ملخص
يرى البنك الدولي أن التحول الرقمي في باكستان يمكن أن يضيف مليارات إلى الناتج المحلي الإجمالي
بعد أعوام من عدم الاستقرار الاقتصادي، بدأت باكستان تبرز كلاعب مهم في مجال الاقتصاد الرقمي، مدفوعة بازدهار قطاع تكنولوجيا المعلومات والاستثمارات الكبرى في البنية التحتية الرقمية، وجيل شاب متمرس في المجال التقني، إلا أن هذا الصعود يواجه تحديات بنيوية بما فيها البيروقراطية المعقدة والنقص في المهارات المتخصصة، وعدم الاستقرار السياسي الذي يحد من جذب الاستثمارات طويلة الأجل.
فرص بقيمة 75 مليار دولار
فيما يرى البنك الدولي أن التحول الرقمي في باكستان يمكن أن يضيف مليارات إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتوقع "مجلس الاستثمار الباكستاني" أن يبلغ حجم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 20 مليار دولار خلال العام الحالي.
وتشير تقديرات إلى أن الاقتصاد الرقمي الباكستاني قد يصل إلى 75 مليار دولار، مع نمو هذا القطاع بمعدل سنوي يبلغ 30 في المئة. وبحلول عام 2029، يقدر أن يسهم قطاع تكنولوجيا المعلومات بنحو 3.6 مليار دولار في الناتج المحلي، وارتفعت عائدات تصدير خدمات التكنولوجيا بنسبة 28 في المئة لتصل إلى 1.86 مليار دولار، وهو مؤشر إلى إمكانات السوق الباكستانية.
مستشار وزير المالية الباكستاني خورام شهزاد أكد إلى "اندبندنت عربية" على نمو السوق الرقمية الباكستانية، قائلاً إن "قطاع التكنولوجيا حقق زيادة سنوية بنسبة 27 في المئة، ويوجد الآن أكثر من 187 مليون مستخدم للبروباند، و125 مليون مستخدم للهواتف الذكية، فيما بلغت صادرات البلاد من تكنولوجيا المعلومات والخدمات القائمة على هذه التكنولوجيا 3.5 مليار دولار خلال العام المالي 2024"، متوقعاً أن "تتجاوز 4 مليارات دولار خلال عام 2025، مع توقعات تستهدف 7 و8 مليارات دولار خلال العامين المقبلين".
تحديات بنيوية
على رغم هذه الأرقام وطموحات الحكومة الباكستانية في التحول إلى مركز رقمي عالمي، فإن العقبات التنظيمية والبيروقراطية المعقدة وعدم استقرار السياسات الاقتصادية، ما زالت تعوق التقدم نحو هذا الهدف، فعلى سبيل المثال استغرق تنفيذ نظام "الحكومة الإلكترونية" قرابة 18 عاماً ليشمل جميع الوزارات.
ويلفت بعض المتخصصين إلى التحديات البنيوية مثل ضعف شبكات الإنترنت في المناطق الريفية التي دعا مراراً البنك الدولي إلى الاستثمار فيها، ونقص الإطار التنظيمي الداعم للابتكار، إضافة إلى تقلب السياسات الاقتصادية، إذ إن تحقيق هذا النمو يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية، إلى جانب سياسات أكثر استقراراً لجذب المستثمرين الأجانب أبرزها قوانين حماية البيانات ووضع أطر متينة للأمن السيبراني.
جيهان آرا التي تمتلك خبرة في قطاع التكنولوجيا الباكستاني والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة "كاتاليست لابس" (مركز يعنى بتسريع الأعمال والابتكار للشركات الناشئة)، أوضحت إلى "اندبندنت عربية" أن "ما يعوق الاقتصاد الرقمي يتمثل في صعوبة حصول الأفراد على الهواتف الذكية ونقص الإمكانات الرقمية، وضعف الوعي لدى عدد أكبر من سكان المدن والبلدات والقرى الباكستانية الصغيرة بأهمية تسخير المنصات المتاحة لتمكينهم، إضافة إلى بعض السياسات التي تحد من استخدام التكنولوجيا الرقمية".
وأضافت آرا التي تعد من أشد المدافعين عن الحقوق الرقمية وريادة الأعمال في باكستان أنه "يجب أن تركز السياسات على خصوصية البيانات، وحرية التعبير، وحماية الشباب الراغبين في استخدام التكنولوجيا للتعاون والنمو، ويعد تعزيز الثقافة الرقمية خارج المدن الرئيسة أمراً أساسياً، مع الأخذ في الاعتبار الشمولية، ولا سيما النساء اللاتي يشكلن نصف عدد سكان البلاد".
