Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

حظر السفر... هل يحل أزمة نقص الأطباء في مستشفيات مصر؟

مقترح برلماني بإلزام الأطباء بالعمل داخل البلاد من 2 إلى 5 أعوام قبل السماح لهم بالسفر ومتخصصون: "غير دستوري ولا يعالج أساس المشكلة من جذورها"

يقدر عدد الأطباء المصريين العاملين في الخارج بـ 100 ألف طبيب (رويترز)

ملخص

يتساءل البرلماني المصري مقدم المقترح: هل من المقبول أن الدولة تدرب وتؤهل الأطباء ثم يرحلون عنها ويتركونها من أجل العمل بالخارج؟ وهل يعقل استقدام أطباء أجانب من الخارج ولدينا خبرات وكفاءات طبية في مصر؟ وهل من المنطقي أن يكون لدينا مستشفيات طبية على أعلى مستوى وبكلفة مالية باهظة ولا يوجد بها أطباء لتشغيلها؟

بهدف حل أزمة نقص الكوادر الطبية في المستشفيات و"منح الدولة المصرية حقها"، اقترح برلماني مصري إلزام الأطباء بالعمل داخل البلاد من عامين إلى خمسة أعواد بعد التكليف، قبل السماح لهم السفر، مع مراعاة تعديل رواتبهم لتلائم الظروف المعيشية الحالية.

ويعتقد النائب رفعت شكيب مقدم المقترح أن ذلك سيحل أزمة هجرة الأطباء المصريين إلى الخارج، ويعالج معضلة نقص الكوادر الطبية داخل المستشفيات الحكومية لا سيما في القرى والنجوع، موضحاً أن الهدف "ليس تقييد حرية الأطباء مثلما يزعم ويروج بعض بصورة خاطئة، لكن منح الدولة حقها بعد إنفاقها مبالغ كبيرة على تعليمهم، من ثم يجب ضمان استمرارهم في خدمة المنظومة الصحية داخل مصر لفترة لا تقل عن خمسة أعوام بعد التخرج قبل السماح لهم بالسفر والعمل في الخارج"، مؤكداً أن "هذا حق الدولة ولا يجب التفريط فيه".

وبينما يتساءل شكيب هل من المقبول أن الدولة تدرب وتؤهل الأطباء ثم يرحلون عنها ويتركونها من أجل العمل بالخارج؟ وهل يعقل استقدام أطباء أجانب من الخارج ولدينا خبرات وكفاءات طبية في مصر؟ وهل من المنطقي أن يكون لدينا مستشفيات طبية على أعلى مستوى وبكلفة مالية باهظة ولا يوجد بها أطباء لتشغيلها؟ فإن رؤى الأطباء في شأن المقترح البرلماني جاءت متباينة، فمنهم من يراه سبيلاً لحل أزمة نقص الأطباء داخل المستشفيات الحكومية، ويعالج هجرتهم للخارج، ومن ذهب إلى أنه يخالف نصوص القانون والدستور، وسيؤدى إلى تقييد حرية الأطباء وإجبارهم على ترك المهنة.

وأظهر حصر أعدته نقابة الأطباء المصرية أن عدد الأطباء والطبيبات الذين تقدموا إلى النقابة خلال عام 2022 بمستندات إنهاء خدمتهم من قطاع الصحة الحكومي في مصر واستخراج شهادة (طبيب حر)، التي تعني عدم عمل الطبيب بأية جهة حكومية، كان 4261 طبيباً وطبيبة بمعدل يومي 12 طبيباً وطبيبة، وإذا جرى استبعاد أيام العطلات يصبح المعدل اليومي 13.5 طبيب وطبيبة.

وأشارت النقابة إلى أن هذا العدد من المتقدمين بمستندات استقالاتهم من الحكومة هو الأكثر خلال الأعوام السبعة الماضية، فخلال عام 2016 كان العدد 1044، وعام 2017 كان 2549، وفي عام 2018 كان العدد 2612، وعام 2019 كان 3507، وعام 2020 كان العدد 2968، أما في عام 2021 فكان العدد 4127 طبيباً وطبيبة.

هل المقترح قانوني؟

يؤيد البرلماني المصري وعضو لجنة الصحة السابق في البرلمان الدكتور سامى المشد المقترح السالف ذكره، موضحاً "الدولة أنفقت مبالغ طائلة على الأطباء مقابل تعليمهم وتدريبهم، من ثم يجب الحفاظ على الخريجين الجدد والاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم كونهم يمثلون عصب العملية الصحية داخل مصر، وبخاصة في ظل النقص الكبير الذي تعانيه عديد من المستشفيات المصرية".

