Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

مزارع مصر السمكية... الكلفة تحاصر صناعة "البروتين الرخيص"

يقدر حجم النشاط في البلاد بقيمة 3.5 مليار دولار وسط توقعات بالنمو لمجابهة الطلب المحلي

زاد إنتاج الأسماك في مصر (المستزرعة والمصيدة) منذ عام 2014 بنسبة 35 في المئة (أ ف ب)

ملخص

يقول أحد المتخصصين في الصناعة إن تكنولوجيا الاستزراع المكثف تمثل حلاً باهظ الكلفة لمشكلة نقص المساحات المائية

تعد مصر أكبر منتج للاستزراع المائي في أفريقيا، إذ تنتج ما يقارب مليوني طن من الأسماك سنوياً، وتمثل تربية الأحياء المائية ما يقارب 80 في المئة من إنتاج الأسماك في البلاد، وذلك عبر المزارع الخاصة في المقام الأول، ومع ذلك تواجه تربية الأحياء المائية في مصر تحديات، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، المنافسة على المياه، ومحدودية الوعي بأمراض الأسماك، ونقص مرافق المعالجة الكافية، والأهم ارتفاع كلفة الأعلاف والطاقة، بالتالي تضخم أسعار الأسماك.

وعلى رغم هذه التحديات فمن المتوقع حدوث زيادة مستقبلية في الإنتاج والطلب، بحسب تقرير أميركي حديث صادر عن وزارة الزراعة، بسبب استمرار النمو السكاني والانتعاش الاقتصادي، ومن المرجح أن تساعد ممارسات إنتاج الأعلاف المستدامة، وزيادة الاستفادة من ابتكارات كفاءة المياه، إضافة إلى الممارسات الزراعية المحسنة وتدابير الأمن الحيوي لتحسين صحة الأسماك، المزارع السمكية المصرية على مواصلة توسيع إنتاجيتها.

صدارة أفريقية

وفقاً لتقرير حالة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في العالم لعام 2024 الصادر عن الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تتصدر مصر أفريقيا في إنتاج تربية الأحياء المائية، إذ تمثل 67 في المئة من إجمال تربية الأحياء المائية في القارة، وعلى رغم كونها رائدة في أفريقيا، فإن هذا لا يمثل سوى 1.7 في المئة من الإنتاج العالمي لتربية الأحياء المائية الذي تقوده الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام.

في حديثه مع "اندبندنت عربية" يقول مازن الصواف وهو باحث شاب في مجال الاستزراع السمكي ولديه مشروع خاص في المجال ذاته، إن الاستزراع السمكي يعد من أهم مجالات الأمن الغذائي في كثير من دول العالم، وهذا بسبب زيادة إقبال الشعوب على استهلاك الأسماك نظراً إلى أنها مصدر غني بالبروتين وتمتاز بسعر رخيص نسبياً مقارنة باللحوم الحمراء.

وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية، زاد إجمال إنتاج الأسماك في مصر (المستزرعة والمصيدة) منذ عام 2014، بنسبة 35 في المئة، من 1.48 مليون طن في 2014 إلى مليوني طن في السنة التقويمية 2023، وزادت حصة تربية الأحياء المائية من إجمال إنتاج الأسماك المصرية بنحو 50 في المئة، من 1.1 مليون طن عام 2014 إلى 1.57 مليون طن عام 2023.

الاستزراع السمكي المكثف

ويضيف الصواف أنه نظراً إلى توسع الاستزراع السمكي على مستوى العالم ظهرت تكنولوجيا حديثة تساعد في زيادة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك، لكن ثمة تحديات تواجه عملية الاستزراع أبرزها الحاجة إلى مساحات مائية كبيرة، ولذلك ظهرت تكنولوجيا الاستزراع المكثف في كثير من دول العالم، عبر استزراع كميات كبيرة جداً من الأسماك في مساحات صغيرة نسبياً مقارنة بالنظام التقليدي، إضافة إلى إعادة استخدام المياه طوال مدة الدورة بنسبة هدر بسيطة يمكن استغلالها في ري المحاصيل الزراعية.

 

لكن يعاود الباحث للإشارة إلى تحديات استخدام هذا النظام، إذ كلفة التشغيل والطاقة الخاصة الباهظة، ومن ثم فالحاجة إلى تقديم دعم لأصحاب المزارع التي تطور من نفسها لتستخدم هذا النظام، موصياً بضرورة تشجيع شباب المتخرجين الجدد على الانتظام في هذه المشروعات لقدرتها على تأمين الطلب الاستهلاكي.

