ملخص
يصف الإسرائيليون الذين واصلوا تظاهراتهم منذ مساء أول من أمس الأربعاء وحتى ظهر أمس الخميس في القدس تمرير الموازنة بأنه "يوم فارق".
لم ينتظر الإسرائيليون طويلاً لتتحول توقعات الرئيس السابق للمحكمة العليا أهرون براك حول خطر تدهور قطار دولتهم وانزلاقه عن مساره إلى واقع بسبب سياسات حكومة بنيامين نتنياهو وإمكان فقدان الديمقراطية، وبات الخوف الآن ليس من الانزلاق بل من عدم القدرة على توقيف هذا القطار.
قبل ساعات شهدت إسرائيل بداية مرحلة جديدة من فقدان الديمقراطية وتعزيز الديكتاتورية، بعدما نجحت حكومة الثلاثي نتنياهو - سموتريتش - بن غفير في ضمان أكثرية في الكنيست لدعم تعديل قانوني يمنح الحكومة السيطرة على تعيين قضاة المحكمة العليا، بهذا المضمون لخصت قيادة المعارضة في إسرائيل نتائج جلسة الكنيست التي استمرت ساعات طويلة حاولت خلالها منع سيطرة الحكومة، أيضاً، على المحكمة العليا من خلال تعيينها قضاة مقربين منها ويتماشون مع سياستها.
كان هذا في اليوم التالي من معركة شرسة لا تقل خطورة على إسرائيل ومجتمعها عندما نجح نتنياهو في تمرير موازنة، هي الكبرى في تاريخ الدولة منذ إقامتها عام 1948 وتجاوزت قيمتها 169 مليار دولار، وإذا كانت خطورتها في تدهور الوضع الاقتصادي إلى درجة خطرة في إسرائيل فإن الخطر الأكبر يكمن في زيادة مبالغ طائلة جاءت لمخصصات الأمن ووزارات الائتلاف الحاكم، مقابل تقليصات الموازنات لإعادة تأهيل غلاف غزة وبلدات الشمال وضمان حماية أمنهم من خلال استكمال بناء الملاجئ والغرف الآمنة.
يصف الإسرائيليون الذين واصلوا تظاهراتهم منذ مساء أول من أمس الأربعاء وحتى ظهر أمس الخميس في القدس تمرير الموازنة بأنه "يوم فارق"، وبمشاركة شخصيات سياسية وأمنية ومن المعارضة، طالب المتظاهرون بوقف الحرب وإعادة الأسرى ورفض الموازنة ودعوة الحكومة إلى عدم التدخل في تعيين قضاة المحكمة العليا، لكن شيئاً لم يغير حقيقة أن نتنياهو بائتلافه الحالي قادر على تحقيق أكثرية داعمة في الكنيست لكل مقترح يعرضه للتصويت وهذا ما حصل، حقيقة، إذ دعم الموازنة 67 من أصل 120 نائباً.
أما دعوة المعارضة إلى العصيان والإضراب عن العمل واتخاذ إجراءات عدة تمس مباشرة بالحكومة، فلم تلق دعم أكثرية بين الجمهور باستثناء ارتفاع صوت مئات جنود الاحتياط، الذين أعلنوا رفضهم الامتثال لأوامر القيادة بالوصول إلى قواعدهم العسكرية للتدريب والاستعداد، وذلك احتجاجاً على عودة الجيش للقتال في غزة وعرقلة صفقة الأسرى.
الموازنة... قنبلة موقوتة
كما هي الحال بالنسبة إلى تدخل الحكومة في شؤون المحكمة العليا وتعيين القضاة، وتداعياتها الخطرة على الديمقراطية التي تتغنى بها حكومة نتنياهو، فإن المصادقة على أكبر وأخطر موازنة يضع إسرائيل أمام أخطار محلية ودولية أيضاً بكل ما يتعلق باقتصادها.
وعلق زعيم المعارضة يائير لبيد على الموازنة الجديدة بقوله "إنها موازنة سارقين"، محذراً من أن المصادقة عليها تقرب الدولة بصورة خطرة من عدم القدرة على حماية نفسها.
واعتبرت المعارضة أن أكثرية 67 نائباً داعماً للموازنة تعكس خطورة تفشي وتقوية اليمين الإسرائيلي، مشيرة إلى أن تخصيص تداعيات تخصيص مليار ونصف المليار دولار من الموازنة لمجموعات يمينية تمثلها أحزاب الائتلاف، بينها المستوطنون والحريديم، وفي المقابل خُفضت موازنة وزارات عدة وقُلصت خدمات الجمهور مقابل رفع نسبة الضرائب.
محافظ بنك إسرائيل، بروفيسور أمير يارون، لم يتردد في وصف الموازنة بالقنبلة الموقوتة وحذر منها، أما مسؤول آخر مقرب من الحكومة فرأى أن المصادقة عليها "تمت مع عجز أقل من خمسة في المئة، وستكفي لتمويل كلفة الحرب حتى الآن والبدء في مهمة إعادة الإعمار من خلال إعادة الاقتصاد في إسرائيل إلى مكان ثابت وهادئ".
