ملخص
خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أعلنت إسرائيل توقيع تعديل في الاتفاقية يتيح وجود قوات حرس داخل منطقة رفح (واقعة ضمن نطاق المنطقة ج)، لمصلحة تعزيز وجود الجيش المصري فيها. وجاء الاتفاق آنذاك استجابة للحاجة الأمنية التي تتطلب تعديل بعض بنود اتفاق السلام، بما يسمح بمزيد من الانتشار العسكري في المناطق المحاذية للحدود، التي كانت تشهد "عمليات إرهابية" وانتشاراً لجماعات متطرفة، إذ تحدد معاهدة السلام القوات المصرية والإسرائيلية المتمركزة على الحدود، لكنها تنص على إمكانية زيادة عددها وفق اتفاق بين البلدين.
عادت التصريحات الإسرائيلية المثيرة تجاه مصر للواجهة مجدداً، إذ أفادت مصادر أمنية في تصريحات لصحافيين إسرائيليين بأن تل أبيب طلبت من القاهرة تفكيك ما وصفته بـ"البني التحتية العسكرية التي أقامها الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء".
وفق ما أفاد به مراسل صحيفة "جيروزاليم بوست" نقلاً عن مصدر أمني تحدث للصحافيين أول من أمس الإثنين، فإن إسرائيل لاحظت أخيراً حشوداً عسكرية مصرية داخل شبه جزيرة سيناء. وقال المصدر "نشرت مصر قوات تتجاوز الحصة المسموح بها ووسعت مرافق الموانئ ومدت مدارج الطائرات في المطارات"، ذاهباً إلى الزعم بأن القاهرة تنتهك اتفاق السلام بين البلدين. وفيما يتعلق بدخول قوات مصرية تتجاوز الحصة المسموح بها، أكد مسؤولون أمنيون أن "مثل هذه الإجراءات قابلة للتراجع، وليس هناك مشكلة في سحب الدبابات".
وبينما قال المصدر الأمني إن "إسرائيل لن تتسامح مع الانتهاكات المصرية"، فإنه أكد التزام بلاده بالحفاظ على اتفاق السلام، ولن تغير انتشارها على طول الحدود. وأضاف "لن تقبل إسرائيل بهذا الوضع، ولن تتسامح مع انتهاكات القاهرة". ووفق ما نشرته الصحافة الإسرائيلية فإن إسرائيل تجري مناقشات مع كل من القاهرة وواشنطن حول هذا الموضوع، إذ أوضح المصدر أن "واشنطن مسؤولة عن الحفاظ على اتفاق السلام، وعليها ضمان تنفيذه كما هو".
من جانبها، نفت مصادر مصرية تحدث لوسائل إعلام حدوث أية خروقات لاتفاق السلام، مع التأكيد أن مصر أوضحت لإسرائيل أنها تتخذ الإجراءات المناسبة لتأمين حدودها في ظل الأحداث داخل غزة دون المساس باتفاق السلام.
توتر متجدد
ومنذ حرب غزة تزداد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً على رغم وساطة الأولى وتصدرها الجهود العربية والإقليمية لوقف القتال، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص داخل قطاع غزة، وأدى إلى أزمة إنسانية قاسية. وفي الوقت نفسه، تقود القاهرة الرفض الدولي لمشروع تهجير سكان غزة، وتصدت لخطط متفق عليها بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب لتفريغ القطاع من مواطنيه. وخلال فبراير (شباط) الماضي، أعدت مصر خطة تبنتها القمة العربية المصغرة التي عقدت داخل الرياض، كرد عربي على مقترح ترمب في شأن تحويل القطاع إلى ما يوصف بـ"ريفييرا غزة".