البوري والبلطي والدنيس

وتمثل تربية الأحياء المائية ما يقارب 80 في المئة من إجمال إنتاج الأسماك المصرية في الوقت الحاضر، بقيمة تبلغ نحو 3.5 مليار دولار، وهناك عدد من أنواع الأسماك المنتجة تجارياً في البلاد، بما في ذلك البلطي النيلي الذي يهيمن على الصناعة ويمثل 61.7 في المئة من إجمال الأسماك المستزرعة، والبوري (22 في المئة)، إلى جانب أنواع أخرى مثل الدنيس البحري والقاروص وسمك السلور وثعبان البحر وسمك موسى.

وفي مصر تتوزع المزارع السمكية في شمال الدلتا، ويتركز إنتاج البلطي في البلاد في المحافظات الشمالية الأربع وهي كفر الشيخ وبورسعيد والشرقية والبحيرة، ومن بين هذه المحافظات تعد كفر الشيخ أهم محافظة للاستزراع السمكي في مصر، إذ تنتج وحدها 40 في المئة من إجمال إنتاج الأسماك المستزرعة في البلاد.

ارتفاع فاتورة الأعلاف

ويتحدث الباحث عن ارتفاع كلفة الأعلاف بصورة مؤثرة في نشاط الاستزراع السمكي، في ظل اعتمادها على المكونات المستوردة من الذرة وفول الصويا اللتين تستوردهما مصر من مناشئ عدة بفعل ضعف الإنتاج المحلي مقارنة بحجم الطلب للاستهلاك، وهو ما جعل من هذه الخامات عرضة للتقلب السريع في وجود أزمة النقد الأجنبي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

وتدرك الحكومة المصرية إمكانات تربية الأحياء المائية والقدرة على تطوير وتوسيع صناعة تربية الأحياء البحرية على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط لأن الأنواع البحرية (مثل الدنيس والقاروص) تربى في مثل هذه الموائل، ومن الأمثلة على ذلك مشروع استزراع الفيروز (شرق محافظة بورسعيد) الذي يستهدف إنتاج 13 ألف طن من الأسماك سنوياً، ومشروع استزراع أسماك غليون (في محافظة كفر الشيخ) الذي يستهدف إنتاج 13800 طن من الأسماك سنوياً، ويركز كلاهما على أنواع الأسماك مثل قاروص البحر والدنيس البحري والبوري.

وبالمثل في البحر الأحمر أنشأت هيئة قناة السويس مشروعها للاستزراع السمكي بمساحة 303 هكتارات لإنتاج الدنيس والقاروص واللوتس والساحلي والقشريات مثل الجمبري وجراد البحر.

وتختلف أسعار أعلاف الأسماك بنوعيها (الغاطس والطافي) تبعاً للشركة المنتجة، وتراوح ما بين 25 ألف جنيه (500 دولار) و28 ألفاً (550 دولاراً)، من نحو أقل من نصف هذه الكلفة قبل تعويم الجنيه المصري أمام الدولار في مارس (آذار) 2024، حين انتقل سعر الدولار من 30 جنيهاً إلى 51 جنيهاً في الوقت الحالي.

لكن التوسع في تربية الأحياء المائية محدود إلى حد ما بسبب قيود المياه وطبيعتها المجزأة وإنتاجها على نطاق صغير مقارنة بالصناعات الأخرى مثل الدواجن، ونظراً إلى القيود التي تواجهها، تركز مصر بصورة كبرى على زيادة إنتاجية المزارع القائمة، بدلاً من الاستثمار في مشاريع جديدة، وفقاً لتقرير وزارة الزراعة الأميركية.

نمو ١٠ في المئة

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، من المتوقع أن يرتفع إنتاج تربية الأحياء المائية في مصر بنسبة 10 في المئة تقريباً بحلول عام 2032، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة في الإنتاج إلى تحفيز الطلب على 397600 طن من أعلاف الأسماك، منها 119280 طناً ستستخدم وجبة فول الصويا المستخدمة في تركيب أعلاف الأسماك (والباقي من الذرة، أو وجبة جلوتين الذرة، أو إضافات الأعلاف).