التحول الرقمي والشمول المالي
لا تزال مستويات الثقة في المعاملات الرقمية منخفضة بين بعض الفئات السكانية، نظراً إلى مخاوف تتعلق بالأمان السيبراني، وفي ظل عدم وجود إطار قانوني قوي يحمي المستخدمين من الاحتيال المالي، ويحتاج القطاع المصرفي الرقمي لتعزيز الشفافية وبناء أنظمة حماية أكثر متانة لكسب ثقة العملاء.
وفي إطار تعزيز الشمول المالي ولا سيما في المناطق الباكستانية التي تعاني الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية، أعلنت خدمة "جاز كاش" (محفظة مصرفية على الهاتف المحمول تتيح للمستخدمين إرسال الأموال وتسلمها ودفع الفواتير) عن استثمار 250 مليون دولار في توسيع نطاق الاتصال عبر الألياف الضوئية.
قوة شابة... لكن أين الفرص؟
مع الأخذ في الاعتبار أن 64 في المئة من السكان تحت سن الـ30، تمتلك باكستان إحدى أكبر القوى العاملة الشابة في العالم، مما يمنحها فرصة فريدة لتصبح مركزاً للابتكار الرقمي، وأن سياسات مثل "قانون الأمة الرقمية 2025" تعمل على تعزيز بيئة الأعمال للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
ويشير شهزاد إلى أن "مبادرات مثل برنامج "DigiSkills.pk" الذي أطلق عام 2018 أسهم في توفير مهارات رقمية للشباب، وقدم أكثر من 2.2 مليون دورة تدريبية، مع استهداف تقديم 1.5 مليون دورة تدريبية أخرى خلال الأشهر الـ26 المقبلة"، مضيفاً "يمكن لشراكات بين القطاعين العام والخاص أن توسع نطاق التدريب، كالشراكة بين الحكومة وعملاق الاتصالات (هواوي)، لإطلاق بوابة تدريب على تكنولوجيا المعلومات وتزويد الشباب بالكفاءات الرقمية الأساس".
إلا أن نقص برامج التدريب المهني المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات ما زال يشكل عائقاً رئيساً أمام الاستفادة الكاملة من هذه القوة الشابة، بحيث تواجه الشركات المحلية صعوبة في العثور على مهارات متقدمة في مجالات مثل "الذكاء الاصطناعي" والأمن السيبراني، مما يدفع ببعضها إلى البحث عن مواهب خارج البلاد.
وتلفت جيهان آرا إلى وجود نقص في التركيز على توسيع قاعدة الأشخاص ذوي هذه المهارات، وتعد أن مبادرات القطاع الخاص الصغيرة لا تكفي لسد الفجوة، ويتعين على الحكومة التركيز على مزيد من البرامج ليس فحسب في المدن، بل في مختلف أنحاء البلاد".
وتحذر قائلة "إن طفرة شبابنا لن تجدي نفعاً لنا كدولة ما لم نطور كوادرنا ونهيئ لهم فرصاً اقتصادية، وإذا لم تعالج هذه المشكلة، سيبحث بعضهم عن فرص في المنطقة والعالم".
باكستان في المشهد العالمي
تسعى باكستان إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي لتكنولوجيا المعلومات، مع توقعات بوصول عائدات التصدير إلى ما بين 10 و18 مليار دولار بحلول عام 2028، وتركز على قطاعات ناشئة مثل الألعاب الرقمية و"الذكاء الاصطناعي"، إلى جانب استضافة مؤتمرات لجذب المستثمرين الدوليين في هذا المجال.
وفيما يؤكد شهزاد أن "باكستان أصبحت أول دولة تنفذ "مبادرة الاستثمار الأجنبي المباشر الرقمي"، التي أطلقها "المنتدى الاقتصادي العالمي" و"منظمة التعاون الرقمي" (تهدف إلى معالجة العوائق الأساس أمام الاستثمار الرقمي)"، تلفت آرا أن "المستثمرين لن تكون لديهم ثقة في البلاد إلا إذا لمسوا اتساقاً في القرارات المتخذة، ووجود قوة عاملة ماهرة، وسياسات تسمح بتدفق رؤوس الأموال المستثمرة داخلياً ومن الخارج ولا سيما على قطاع الشركات الناشئة، وتزايداً في رقمنة مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص".
يمكن لباكستان تحقيق نمو مستدام في اقتصادها الرقمي عبر الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز الشمول المالي، وتنفيذ الإصلاحات الضرورية، لكن نجاحها في أن تصبح لاعباً رئيساً في الاقتصاد الرقمي العالمي يظل رهناً بتجاوز العقبات الهيكلية وضمان استقرار بيئة الأعمال فيها.