Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

طموحات بوتين وترمب بين القطب الشمالي وغرينلاند

ضم الجزيرة فكرة أميركية قديمة منذ ستينيات القرن الـ19 وروسيا تنصح بـ"أخذها على محمل الجد"

بوتين خلال زيارة قديمة له إلى الحدود الشمالية لروسيا الممتدة للقطب الشمالي (رويترز)

ملخص

قال بوتين إنه "من الواضح أن دور وأهمية القطب الشمالي آخذان في التنامي، سواء بالنسبة إلى روسيا أو للعالم أجمع، ولكن للأسف تشتد المنافسة الجيوسياسية، ويزداد الصراع على المواقع ومواطئ القدم في هذه المنطقة، ويكفي القول إن الجميع يعلم بهذا، وبخطط الولايات المتحدة حول ضم غرينلاند".

يبدو أن مناطق الجنوب العالمي لم تعد مغرية للدول الكبرى الحالمة بإرث جغرافي معتبر، يدر عليها ولها كثيراً من المواد الخام والمواقع الجيواستراتيجية، التي افتقرت إليها فترات طويلة، وها هو الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستهل فترة ولايته الثانية بالإعلان عن طموحاته تجاه ضم غرينلاند وكندا والمكسيك وبنما، وكانت هذه البلدان وجدت بين سكانها من يرفع عقيرته رفضاً وإدانة لمثل هذه الطموحات الاستعمارية، في وقت بادر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلان أن خطط الولايات المتحدة الرامية إلى ضم غرينلاند لها جذور تاريخية عميقة، وأن ما أعلن عنه نظيره الأميركي لا بد من أخذه على محمل الجد، ولما كان بوتين يقتفي أثر بطرس الأعظم من منطلق إيمانه الصوفي بالتاريخ، على حد قول عميد الدبلوماسية الأميركي هنري كيسنجر، فقد توقف طويلاً عند ما يعتبره حقاً لروسيا في منطقة القطب الشمالي.

كان بوتين سبق وأعاد إلى الأذهان أكثر من مرة رغبته في استعادة تراث سلفه بطرس الأعظم، ليستلهم منه ما سبق وحدده من ثوابت لاستعادة روسيا سابق أمجادها ومكانتها التي تستحق على خريطة السياسة العالمية، كذلك حرص بوتين على إدخال التغييرات اللازمة في "العقيدة البحرية الروسية" لتكون بمثابة استراتيجية العمل في الفترة القريبة المقبلة بما تحدده من ملامح نشاط وسياسات موسكو في المحيطين الإقليمي والعالمي، وبما تستهدفه من طموحات "القوة البحرية العظمى"، والتصدي لما يهدد البلاد من أخطار من جانب الولايات المتحدة التي تواصل محاولات فرض هيمنتها على الصعيد العالمي، إلى جانب ما يساورها وحلفاءها من رغبات في الحيلولة دون تحقيق روسيا طموحاتها تجاه ما تحتويه أراضيها من ثروات طبيعية إلى جانب حقها في الطريق البحري الشمالي.

بعض من التاريخ

الرئيس فلاديمير بوتين أشار إلى ذلك في خطابه الذي ألقاه أخيراً في مدينة مورمانسك التي ثمة من يعدها عاصمة القطب الشمالي، وكانت هذه المدينة الواقعة في الشمال الغربي لروسيا استضافت "المنتدى الدولي للقطب الشمالي الذي عقد بمناسبة الذكري 500 لاكتشاف الطريق البحري الشمالي، تحت شعار "عش في الشمال... القطب الشمالي - أرض الحوار"، وهناك استعرض بوتين بعضاً من التاريخ، حين أعاد إلى الأذهان أن ما قاله دونالد ترمب ليس جديداً، بل جاء متأخراً عما سبقه إليه أسلافه القدامى منذ ما يقارب قرناً ونصف القرن. وتوقف بوتين ليشير إلى تصاعد المنافسة الجيوسياسية حول هذه المنطقة، معيداً إلى الأذهان أن الولايات المتحدة سبق وأعربت عن رغبتها في ضم غرينلاند في ستينيات القرن الـ19، مؤكداً أن هذه الخطط لا يمكن وصفها بالاستثنائية.

وقال بوتين إنه "من الواضح أن دور وأهمية القطب الشمالي آخذان في التنامي، سواء بالنسبة إلى روسيا أو للعالم أجمع، ولكن للأسف تشتد المنافسة الجيوسياسية، ويزداد الصراع على المواقع ومواطئ القدم في هذه المنطقة، ويكفي القول إن الجميع يعلم بهذا، وبخطط الولايات المتحدة حول ضم غرينلاند"، وأضاف الرئيس الروسي أن بعض المتابعين قد يفاجأ للوهلة الأولى فحسب، بما صدر عن ترمب بصدد الجزيرة، فضلاً عن أنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذا نوع من المبالغة في الكلام من قبل الإدارة الأميركية الجديدة. وأوضح أن الحديث في هذا الصدد يدور حول خطط جادة من واشنطن في شأن غرينلاند، وأن هذه الخطط لها جذور تاريخية راسخة، كذلك فإنه بات واضحاً أن الولايات المتحدة ستواصل تعزيز مصالحها الجيواستراتيجية والعسكرية والسياسية والاقتصادية في القطب الشمالي بشكل منهجي، على حد قول بوتين.

