Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

مخاوف من تهجير قسري لسكان الفاشر تحت ستار الإخلاء والحماية

"الدعم السريع" تطالب المدنيين بمغادرة عاصمة شمال دارفور والجيش يعد ذلك تهجيراً قسرياً

جانب مما يقال إنها عمليات إجلاء لمواطنين من الفاشر إلى مناطق آمنة (مواقع التواصل)

ملخص

الصراع على حماية المدنيين بالفاشر تهجير أم إجلاء؟ مصير مجهول للمدنيين في عاصمة شمال درافور في مواجهة صراع التهجير والبقاء.

في خضم المأساة الإنسانية المتفاقمة التي تعيشها الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وعاصمة الإقليم، يسجل الوضع المعيشي في المدينة انحداراً كارثياً نحو احتضار شبه كامل لمظاهر الحياة، بسبب الحصار القاتل الذي تفرضه قوات "الدعم السريع" عليها منذ أكثر من 10 أشهر، ويشتد الصراع والتجاذب بين طرفي القتال في شأن مصير المدنيين العالقين وسط المعارك الدائرة هناك، فبينما تصعد قوات "الدعم السريع" مطالباتها لهم بإخلاء المدينة عبر ممرات آمنة فتحتها لهم، يرى الجيش وحلفاؤه في تلك المطالبات تهجيراً قسرياً ومحاولة لإفراغ الفاشر من سكانها في مخطط لتغيير ديموغرافي كبير فيها وفي المنطقة كلها.

حصار ومعارك

وبعد نحو 189 هجوماً عسكرياً برياً وبالمسيرات وتواصل القصف المدفعي على أحياء المدينة من قبل قوات "الدعم السريع"، إلى جانب استمرار الاشتباكات والمعارك المتجددة مع الجيش و"القوات المشتركة"، تعيش المدينة التي تضم نحو مليونين من المدنيين كما تمثل ملاذاً لعشرات آلاف النازحين في معسكرات أبوشوك وزمزم وأبوجا، انعداماً شبه كامل للسلع والمواد الغذائية ومياه الشرب والدواء والسيولة النقدية.

ونتيجة للحصار المفروض على مدينة الفاشر منذ نحو عام، تشهد أسواق المدينة شحاً كبيراً وارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع الغذائية والأدوية، حيث زادت كلفة بعض السلع الأساسية مثل "الدخن والذرة والزيت والسكر والصابون، وسط مطالبات شعبية متصاعدة للحكومة المركزية بضرورة تسيير جسر جوي وتكثيف عمليات إسقاط للسلع والغذاء لمواطني الفاشر الذين أنهكتهم المعارك والصبر على الجوع.

ووفقاً لتقارير أممية، يواجه نحو مليون شخص في ولاية شمال دارفور خطر الجوع بشكل يومي داخل مدينة الفاشر والقرى والمحليات المحيطة بها، في حين لا تشكل إمدادات الغذاء من المنظمات سوى 30 في المئة من جملة الحاجات الإنسانية.

مخطط للتهجير

وإزاء دعوات قوات "الدعم السريع" وتعهداته بتأمين ممرات آمنة لخروج سكان الفاشر والنازحين من المدينة، اتهم مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، رئيس حركة جيش تحرير السودان، قوات "الدعم السريع"، بالتخطيط لتهجير سكان الفاشر و"معسكر زمزم" للنازحين، عبر تضليلهم بواسطة الحركات المسلحة الموالية لها والمؤجرة من قبلهم وتكثيف القصف والقتل في وسط المواطنين.

وقال مناوي في منشور على "فيسبوك"، إن اتفاق نائب قائد "الدعم السريع"، مع المنظمات الأممية بتوفير المركبات لنقل السكان بمقابل مالي ولوجيستي يعد الأسوأ من نوعه، مطالباً النازحين في الفاشر ومعسكرات زمزم وأبوشوك بعدم الانصياع لهذا المخطط تفادياً لتكرار تجربة "بوابة كبكابية" التي انتهت بالقتل والنهب واختطاف العائلات والمطالبة بالفدية لإطلاق سراحها.

وأكد مناوي أن الحكومة السودانية تبذل جهوداً كبيرة لإيصال المواد الغذائية والدوائية إلى أهالي الفاشر والمعسكرات المحاصرة من قبل ميليشيات "الدعم السريع" التي تقوم بإسقاط طائرات المهام الإنسانية التي تحمل المساعدات لدعم المنكوبين، مدعومة في أعمالها تلك من دول أعضاء في الأمم المتحدة.

وأشار حاكم دارفور إلى فشل المجتمع الدولي في تنفيذ القرار الأممي (2736) الذي يطالب بفك حصار الفاشر، معتبراً أن "مهمة إنقاذ السكان وتوفير المساعدات هي مسؤولية أممية بحتة".

