي لخدمة أفراد الجالية الجزائرية في الخارج.

ريبة وشكوك وتأكيد

وما يثير الجدل في ملف العقارات الفرنسية في الجزائر وأحقية فرنسا في هذه الأملاك واستئجارها بسعر رمزي زهيد متابعة السفير السابق كزافييه دريانكور قضائياً بشبهات فساد تتعلق ببيع "عقارات تابعة للدولة الفرنسية على الأراضي الجزائرية" لأحد رجال الأعمال المعروفين من نظام الرئيس الراحل بوتفليقة، بأقل من سعرها الحقيقي مقابل رشوة مالية، وتتمثل في قطعة أرض مساحتها 10517 متراً مربعاً تقع في أعالي الجزائر العاصمة.

كما قام السفير الفرنسي أندريه بارانت الذي خلف كزافييه دريانكور عام 2014 ببيع قطعة أرض مجاورة مملوكة هي الأخرى للدولة الفرنسية، تقدر مساحتها بـ5051 متراً مربعاً، بحسب ناشطين حقوقيين.

قوانين فرنسية

ومارست فرنسا خلال فترة احتلالها الجزائر في سياق أساليبها الاستعمارية سياسة تفكيك الملكية العقارية للجزائريين، وفق قانونيين، "بعد أن أدركت بأن للأرض أهمية ودوراً كبيراً في تلاحم وترابط القبائل والأعراش الجزائرية، وتيقنت أن إحكام القبضة على الشعب الجزائري لن يتم إلا بتفتيت هذه القبائل والأعراش، ومن أجل تحقيق أغراضها لجأت إلى إصدار القوانين والمراسيم" وأهمها قانون أكتوبر (تشرين الأول) عام 1844 وقانون "سيناتوس كونسيلت " في 1863 وقانون "وارني" عام 1873.

وجاء في نصوص تلك القوانين أن "الأوقاف والعقارات التي لم تثبت ملكيتها بعقد صريح وتسجيلها في المصالح العقارية الفرنسية تصبح تابعة لأملاك الدولة الفرنسية، والأرض التي لا يطبق أصحابها هذه التعليمة تعتبر مهملة من حق الدولة الفرنسية الاستيلاء عليها".

وعن ذلك تقول الباحثة في التاريخ فاطمة الزهراء طوبال في دراسة لها بعنوان "قوانين نقل الملكية الزراعية ومصادرة الأراضي الجزائرية من قبل الاحتلال الفرنسي" إن "فرنسا انتهجت سياسة نهب الأرض من الشعب، فاعتمدت أسلوب مصادرة الأراضي باسم القانون وأصدرت جملة من القرارات والمراسيم من بينها مرسوم 22 يونيو (حزيران) 1834 الذي ينص على اعتبار الجزائر جزءاً من الممتلكات الفرنسية"، وأشارت إلى أن "مساحة الأراضي التي أخذت من مالكيها بلغ نحو نصف مليون هكتار بين عامي 1830 و1871، ثم تضاعف العدد إلى مليون هكتار جديد بين 1871 و1898".

المزيد من تقارير