 

 

وقد ركز الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومنذ عودته إلى منصبه في البيت الأبيض لفترة ولاية ثانية في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي، جل اهتمامه لضم غرينلاند، وجعلها قضية رئيسة في خطابه السياسي، مشيراً إلى أهميتها الاستراتيجية ومواردها المعدنية الغنية، فضلاً عن موقعها الجغرافي الحاسم على أقصر طريق بين أوروبا وأميركا الشمالية، وهو أمر بالغ الأهمية لنظام الإنذار الصاروخي الأميركي، نظراً إلى أن المنظومات الصاروخية الروسية في حال استهدافها الأراضي الأميركية ستتخذ الطريق الأقصر الذي يمر عبر غرينلاند، وليس عبر المحيط الهادئ، لكن حكومتي غرينلاند والدنمارك أعربتا عن معارضتهما أي خطوة من هذا النوع، ولم يصدر تعليق رسمي من الحكومة الغرينلاندية، التي تعمل حالياً بصفة حكومة موقتة بعد الانتخابات العامة التي جرت في الـ11 من مارس (آذار) الجاري، وفاز بها حزب يدعو إلى نهج تدريجي نحو الاستقلال عن الدنمارك، فضلاً عن مقاطعة الزيارات "شبه الرسمية" التي أعلن عنها كبار المسؤولين الأميركيين لزيارة الجزيرة، ومنهم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس ومعه مستشار الرئيس للأمن القومي مايك والترز و وزير الطاقة كريس رايت، وكان فانس ومن معه تعمدوا تفقد قاعدة "بيتوفيك" الفضائية العسكرية الأميركية في شمال غربي غرينلاند خلال زيارتهم الجزيرة، وهو ما قوبل باندلاع تظاهرات ضدها.

تنمية القطب الشمالي أولوية سيادية لروسيا

أعرب الرئيس فلاديمير بوتين ومنذ أعوام ولايته الأولى في مطلع القرن الحالي عن شديد اهتمامه بتنمية مناطق القطب الشمالي، ليس فقط من أجل ما تملكه من موارد وثروات طبيعية، بل وأيضاً لأهميتها الاستراتيجية وكونها "جزءاً لا يتجزأ من أراضي روسيا الاتحادية". وفي زيارته الأخيرة التي شارك خلالها في أعمال المنتدى الدولي للقطب الشمالي أكد بوتين "أن تنمية منطقة القطب الشمالي أولوية سيادية تاريخية لروسيا"، فيما أشار إلى أن عدد العسكريين الروس في منطقة القطب الشمالي سيزداد.

بوتين أكد كذلك أن روسيا ستواصل الاستكشاف الجيولوجي الواسع النطاق في القطب الشمالي، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن موسكو ليس لديها مانع في شأن إطلاق مشاريع مشتركة في القطب الشمالي مع الدول الغربية، إذا أبدت اهتمامها بمثل هذا العمل. ولم يغفل الرئيس الروسي الإشارة إلى أن بلاده تمتلك أكبر أسطول لكاسحات الجليد في العالم، وقال إن الأمر على رغم ذلك "في حاجة إلى تعزيز أكثر". وتعهد زيادة قدرات الموانئ الشمالية الروسية، وأصدر توجيهاته في شأن دراسة مسألة إنشاء أحواض لبناء السفن الجديدة والحديثة وذات التكنولوجيا العالية في روسيا، وينطلق بوتين في هذا الصدد من الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي يشغلها القطب الشمالي بالنسبة إلى بلاده.

وننقل عن دراسة علمية كتبها الأستاذ في المدرسة العليا لإدارة الإنتاج بجامعة سانت بطرسبورغ للفنون التطبيقية، أليكسي فادييف، ما نشرته "الصحيفة الروسية" (الصحيفة الرسمية للدولة) حول أن القطب الشمالي هو ثلث أراضي روسيا الاتحادية، كذلك فإن 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وما يقارب ربع الصادرات الروسية تتكون من الشركات الواقعة في منطقة القطب الشمالي، التي تعمل في كثير من المجالات، ومنها استغلال طريق البحر الشمالي وتطوير الحقول البحرية وتسييل الغاز الطبيعي ونقل الغاز الطبيعي المسال ونقل النفط.