ويضيف المشد في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "يجب أن تكون هناك مساع قوية من الأجهزة المعنية بملف الصحة في مصر لتطبيق هذا المقترح، لكن الأمر مشروط بضرورة تحسين رواتب الأطباء والأوضاع المعيشية ومنحهم بدلات أخطار مناسبة، إضافة إلى تعديل مواعيد (النوبتجية) لعدم الضغط على الأطباء وإرهاقهم". مشدداً على ضرورة "أن تتدخل الدولة لإيجاد الصيغة القانونية الملائمة لتطبيق هذا المقترح".

وعلى الجانب المقابل، يصف نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبدالحي المقترح بـ"غير المدروس"، مؤكداً أنه "يستهدف تقييد حرية السفر للأطباء"، ومشيراً إلى أنه "كان من الأجدى البحث عن علاج لأسباب ظاهرة هجرة الأطباء إلى الخارج لا إجبارهم على البقاء ومنعهم من السفر. الحل ليس في منع الأطباء وتقييدهم حريتهم، لأنها قد تضطرهم لهجرة المهنة بأكملها والبحث عن مهنة بديلة توفر لهم ظروفاً معيشية أفضل".

ويضيف نقيب الأطباء لـ"اندبندنت عربية"، "هذا المقترح يفتقر إلى المنهج العلمي في التفكير، ولا يعالج أساس القضية من جذورها"، لافتاً إلى أن أسباب هجرة الأطباء إلى الخارج مختلفة وتتنوع ما بين "الرغبة في تحسين الظروف المعيشية وتقاضى رواتب أفضل أو تلقي تعليم مرتفع، أو التدريب على تقنيات طبية حديثة".

ويوضح نقيب الأطباء أن تعداد الأطباء المصريين العاملين في الخارج سواء للهجرة أو الإعارة يقارب 100 ألف طبيب.

 

ويتفق الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء الدكتور خالد أمين مع الرأي السابق، موضحاً أن تقييد سفر الأطباء أمر "غير دستوري. ولا يمكن تقييد حرية أي شخص إلا بأمر قضائي". واصفاً المقترح بـ"غير المنضبط وليس له محل من الإعراب، ويستهدف التضييق على الأطباء ويزيد الأزمة تعقيداً"، متسائلاً "لماذا اختص المقترح الأطباء دون غيرهم على رغم أن هناك فئات عديدة أيضاً تضطر للهجرة إلى الخارج؟".

وتنص المادة (62) من الدستور المصري على أن "حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة أو فرض الإقامة الجبرية عليه أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون".

ويوضح أمين خلال حديثه أن أزمات الأطباء ليست مقصورة على هجرتهم إلى الخارج بحثاً عن أوضاع وظروف معيشية أفضل، لكن كثيراً من أرباب تلك المهنة بدأوا يهجرونها نهائياً باعتبارها، من وجهة نظرهم، أصبحت غير مربحة في ظل الظروف المعيشية الحالية. مشدداً على ضرورة إيجاد حلول جذرية لحل أزمة هجرة الكوادر الطبية ونقص أعدادهم داخل المستشفيات الحكومية بعيداً من إجبار الطبيب على البقاء وتقييد حريته.

وخلال يونيو (حزيران) 2023، علق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال كلمته ضمن مؤتمر الشباب على أزمة هجرة الأطباء، إذ تساءل "ليه الأطباء بيمشوا (لماذا يهاجر) من مصر؟ لأنني لا أمنحهم رواتب جيدة ويبحثون عن فرص أفضل، وقلت لوزير التعليم العالي هنزود عدد خريجي كليات الطب، لأني ما أقدرش (غير قادر) أمنع الأطباء من السفر".

وأعلن نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبدالغفار في تصريحات تلفزيونية أواخر يوليو (تموز) 2024، أن هجرة الأطباء موجودة في كل دول العالم، بما في ذلك بريطانيا التي تعاني نقصاً شديداً في الفرق الطبية، مضيفاً أن هذه المشكلة باتت مؤرقة جداً، موضحاً أنه من الممكن أن تكون هناك أفضل خدمات صحية ممكنة من خلال الإمكانات الإنشائية والتجهيزات، لكن يظل العنصر البشري فعالاً وأساسياً.

