ملخص
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان رداً على سؤال عن الرسالة التي وجهت في دمشق إلى أسعد الشيباني "الانتهاكات التي وقعت أخيراً لا يمكن التهاون معها حقاً ويجب تحديد المسؤولين عنها وإدانتهم"، وأضاف أن "ليس هناك شيك على بياض للسلطات الجديدة".
أمام الرئيس السوري أحمد الشرع كثير ليثبته بغية كسب ود القوى الغربية، لكن بنظرة على أسابيعه الأولى في السلطة يمكن الحكم بأنه يسير في الاتجاه الخاطئ.
ويراقب الغرب قادة سوريا عن كثب للتأكد من أنهم يكبحون جماح المتشددين الإسلاميين الذين قتلوا مئات العلويين ويعملون على تشكيل حكومة شاملة بمؤسسات فاعلة والحفاظ على النظام في بلد عانى ويلات الحرب الأهلية لأعوام وكذلك لمنع عودة ظهور تنظيمي "داعش" و"القاعدة".
ولتأكيد هذه الرسالة أوضح ثلاثة مبعوثين أوروبيين خلال اجتماع عقد في الـ11 من مارس (آذار) الجاري مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دمشق أن كبح المقاتلين المتشددين يأتي على رأس الأولويات بالنسبة إليهم وأن الدعم الدولي للإدارة الجديدة قد يتبخر ما لم تتخذ إجراءات حاسمة، ولم تنشر تقارير عن هذا الاجتماع من قبل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان رداً على سؤال عن الرسالة التي وجهت في دمشق "الانتهاكات التي وقعت أخيراً لا يمكن التهاون معها حقاً ويجب تحديد المسؤولين عنها وإدانتهم"، وأضاف أن "لي هناك شيك على بياض للسلطات الجديدة".
وتحدثت "رويترز" إلى المبعوثين الأوروبيين الثلاثة وإلى أربعة مسؤولين إقليميين خلال زيارة إلى دمشق، فأكدوا جميعاً ضرورة سيطرة السلطات على الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد والحيلولة دون تكرار عمليات القتل.
وقال مبعوث أوروبي كان ضمن مجموعة المسؤولين الذين نقلوا الرسالة "طالبنا بالمحاسبة، ويجب أن يعاقب مرتكبو المذابح وتطهير قوات الأمن".
ودعت واشنطن أيضاً قادة سوريا إلى محاسبة مرتكبي الهجمات، وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس بأنهم يتابعون تصرفات السلطات الموقتة لتحديد السياسة الأميركية تجاه سوريا.
لكن المشكلة بالنسبة إلى الشرع هي أن "هيئة تحرير الشام" التي كان يتزعمها لا تضم سوى 20 ألف مقاتل، وفقاً لتقييمين من حكومات غربية.
وقال خمسة دبلوماسيين وثلاثة محللين إن هذا يدفع الشرع إلى الاعتماد على عشرات آلاف المقاتلين الآخرين، بما في ذلك فصائل متشددة جداً مطلوب منه القضاء عليها، ومن المحتمل أن يؤدي التحرك ضد هؤلاء المقاتلين إلى إعادة سوريا لأتون الحرب مجدداً.
وانضم آلاف الأجانب من المسلمين السنّة من دول مثل الصين وألبانيا وروسيا وباكستان إلى المعارضة المسلحة في سوريا مع بدايات الحرب الأهلية للقتال ضد حكم بشار الأسد وفصائل شيعية مدعومة من إيران حاربت إلى جانبه، مما أعطى للحرب صبغة طائفية.
وحل الشرع الجيش السوري بعد وقت قصير من توليه السلطة، وهذا أحد الأسباب التي جعلته يعول الآن على قوة صغيرة نسبياً تتألف من نحو 20 ألف مقاتل من مجموعات عدة متفرقة تتضمن متشددين أجانب.
وعلى رغم أن حل الجيش كان يهدف إلى وضع نهاية لخمسة عقود من حكم عائلة الأسد الاستبدادي، قال دبلوماسيون ومحللون إنه مماثل لقرار واشنطن حل الجيش العراقي بعد سقوط صدام حسين ومن الممكن أن يقود إلى فوضى مماثلة.