وحديث المسؤولين في تل أبيب في شأن التحركات العسكرية المصرية في سيناء ليس جديداً، ففي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، أعرب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون عن قلقه من القدرات العسكرية المصرية، متسائلاً عن سبب استمرار الجيش المصري بالتحديث والتطوير. وقال إن المصريين "ينفقون مئات الملايين من الدولارات على المعدات العسكرية الحديثة كل عام، ومع ذلك ليس لديهم أية تهديدات على حدودهم، لماذا يحتاجون إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟ بعد "السابع من أكتوبر" يجب دق أجراس الإنذار، لقد تعلمنا الدرس، ويجب أن نراقب مصر من كثب ونستعد لكل سيناريو".
وفي منتصف فبراير (شباط) الماضي زعم السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر بأن مصر أنشأت قواعد عسكرية في سيناء "لا تستخدم إلا لعمليات هجومية، ولأسلحة هجومية". ووصف لايتر ذلك بأنه "انتهاك صارخ لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، بعد نحو 45 عاماً". وفي حين أشار السفير الإسرائيلي آنذاك، إلى أن حكومة بلاده ستعرض "قريباً جداً" التعزيزات العسكرية المصرية في سيناء، لكن لم تصرح أية جهة إسرائيلية بصورة رسمية أو غير رسمية عن نوع وماهية تلك التعزيزات، بما في ذلك تصريحات أمس التي اكتفت المصادر الأمنية بالإشارة إليها كـ"بنية تحتية عسكرية".
استراتيجية إلهاء إعلامي
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" قال أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق لدى الجيش المصري نصر سالم، إن ما يروجه المسؤولون الإسرائيليون من اتهامات لمصر دون سند أو كشف عن تفاصيل تلك الانتهاكات المزعومة لاتفاقية كامب ديفيد، هو "مجرد عملية تزييف لصرف الرأي العام عن الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني".
وأوضح سالم أنه وفق اتفاقية كامب ديفيد هناك آلية اتصال لمناقشة أية تجاوزات من طرفي المعاهدة، وبناء عليه يجتمع جهازا الاتصال المصري والإسرائيلي بصورة دورية للنظر في أية شكاوى، علاوة على وجود قوات متعددة الجنسيات توجد على كلا الجانبين من الحدود وتقوم بمراقبة تنفيذ اتفاق السلام وتتابع باستمرار وقوع أية خروقات وتجاوزات، مضيفاً بالقول "لو كانت مصر أقدمت على أية مخالفة مثلما يزعم الإسرائيليون لكانت الخارجية الإسرائيلية تقدمت بشكوى لمجلس الأمن، أو في الأقل الأميركان لن يصمتوا وهناك أقمار اصطناعية ترصد كل شيء".
تعديل اتفاقية كامب ديفيد
وتقسم معاهدة السلام الموقعة خلال الـ26 من مارس (آذار) 1979 شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق "أ، ب، ج" ويحظر الاتفاق على الجانب المصري إدخال الطائرات والأسلحة الثقيلة إلى المنطقة "ج" المجاورة للحدود مع إسرائيل وينص على ألا يزيد عدد الجنود المصريين المنتشرين على 750 جندياً، إلا أن أحد بنود الاتفاق يسمح بأن "تقام ترتيبات أمن متفق عليها بناء على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح داخل الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات الأمم المتحدة ومراقبون من الأمم المتحدة". وسبق أن وافقت تل أبيب منذ أعوام على زيادة عدد القوات المصرية في سيناء ضمن الحملة العسكرية للقاهرة ضد "التنظيمات الإرهابية".
وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أعلنت إسرائيل توقيع تعديل في الاتفاقية يتيح وجود قوات حرس داخل منطقة رفح (واقعة ضمن نطاق المنطقة ج)، لمصلحة تعزيز وجود الجيش المصري فيها. وجاء الاتفاق آنذاك استجابة للحاجة الأمنية التي تتطلب تعديل بعض بنود اتفاق السلام، بما يسمح بمزيد من الانتشار العسكري في المناطق المحاذية للحدود، التي كانت تشهد "عمليات إرهابية" وانتشاراً لجماعات متطرفة، إذ تحدد معاهدة السلام القوات المصرية والإسرائيلية المتمركزة على الحدود، لكنها تنص على إمكانية زيادة عددها وفق اتفاق بين البلدين.