تابع "ما هو أسوأ من ذلك هو ما كشفه نائب قائد الدعم السريع لقادة الحركات الموالية له بأن هناك اتفاقاً بينه وبين المنظمات الأممية لنقل المواطنين بواسطة مركبات توفرها المنظمات لجهات يوجهونها لها هم، وتعهد لهم مقابل ذلك بدفع المال وتوفير دعم لوجيستي لتثبيت الأماكن التي يحددونها للنازحين، لذلك أتوجه بدعوة إلى النازحين في زمزم والفاشر بعدم انصياع لهذا المخطط الخبيث الذي يتورط فيه أقرب أبنائكم المعروفين".

دروع بشرية

في المقابل يعتقد مستشار قائد قوات "الدعم السريع"، الباشا طبيق، أن "رفض قادة حركات دارفور (مناوي وجبريل) لخروج المواطنين من الفاشر ومعسكر زمزم وأبوشوك، ناتج من رغبتهم في استخدامهم كدروع بشرية، حتى لا تسقط الفاشر وتسقط معها امتيازاتهم في سلطة بورتسودان وامتيازاتهم المالية". وتابع طبيق، "أي انتهازية هذه التي ترهن مصير آلاف المدنيين من أجل تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية على حساب معاناة الأطفال والنساء وكبار السن، ويستمتع أولادهم وأقاربهم في أوروبا بملايين الدولارات التي يديرونها في الخليج، بينما يرفضون للمواطنين الخروج من مواقع الاشتباك والعمليات النشطة".

وأشاد المستشار، بمناشدات من سماهم "الشرفاء من أبناء دارفور" وتوفيرهم خطوط آمنة لخروج المواطنين من الفاشر ومعسكر زمزم ومعسكر أبوشوك، متهماً من وصفهم بـ"تجار الحروب والأزمات" بـ"تجرد مشاعرهم من الرحمة ونفوسهم من الإنسانية ليقدموا مواطني دارفور قرابين للسلطة في بورتسودان".

استجابة ومغادرة

على نحو متصل أكد تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الذي يضم قوات "الدعم السريع" وعدداً من القوى السياسية والحركات الدارفورية المسلحة، أن نداءاته بضرورة إخلاء مناطق التماس العسكري وخطوط العمليات، حفاظاً على سلامة المدنيين، وجدت استجابة واسعة وتجاوباً كبيراً داخل مدينة الفاشر ومخيمات النازحين والمدنيين المجاورة.

وأوضح التحالف أن قواته واصلت لليوم الثاني على التوالي عمليات استقبال وتأمين مئات المدنيين الفارين من مناطق الخطر ومعظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، من خلال تأمين تحركاتهم من محيط المدينة إلى مناطق أكثر أماناً، مع توفير جميع أشكال الدعم والمساعدة الممكنة لهم، بما في ذلك الإيواء الموقت والإمدادات الإنسانية العاجلة.

وأكد "تأسيس" التزامه الكامل بحماية المدنيين وتيسير عمليات الإخلاء الطوعي من مناطق القتال، ويجدد دعوته لجميع المواطنين إلى الخروج من مواقع الاشتباك حفاظاً على أرواحهم.

المشتركة تحذر

من الجانب الآخر حذرت القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، من دعوات خروج المواطنين من الفاشر نحو مناطق سيطرة حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر، التي تهدف إلى تغطية هزيمة حليفهم قوات "الدعم السريع".

وكانت كل من "حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي" بقيادة الهادي إدريس، وتجمع "قوى تحرير السودان" برئاسة الطاهر حجر، قد دعت المواطنين للخروج من مدينة الفاشر والتوجه إلى مناطق سيطرتهم، مؤكدة استعدادها لتوفير ممرات آمنة لخروج المدنيين من المدينة. وأضاف، "هزمنا الجنجويد من قبل في أكثر من 200 معركة وكسرنا قوتهم الصلبة، وقتلنا معظم قياداتهم الميدانية على أسوار مدينة الفاشر، فلا خوف من المستنفرين الذين يتم تجنيدهم إجبارياً".

وتابع "من لا يستطيع حماية نفسه لا يستطيع حماية الآخرين، فإذا كان هناك حماية فالأولى بها (الدعم السريع) حماية قواتهم التي تعرضت لهجمات عدة من قبل كفيلهم وآخرها كانت بمحلية كبكابية".

وشدد حسين، على أن "القوات المسلحة والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية والمستنفرين وكنداكات وميارم فاشر السلطان ملتزمون بحماية المدينة ومواطنيها الصامدين"، مؤكداً أن "الفاشر بخير وستظل كذلك وستكون نقطة الانطلاق لنظافة بقية مدن إقليم دارفور والمدن السودانية".