وأدت خطوة الشرع، إلى جانب عمليات فصل جماعي لموظفين في القطاع العام، إلى تعميق الانقسامات في سوريا وترك مئات الآلاف من دون دخل، ورجح خمسة مسؤولين أوروبيين وعرب أن يدفع ذلك الجنود المدربين للانضمام إلى جماعات معارضة أو إلى صفوف العاطلين من العمل، مما يعني تفاقم حال عدم الاستقرار في سوريا.
ولم يرد مكتب الشرع ولا وزارة الخارجية السورية على طلبات للتعليق.
معضلة
وإضافة إلى التحدي المتمثل في إخماد العنف الطائفي يجب على الشرع أيضاً أن يتعامل مع مجموعة من القوى الأجنبية، من الولايات المتحدة وروسيا إلى إسرائيل وتركيا وإيران، تحول الأراضي السورية إلى رقعة شطرنج جيوسياسية، إذ تسيطر أنقرة على الشمال وتدعم قوات المعارضة بينما تقمع الطموحات الكردية، وتسيطر القوات التي يقودها الأكراد والمدعومة من واشنطن على الشرق حيث حقول النفط المهمة، في حين استفادت تل أبيب من سقوط الأسد لتعزيز وجودها العسكري وهي تسيطر الآن على منطقة عازلة منزوعة السلاح مساحتها 400 كيلومتر مربع وتدعم الأقلية الدرزية وتعارض القيادة السورية.
ورداً على المذابح التي ارتكبت بحق المدنيين شكل الشرع لجنة تحقيق ووعد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى إن كانوا مقربين منه.
لكن أي إجراء ضد المسلحين الذين نفذوا عمليات القتل يمكن أن يشعل اقتتالاً بين الفصائل وعمليات تطهير وصراعاً على السلطة، مما يجعل الحكومة الجديدة عالقة في معضلة، كما توقع دبلوماسيون ومحللون.
وقال نائب رئيس مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي" مروان المعشر "من الواضح أن الشرع لا يسيطر على الجهاديين الأجانب ولا يتحكم في كل شيء، ومن الواضح أن المذابح نفذها سلفيون جهاديون لا يستمعون إلى ما يقوله".
وبينما يقر الدبلوماسيون بأن التحقيق خطوة في الاتجاه الصحيح، يعتقدون بأن مصداقيته كانت ستكون أقوى بكثير في ظل وجود مراقبين من الأمم المتحدة ومراقبين دوليين.
وأضافوا أن الاختبار الحقيقي لقيادة الشرع لا يكمن فقط في النتائج التي توصلت إليها اللجنة ولكن في كيفية تعامله مع المقاتلين المسؤولين عن الفظائع.
ومع ذلك كانت المذابح تذكيراً صارخاً بالقوى الفاعلة في سوريا ما بعد الأسد، مما يشير إلى حقيقة قاسية مفادها بأن الإطاحة بديكتاتور هي مجرد بداية معركة أكبر وأكثر خطورة لتشكيل مستقبل البلاد.
ورأى رئيس "مركز الخليج للأبحاث" ومقره السعودية عبدالعزيز صقر أن وجود "عناصر وجماعات منفلتة تعمل لمصالحها وخارج إطار القانون سيؤدي إلى انهيار الوضع الأمني وكذلك انهيار سلطة الدولة"، قائلاً "لذا فإن القيادة الجديدة لا خيار لها غير التعامل الجاد والحازم مع هذا النوع من الانتهاكات".
وذكر دبلوماسي عربي أن الدعم السياسي من الدول العربية ليس بلا حدود ويجب أن تقابله خطوات ملموسة، بما في ذلك حكومة شاملة وحماية الأقليات وإحراز تقدم حقيقي على الأرض، مما يعني تقاسماً حقيقياً للسلطة مع العلويين والمسيحيين والأكراد والأقليات الأخرى، وعندها فقط يمكن للقيادة الجديدة أن تحقق الاستقرار في سوريا وتحظى بدعم الولايات المتحدة وأوروبا.
