ملخص
كثيراً ما طالبت أحزاب سياسية ومنظمات نقابية في تونس الرئيس قيس سعيد بالدخول في حوار وطني لإخراج البلاد من حال الانسداد السياسي الذي تعيشه، إلا أن هذه الدعوة قوبلت دوماً بالرفض من قبل الرئيس الذي يصر على اعتماد الأطر الرسمية.
تثير دعوات متواترة من قبل أحزاب المعارضة في تونس إلى حوار وطني أو العمل مع السلطة، تساؤلات حول ما وراء "رسائل المهادنة" هذه خصوصاً أنها تأتي مع استمرار القطيعة بين معظم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني مع السلطات.
وأطلق أحدث تلك الرسائل حزب "الجمهورية الثالثة" ورئيسته ألفة الحامدي، الموجودة خارج تونس، إذ دعت الرئيس قيس سعيد إلى "العمل معاً لإنقاذ البلاد"، بينما لم يصدر أي تعليق فوري من قبل السلطات حول هذه الدعوة.
وقالت الحامدي في بيان إن "حزبنا لا يعتبر نفسه في المعارضة بل يتطلع للعمل المشترك من أجل إنقاذ البلاد، وكمؤتمن على مؤسسات الدولة في هذه المرحلة نريد تضافر جهود الجميع، وتكامل الخبرات الوطنية من أجل بلوغ هذا الهدف".
واقع المعارضة
وتأتي هذه الرسائل في خضم انسداد سياسي تعيشه تونس منذ حل الرئيس قيس سعيد البرلمان والحكومة في الـ25 من يوليو (تموز) 2021 ودفعه بتعديلات سياسية ودستورية مثيرة للجدل والانقسام.
وتعاني المعارضة في تونس تراجعاً لافتاً في حضورها ترجمته عبر مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد سواء المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية وأيضاً فقدانها شعبيتها.
وقال الباحث السياسي، الجمعي القاسمي، إنه "لا بد من التركيز أولاً على واقع المعارضة التونسية التي تشتتت وتآكلت وفقدت حضورها السياسي على الصعيدين الشعبي والرسمي".
وتابع القاسمي "لذلك ليس غريباً أن نرى رسائل مهادنة تجاه السلطة وحتى تبايناً للمواقف ووصولها إلى حد التناقض في مسألة أعتقد أنها قاسم مشترك يفترض أن يتم البناء عليه، وهي الدعوة إلى حوار وطني تشارك فيه جميع الأطراف لإيجاد الحلول الضرورية التي يمكن أن تفتح ثغرة في جدار الواقع السياسي والاقتصادي المتردي والاجتماعي المحتقن أصلاً".
ورأى أن "المسألة طبيعية جداً لأن المعارضة في تونس بجميع خلفياتها السياسية والفكرية عادة ما تصل إلى مثل هذه المواقف المتناقضة تجاه السلطة، لكن القراءة الموضوعية تستدعي من الجميع التكاتف والعمل على ترسيخ هذا القاسم المشترك، أي الدعوة إلى الحوار وبلورته على أرض الواقع".
أمر مقلق
وتشكو تونس تفاقماً للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فيما يسعى سعيد إلى اختراق هاتين الأزمتين من خلال خطط مثيرة للجدل، إذ عمد إلى تغيير طاقمه الحكومي مرات عدة ضمن مساعيه إلى إيجاد حلول للأزمات التي تعرفها البلاد.
ويواجه الرئيس سعيد، الذي تسلم دفة الحكم عام 2019 كمرشح مستقل وأعيد انتخابه لولاية ثانية مدتها خمسة أعوام في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، انتقادات متصاعدة، لا سيما في ظل غياب أي قنوات للتواصل أو الحوار مع الأحزاب أو النقابات أو المنظمات غير الحكومية.
وقال الباحث السياسي التونسي، بوبكر الصغير، إن "هذه الدعوات غريبة الأطوار، وألفة الحامدي على سبيل المثال في كل مرة تفاجئنا بموقف وليس لها خط سياسي واضح شأنها شأن حزبها، لذا أعتقد أنها دعوة يكتنفها الغموض شأنها في ذلك شأن بقية دعوات الحوار مع السلطة في تونس".
وأوضح الصغير أن "هناك تغيرات إقليمية ودولية ومحلية تدفع نحو توجيه أحزاب المعارضة رسائل مهادنة إلى السلطة في مسعى إلى العودة إلى المشهد السياسي المتأزم، وهو ليس بمعزل عما يحدث في العالم".
وأبرز المتحدث ذاته أن "المخيف في هذه المرحلة في تونس بالفعل هو غياب أي دور للأجسام الوسيطة سواء الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني، وأن تنفرد السلطة بالشأن العام وحدها، وأن يكون لها أطراف مشاركة ومساهمة في تأطير الرأي العام، هذا أمر مقلق وقد تكون له تبعات خطرة خصوصاً إذا بلغت الحالة نوعاً من الفراغ السياسي".
وخلص الصغير إلى أن "الدولة في حاجة إلى حوار بالفعل من أجل دعم سياساتها وأن تقنع الناس بخياراتها، لكن أن يُعزل كل الأطراف من قوى مدنية تتمثل في المنظمات والجمعيات فهذا أمر مثير للقلق بالفعل".
لا تلبية محتملة
ومع تصاعد الدعوات إلى الحوار الوطني، التي باتت تصدر عن المعارضة والموالاة معاً، تخامر التساؤلات الأوساط السياسية والمراقبين في تونس حول ما إذا كان سعيد سيستجيب إلى هذه الدعوات.
وقبل أسابيع أشاع حديث للرئيس التونسي عن "الوحدة الوطنية" أجواء من التفاؤل في شأن إمكانية دعوته إلى الحوار مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات التي لا تكل عن مطالبته بذلك.
ويرى الجمعي القاسمي أنه "لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس سعيد رافض تماماً كل أحزاب المعارضة والأجسام الوسيطة ككل من منظمات وأحزاب، كذلك فإنه كان واضحاً في رفضه جميع أشكال الحوار".
وأبرز القاسمي أن سعيد "رد في أكثر من مرة على أن الاستفتاء الشعبي الذي أجري على الدستور والاستشارة الوطنية هما شكلان من أشكال الحوار وهما صوت الشعب، ومن ثم فلا أتوقع أن يلبي أي دعوة إلى الحوار أو التعاون مع أحزاب المعارضة".