من جانب آخر، نص اتفاق السلام على المنطقة الأمنية والعازلة الممتدة من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول 14 كيلومتراً، والمعروفة باسم "ممر فيلادلفي" تحت سيطرة إسرائيل من ناحية الأراضي الفلسطينية، والتي أطلق عليها المنطقة (د)، بهدف منع تهريب الأسلحة وتسلل الإرهابيين. غير أنه بموجب خطة "فك الارتباط" انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وسُلم للسلطة الفلسطينية خلال أغسطس (آب) 2005، مع احتفاظ إسرائيل بوجود عسكري في "محور فيلادلفي"، وخلال سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، وقعت مصر وإسرائيل "اتفاق فيلادلفي" الذي يسمح بنشر قوات مصرية على ذلك الشريط الحدودي بهدف مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب، وسرعان ما تطورت الأمور مع سيطرة حركة "حماس" على القطاع عام 2007، وبالتبعية فرضت إسرائيل حصاراً ضد سكان القطاع.
ويشير سالم إلى أن إسرائيل هي من ارتكبت المخالفة هنا، وفي كل الأحوال فإن "تلك الأمور تُناقش عبر جهازي الاتصال، إذ لا يستدعي الأمر أن تصل البلدان إلى حال حرب مثلما تصوره وسائل الإعلام".
وفي ما يتعلق باحتمال تراجع إسرائيل عن التعديل الواقع في اتفاق السلام عام 2021، لفت رئيس جهاز الاستطلاع المصري السابق إلى أنه ليس من مصلحة إسرائيل التراجع. ويقول "مثلما تحتاج مصر لهذا التعديل في إطار مكافحة الإرهاب، فإن إسرائيل تحتاج إليه وإلا لما وافقت عليه. ومن خلال هذا التعديل استطاعت مصر القضاء على شبكة من أنفاق التهريب، لذا فإن التراجع عن التعديل لن يضر مصر بقدر ما سيضر إسرائيل".
إسرائيل لا تعبأ بقلق مصر
ويقول السفير والدبلوماسي الإسرائيلي السابق مايكل هراري إن تل أبيب لا تولي اهتماماً للضغوط التي تشعر بها القاهرة ولا حتى التهديدات التي تواجه مصالحها الحيوية داخل المنطقة. ويضيف وفق مقال نشرته صحيفة "زمان إسرائيل" العبرية، نقل موقع إذاعة "مونت كارلو الدولية" مقتطفات منه "المقلق أن تل أبيب تبدو مستعدة لتعريض العلاقة الاستراتيجية مع القاهرة للخطر، ولذلك فقد أطلق حملة تشويه إسرائيلية للتحركات العسكرية المصرية في سيناء، وتعميم خطاب معاد حول أخطار تعزيز الجيش المصري، وعلى رغم الإنكار الصادر من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في شأن هذه التحركات وخطورتها، فإن الانطباع الناشئ بين عامة الإسرائيليين هو تراجع أهمية السلام الإسرائيلي المصري".
وعد هراري أن القلق المصري يتزايد كون القاهرة تنظر إلى اختلال ميزان العلاقة الثلاثية الحاكمة لاتفاق السلام مع تل أبيب، مع إضافة واشنطن كراع وداعم لذلك الاتفاق. فمنذ أشهر تحول الموقف الأميركي إلى دعم كلي لإسرائيل في غزة، وحتى في مشاريعها لما بعد الحرب، وهذا ما تعده القاهرة مقلقاً كونه يهدد اتفاق السلام بحد ذاته، ويهدد السلام العام داخل المنطقة وبخاصة إذا ما تمكنت إسرائيل من تهجير الفلسطينيين من القطاع.