وربطت واشنطن والدول الأوروبية رفع العقوبات التي كانت مفروضة في عهد الأسد بإثبات السلطات الجديدة التزامها الحكم الشامل وحماية الأقليات، ويعد رفع هذه العقوبات أمراً حاسماً لإنعاش الاقتصاد السوري المنهار والتحدي الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الشرع.
النهج نفسه
وعلى رغم وعود الإصلاح، منح الدستور الجديد الشرع سلطة مطلقة باعتباره رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء وقائداً للقوات المسلحة ورئيساً لمجلس الأمن القومي، كما منحه سلطة تعيين القضاة والوزراء وثلث أعضاء البرلمان لتتلاشى بذلك الآمال في الإصلاحات الديمقراطية.
وينص الدستور الذي أعلن عنه هذا الشهر ويسري لمدة خمسة أعوام على أن الفقه الإسلامي هو "المصدر الأساس" للتشريع.
ويقول منتقدون إن الدستور استبدل الحكم الديني بالحكم الاستبدادي، مما يعمق المخاوف في شأن جذور الشرع الذي كان زعيماً لفصيل إسلامي متشدد تحالف في السابق مع تنظيم "القاعدة".
وانتقد الأكراد الذين يسيطرون على شمال شرقي سوريا ووافقوا في الآونة الأخيرة على الاندماج في الحكومة الجديدة، الدستور الموقت لأنه "يعيد إنتاج الاستبداد بصورة جديدة".
ويرى محللون أن معضلة سوريا تعكس التجارب التي خاضتها دول عربية قبل 10 سنوات عندما أطاحت موجة من الانتفاضات عام 2011 برؤساء مصر وتونس وليبيا واليمن.
وكانت ثورات "الربيع العربي" تبشر بنهضة ديمقراطية، لكن سيطرة متشددين إسلاميين عليها والانقلابات العسكرية والانقسامات حولت هذه الآمال إلى انتكاسات، ولم تدُم الانتصارات طويلاً وانزلقت دول مثل اليمن وليبيا إلى دائرة العنف والفوضى.
وتقف سوريا التي خاضت صراعاً أطول وأكثر دموية عند مفترق طرق مماثل الآن، ويقول محللون إن الفشل سيلاحق حكام سوريا إذا اتبعوا سياسات إقصائية تتجاهل التنوع الثقافي والديني والعرقي للبلاد تماماً مثلما فعل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بعد الإطاحة بحسني مبارك.
ولم يلبِّ الدستور المصري الذي كان مثيراً للانقسام في عهد مرسي مطالب الشعب المتنوعة، مما دفع الجيش إلى الإطاحة به، وذكر محللون أن اتباع مثل هذه السياسة في سوريا سيؤجج المقاومة في الداخل ويثير غضب الدول المجاورة ويستدعي التدخل الأجنبي.
وقال صقر "المختلف عليه هو هوية الدولة أو طبيعتها، فهناك أطراف داخلية وخارجية كانت ترغب في قيام دولة علمانية والإعلان الدستوري أكد الهوية الدينية الإسلامية للدولة"، شارحاً أن "كون الشريعة الإسلامية المصدر الأساس للتشريع، كان من الممكن تطبيق المثال التركي القائم أي دولة علمانية تحكم من قبل حزب إسلامي".
وأوضح المعشر من مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" أن سقوط الأسد يجب أن يكون بمثابة تحذير لمن خلفوه في سوريا، مضيفاً أن على الشرع أن يقرر إما أن يتبع نهج الأسد نفسه الذي أدى إلى انتفاضة شعبية أطاحت به في النهاية، أو أن يسلك مساراً مختلفاً.
وتابع أن "يجب على حكام سوريا الجدد أن يدركوا أن النموذج الاستبدادي الوحشي للنظام الذي يحلون محله كان في نهاية المطاف غير قابل للاستمرار كما هي الحال مع أي نظام سياسي قائم على الإقصاء والحكم الحديدي، وإذا لجأوا إلى القمع، فسيعرضون سوريا لمصير قاتم".