اقرأ المزيد

وفي حين أن منظمة الأغذية والزراعة متفائلة في شأن توقعاتها، هناك أيضاً تحديات يتعين على قطاع تربية الأحياء المائية المصري التغلب عليها، بما في ذلك ارتفاع أسعار الأعلاف وندرة المياه وأمراض الأسماك ومسبباتها وصعوبة تطبيق تدابير الأمن الحيوي ونقص مرافق المعالجة والحاجة إلى زيادة القدرة على التعبئة والتجميد.

وعلى رغم من هذه التحديات تواصل مصر نموها في قطاع الاستزراع المائي، وذلك لأسباب من بينها وجود مؤسسات بحثية قوية في مجال الاستزراع المائي مثل المعمل المركزي لبحوث الاستزراع المائي والكليات المتخصصة في مجال الاستزراع المائي وتحسين كفاءة التغذية، وتوفير التدريب على أفضل الممارسات الإدارية، والبحث عن الأمراض التي تؤثر في المزارع السمكية المصرية وإدخال النظم الذكية مناخياً، بحسب التقرير الأميركي.

حلول إنتاجية

وتعمل القاهرة على تحسين ممارسات الإدارة من خلال استخدام أنظمة مبتكرة لتدوير المياه والأعلاف المقذوفة والتحول إلى الزراعة المكثفة، وهو ما أسهم بدوره في زيادة إنتاج الأسماك وأتاح فرصاً للنمو في المفرخات التجارية وصناعة أعلاف الأسماك.

الأهم من ذلك أن مساهمة القطاع الخاص أدت إلى زيادة تطوير صناعة الاستزراع المائي في مصر، إذ إن نحو 80 في المئة من المزارع السمكية مملوكة للقطاع الخاص، وتبحث المزارع الخاصة باستمرار عن ممارسات وتقنيات جديدة يمكنها زيادة إنتاجها بطريقة مستدامة.

وتعد الأسماك الطازجة في مصر مصدراً شائعاً للبروتين الحيواني وتستهلك بكثرة في المدن الساحلية وشمال الدلتا، وفي بلد يقدر تعداد سكانه وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بأكثر من 107 ملايين نسمة، ويتوقع أن يصل إلى 117 مليون نسمة بحلول عام 2030، فضلاً عن استضافة 10 ملايين مهاجر من ليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان، فإن ارتفاع استهلاك الأسماك إلى النمو السكاني، وزيادة العرض المحلي، وزيادة عدد سلاسل المتاجر الكبيرة التي تميل إلى امتلاك قدرات سلسلة التبريد الأكثر تطوراً يعني زيادة عرض أنواع الأسماك المستزرعة المختلفة التي تجذب المستهلكين.

أزمة الدولار في مصر

وفي عام 2022، بدأ الاستهلاك في الانخفاض إذ عانت مصر نقص العملات الأجنبية، مما أدى عن غير قصد إلى ارتفاع معدلات التضخم، ونتيجة لذلك، أصبح من الصعب الحصول على المدخلات الخام والأعلاف، مما أثر سلباً في إنتاج الأسماك، إلى جانب التأثيرات المستمرة على الاقتصاد من جراء فيروس كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، وغيرها من الصراعات الجيوسياسية المهمة التي أضافت الأعباء إلى هذا الوضع الاقتصادي المتردي.

وبين عامي 2022 و2024 بلغ متوسط معدل التضخم الرئيس الشهري في مصر 25.35 في المئة، مع وصول أعلى معدل تضخم مسجل إلى 38 في المئة في أبريل (نيسان) 2024، وتسبب ارتفاع معدلات التضخم في ارتفاع متوسط أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 45.3 في المئة بين عامي 2022 و2024، وهو ما أدى إلى انخفاض استهلاك الفرد بنسبة 13 في المئة عام 2022 و13.4 في المئة عام 2023 مقارنة بعام 2021.

مع ذلك تتوقع القاهرة زيادة طفيفة في الطلب على الأسماك على مدى الأعوام الخمسة المقبلة بسبب النمو السكاني والانتعاش الاقتصادي التدريجي وانخفاض معدلات التضخم، وبالطريقة نفسها، فإن استخدام الأعلاف الجديدة والتقنيات المبتكرة وابتكارات كفاءة استخدام المياه والممارسات الزراعية الجيدة من شأنه أن يزيد الإنتاج، مما يسمح بزيادة الاستهلاك.