لكن التقرير الذي نشره بنك إسرائيل يوضح عكس ذلك تماماً، وجاء فيه أنه "على متخذي القرارات العمل بصعوبة أكثر مما عملوا حتى الآن لإعادة الاقتصاد إلى المكان الذي كان فيه قبل الحرب، وفي بنك إسرائيل يدركون ذلك من المؤشر الأساس للاستدامة المالية، علاوة على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، التي قفزت منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023".
وفي تقرير نشر في "ذي ماركر"، الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس"، أمس، اعتبر اقتصاديون في بنك إسرائيل أن "الخفوضات ورفع الضرائب، حتى الآن، ستكون كافية على الأكثر لتغطية زيادة كلف الحكومة التي لحقت وستلحق بسبب الحرب، التغطية ليس إلا، ويعني هذا أن نسبة الدين إلى الناتج ربما ستتوقف عن الصعود لكنها لن تنخفض"، وأرجعوا ذلك إلى أمرين، أولهما أن جزءاً من الأحكام في موازنة 2025 موقت وسينتهي في القريب إذا لم يُجدد، والثاني أن النفقات غير الأمنية يتوقع ارتفاعها.
الاحتياط يجبي ثمناً
هنا رأت المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، يردين بن غال، أن "ارتفاع عبء الخدمة العسكرية، لا سيما الاحتياط، سيواصل جبي ثمن اقتصادي باهظ بعد إفشال الحكومة إلزام الحريديم التجنيد وعدم توزيع العبء"، مؤكدة أن عدم المساواة في تحمل العبء ليس فقط مشكلة أخلاقية أو اجتماعية إنما يشمل أيضاً ضعف دمج الشباب الحريديم في سوق العمل.
ومضت في تحليلها "يتضح أن عدم مشاركة الرجال الحريديم في تحمل العبء داخل الجيش والاقتصاد في إسرائيل بشكل عام، لا سيما في هذه الفترة، يمثل العائق الرئيس أمام الدولة في طريقها إلى تحسين الوضع الاقتصادي بعد الحرب".
في تقرير "ذي ماركر" وجه بنك إسرائيل الانتقاد لسياسة حكومة نتنياهو في كل ما يتعلق بالشباب الحريديم، وفي المقام الأول تمويل بطالتهم وغياب تعليم المواضيع الأساس، مؤكداً أن "بيانات التشغيل المتدنية للرجال الحريديم تعكس محفزات اقتصادية تعطى لمن يمكنهم العمل ولكنهم لا يعملون".
ولعل التحديات التي نشأت في أعقاب الحرب، بحسب التقرير، جرت إضافتها إلى المشكلات التي واجهت الاقتصاد قبل الحرب ولم يجر تغييرها، وبات علاج المشكلات الرئيسة في إسرائيل حالياً أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى.
وقال التقرير "المستوى الأعلى لنفقات الدفاع في المستقبل القريب، وضرورة الحفاظ على هامش مالي، يؤكدان بدرجة أشد على أنه مطلوب القيام بالتكيف حتى في تركيبة نفقات الحكومة، التي ستعكس سلم أولويات مناسباً لتحديات الاقتصاد".
في موضع آخر في التقرير، تقول يردين بن غال، إن "التعديلات التي أجرتها الحكومة حتى الآن، بما في ذلك في موازنة 2025، لا تناسب تحديات الاقتصاد على المديين المتوسط والبعيد، وإذا لم تُنفذ خطوات مهمة أخرى فإن السياسة الاقتصادية للحكومة يمكن أن تدخل إسرائيل في حال فساد خطرة وتدهور اقتصادي".
حسب بنك إسرائيل فإن كلفة الحرب في موازنة 2023 – 2024، تجاوزت 37 مليار دولار، ويمكن إضافة إلى ذلك ما دُفع من صندوق ضريبة الأملاك كتعويض مباشر وغير مباشر عن أضرار الحرب، وهي 5 مليارات دولار.
والزيادة الحادة للنفقات مُولت بالأساس بواسطة زيادة عجز الموازنة، الذي وصل عام 2024 إلى 6.8 في المئة من الإنتاج، ويقدر البنك أن النفقات العامة على المدى المتوسط (2026 – 2030) يتوقع أن تزداد 14 مليار دولار في السنة، مقارنة مع تقديره قبل الحرب.
المستشرق والرئيس السابق لمعهد بن غوريون لأبحاث إسرائيل والصهيونية، آفي بار – آيلي، اعتبر يوم المصادقة على الموازنة بمثابة العد التنازلي للقضاء على الديمقراطية، وفي رأيه فإن المصادقة على الموازنة أنهت أي إمكانية لإسقاط حكومة نتنياهو في الأقل من الناحية التقنية "فوفق الموازنة حصلت أحزاب اليمين والحريديم على المكافأة الكبيرة ولم تعد الحكومة مهددة".