وأشار عبدالغفار إلى أن هناك تكليفاً من الرئيس عبدالفتاح السيسي لوزارتي الصحة والمالية بدراسة أحوال الأطباء من الناحية المادية، وهو عنصر مهم كون الطبيب إنساناً لديه التزامات وارتباطات وحاجات، ولا يمكنه أن يشغل وظيفة أخرى لزيادة دخله، لافتاً إلى أن الإجراءات التي جرى اتخاذها لمواجهة الأزمة لم تكن كافية، تحديداً من حيث زيادة نبطشيات (نوبتجيات) السهر وبدل أخطار المهن الطبية، مؤكداً أن مثل هذه الإجراءات لا تضمن للطبيب حصوله على الحد الكافي لتغطية حاجاته.

اقرأ المزيد

دولة طاردة للأطباء

"مقترح غير مقبول شكلاً وموضوعاً، وسيعمق أزمة هجرة الأطباء بصورة أكبر"، هكذا يقول عضو النقابة العامة للأطباء الدكتور أيمن سالم، موضحاً "من حق الطبيب أن يمارس عمله في المكان الذي يختاره وبالطريقة التي تحقق له الرضا الوظيفي. وأصبحنا نعيش في عالم مفتوح وهناك مسألة عرض وطلب وكل شخص من حقه أن يختار الطريقة التي تلائمه".

ويشير سالم خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "مصر أصبحت طاردة للأطباء، ولكي تتحول إلى دولة جاذبة عليها توفير عدة مقومات رئيسة، أبرزها منح الأطباء رواتب وظيفية مرتفعة تلائم الظروف المعيشية الراهنة، وتوفير الأمان الوظيفي بحمايتهم أثناء عملهم وعدم الاعتداء على الطواقم الطبية، علاوة على توفير الضمانات الاحترازية الكافية لحمايتهم من الأمراض والأوبئة أثناء عملهم".

وخلال فبراير (شباط) 2024، وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتخصيص 4.5 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية، وهيئات التمريض تراوح ما من 250 إلى 300 جنيه في بدل الأخطار للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100 في المئة في بدل السهر والمبيت.

 

ويؤكد عضو النقابة العامة للأطباء أن الدراسات التي أعدتها النقابة أظهرت أن 60 في المئة من الأطباء الخريجين سنوياً، الذين يراوح عددهم ما بين سبعة و10 آلاف طبيب يفضلون الهجرة للعمل خارج البلاد، فيما يضطر الآخرون للبقاء لظروف اجتماعية تتعلق بالرغبة في عدم ترك أسرهم.

وخلال مارس (آذار) 2019، أظهرت دراسة أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية بالتعاون مع وزارة الصحة عن مدى حاجة مصر للأطباء البشريين والمقارنة بالمعدلات العالمية، وذكرت الدراسة أن أعداد الأطباء البشريين الحاصلين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 من دون الأطباء على المعاش تقدر بـ212 ألفاً و835 طبيباً، بينما من يعمل وقتها فعلياً في مصر داخل الجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية تقريباً 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38 في المئة من القوة الأساس المرخص لها مزاولة مهنة الطب، وأضافت الدراسة أنه طبقاً لهذا العدد يكون معدل الأطباء في مصر 8.6 في المئة طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن.

وفي رأي البرلماني المصري الدكتور أحمد العرجاوي عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، فإنه كان من الأجدى إعداد دراسة شاملة عن أسباب هجرة الأطباء إلى الخارج والدوافع وراء ذلك، لا إجبار الأطباء على البقاء في ظل الظروف المعيشية الراهنة، مشيراً إلى أن ما يراوح ما بين 44 إلى 47 في المئة من خريجي الطب سنوياً يضطرون للهجرة إلى الخارج، لأسباب تتعلق بالتعليم والتدريب لا لاعتبارات مادية فحسب.

ويضيف العرجاوى خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن كثيراً من الأطباء المصريين يرغبون في السفر إلى دول مثل بريطانيا، كونها تفتح الباب أمام الأطباء لتسجيل الدراسات العليا مجاناً، ومواكبة أحدث التقنيات الطبية العالمية والحصول على زمالات ومنحهم رواتب جيدة تلائم مؤهلاتهم ودرجاتهم العلمية، مشيراً إلى أن بعض الأطباء يعودون إلى مصر بعد الحصول على شهادات علمية متقدمة.

واحتلت مصر المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى بريطانيا، بحسب تقرير أصدرته سلطات القوى العاملة البريطانية عام 2022، التي أشارت إلى أن "أعداد الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا ارتفعت بنسبة 200 في المئة منذ عام 2017".

المزيد من تحقيقات ومطولات