ثروات القطب الشمالي

لعله لم يعد "سراً حربياً" ما تزخر به الأدبيات الروسية والعالمية من معلومات حول ثروات القطب الشمالي، وتشير مختلف التقديرات إلى وجود نسبة تراوح ما بين 25 و30 في المئة من احتياطات النفط والغاز غير المكتشفة في العالم، فضلاً عن كمية كبيرة من المعادن الثمينة (البلاديوم والبلاتين)، وكما كتبت الولايات المتحدة في استراتيجيتها، ووفقاً لحساباتها، فإن روسيا تحصل على أكثر من 80 في المئة من غازها الطبيعي ونحو 20 في المئة من نفطها من القطب الشمالي. وتخطط الولايات المتحدة لزيادة الاستثمارات في هذه المنطقة "لإبراز قوتها" وتقويض هيمنة موسكو في المنطقة.

ومن اللافت في هذا الصدد أن استراتيجية وزارة الدفاع الأميركية التي نشرت للمرة الأولى عام 2013 تعد وثيقة مهمة وعنصراً أساساً في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، وتضمنت تحديد الأهداف الأميركية في الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتشمل الأمن والوجود العسكري في المنطقة لحماية المصالح الوطنية والبحث العلمي في شأن تغير المناخ والتعاون الدولي لحل النزاعات الإقليمية سلمياً.

 

 

وتقول الأدبيات الروسية إن روسيا تتمتع بأكبر مساحة جغرافية وأكثر القوات العسكرية الإقليمية تطوراً بين جميع الدول الموجودة في القطب الشمالي، وتتحدث وزارة الدفاع الأميركية عن مثل هذه المعلومات في استراتيجيتها لتنمية منطقة القطب الشمالي، كذلك حُددت روسيا إلى جانب الصين في الوثيقة باعتبارها واحدة من التحديات الأمنية الرئيسة في المنطقة، وفي استراتيجية جديدة صدرت في يوليو (تموز) 2024 تنظر الولايات المتحدة إلى القطب الشمالي من خلال منظور المنافسة بين القوى العظمى.

ومنذ عام 2022 تعمل هذه الدول على تعزيز حضورها العسكري والدبلوماسي والاقتصادي في المنطقة، كذلك فإن الصراع حول هذه المنطقة يتواصل بين الدول ذات الصلة الجغرافية معها، وهي روسيا والدنمارك والنرويج وكندا والولايات المتحدة وهي البلدان التي سبق وتقدمت أيضاً إلى الأمم المتحدة لإثبات أحقيتها في مناطق القطب المتجمد الشمالي، ولم يقتصر الأمر على هذه البلدان وحسب، بل انضمت إليها أخيراً الصين التي تطالب بالمشاركة في إدارة القطب الشمالي من أجل حماية المصالح المشتركة لجميع البلدان والمجتمع الدولي في القطب الشمالي وتعزيز التنمية المستدامة هناك.

روسيا تطلب توسيع حدودها في القطب الشمالي

بوتين من جانبه سبق واستهل أعوام ولايته الأولى بطلب تقدمت به بلاده إلى الأمم المتحدة حول الاعتراف بتوسعة مناطق الجرف القاري، لتوسيع الحدود الخارجية للجرف القاري لروسيا في المحيط المتجمد الشمالي، ليشمل مناطق يعتقد أنها تحوي احتياطات هائلة من النفط والغاز. وتقول الأدبيات الروسية "إن الأبحاث المعمقة التي أجرتها موسكو على مدى أعوام تثبت أن الجرف القاري الخاص بها يمتد أبعد من شعاع بطول 200 ميل بحري، وتشمل المنطقة التي تطالب بها روسيا مرتفع مندليف وجبال لومونوسوف التي تطالب بها كذلك الدنمارك وكندا"، وتقول روسيا إن هذه المناطق مثلها مثل مركز القطب الشمالي هي جزء من القارة الأوروآسيوية.

وأرسلت روسيا على مدى الأعوام الـ10 الماضية تسع بعثات لجمع معطيات المسح الجيولوجي وتصوير قاع المحيط على امتداد آلاف الكيلومترات، كما بين نائب مدير الأبحاث في معهد الدراسات المحيطية في سانت بطرسبورغ فيكتور بوسيلوف الذي أعد الوثيقتين الأولى والثانية، وفي حال قبول الأمم المتحدة الوثيقة الثانية لن تحصل روسيا فقط على الحق في الثروات المعدنية وإنما ستتمكن أيضاً من توسيع حدودها، وفق بوسيلوف، الذي قال أيضاً "سنرسم حدوداً ستمنع دولاً أخرى من الوصول إلى هذه المنطقة".

وشهدت الأعوام الأخيرة تكثيف بلدان حلف شمال الأطلسي "الناتو" تدريباتها العسكرية في القطب الشمالي، تزامناً مع تكثيف موسكو وجودها العسكري في المنطقة وتجديدها البنى التحتية العسكرية هناك.

المزيد من تقارير