اقرأ المزيد

إخلاء أم تهجير؟

في السياق يوضح المتخصص في مجال القانون الدولي، علاء الدين عبدالعظيم، أن "إجلاء المدنيين، هي عملية نقلهم من مناطق الحرب أو المناطق ذات الأخطار العالية إلى أماكن أخرى أكثر أماناً داخل أو خارج البلد بهدف حماية حياتهم وتفادي الخسائر البشرية، وهي عملية قد تتم بقرارات من السلطات المحلية أو المنظمات الدولية، لكن غالباً ما يتم ذلك بشكل طوعي وتعاون المدنيين أنفسهم".

أما التهجير وفق عبدالعظيم، فهو "نقل المدنيين من مناطقهم الأصلية، بشكل قسري أو تحت تهديد العنف، ويكون ذلك خلال الحروب أو الصراعات، ويشمل أحياناً طرد المدنيين من مناطقهم بهدف تغيير التركيبة السكانية أو لتحقيق أهداف استراتيجية عسكرية أو سياسية. وغالباً ما يتعرض المهجرون قسرياً لظروف قاسية بسبب عدم توفر الأمان أو البيئة الإنسانية الملائمة في المناطق الجديدة المهجرون لها".

ورأى المتخصص في العلاقات الدولية أن "ما يتعرض له المدنيون في مدينة الفاشر من ضغوط لمغادرة مدينتهم، هو بشكل عام نوع من التهجير القسري أكثر منه إجلاء طوعياً، فقد باتوا مجبرين على الفرار من منازلهم تحت ضغط الآلة العسكرية للدعم السريع، رغم التهديدات المباشرة لهم جراء الغارات الجوية لطيران الجيش وهجماته المدفعية، فالمدنيون ليسوا طرفاً في الحرب فلماذا يتعرضون للقتل ويمنع عنهم الغذاء والدواء والماء؟".

ضحايا بكل الأحوال

وتابع "من الواضح أن المدنيين في الفاشر تحولوا إلى ضحايا في جميع الأحوال، فبقاؤهم فيه خطر كبير ومهلكة لهم إن لم يكن بفعل المعارك أو القصف فبالجوع والمرض، وقد يكون في إجلائهم حفظاً لأراوحهم لكن ذلك ينبغي أن يكون بضمانات قانونية بعودتهم إلى ديارهم فور انجلاء الأخطار الراهنة، وهذا ما يقوم به الجيش نفسه بإجلاء السكان من مناطق الاشتباكات خلال حملته الأخيرة لتحرير الخرطوم".

ولفت الأكاديمي إلى أن "الإجلاء وفق القانون هو إحدى وسائل حماية المدنيين، لكن أن تقوم بالإجلاء الجهة نفسها التي تحاصر المدينة وتتسبب في مأساة لسكان المدينة والنازحين، فهو أمر يفرز عديداً من علامات الاستفهام تجاه هذا السلوك المتناقض، إذ إن ما تقوم به قوات الدعم السريع من قصف وحصار ومنع المساعدات الإنسانية من دخول المدينة هو السبب الرئيس في المأساة التي يعيشها السكان".

المساعدات والحماية

وأشار عبدالعظيم إلى أن "الحماية الحقيقية للمدنيين في الفاشر يجب أن تكون بالسماح بدخول المساعدات مع فتح الباب للراغبين في المغادرة الطوعية، والتوقف عن استهداف الأعيان المدنية بما فيها معسكرات النزوح ومرافق الخدمات والصحة والمدارس وغيرها"، مبيناً أنه "في حال مغادرة المواطنين لمساكنهم فينبغي أن تكون أبواب العودة مفتوحة لهم من دون تهديدات أو مخاوف تماماً كما حدث في كل من الخرطوم والجزيرة. أما الدفع بهم إلى مغادرة مناطقهم نحو المجهول من دون ضمانات لعودتهم مجدداً فذلك يعد تهجيراً قسرياً".
واستطرد، "مع هذا التنازع في شأن مصير المدنيين، في ظل عدم اكتراث الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين فعلى المجتمع الدولي ومؤسساته مسؤولية فرض إرادته وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية برفع حصار الدعم السريع والتوقف عن اقتحام الفاشر".

صراع طويل

وانفجرت الأوضاع والمعارك العنيفة بين الجانبين بالفاشر عقب تخلي "القوة المشتركة" لحركات دارفور المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام عن الحياد وانضمامها للقتال إلى جانب الجيش منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وكانت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام أعلنت منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التخلي عن الحياد والانحياز إلى الجيش، إلى جانب قوات كل من نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، بحجة "الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها ميليشيات الدعم السريع".

ومنذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) من عام 2023، وتحكم قوات الدعم قبضتها على أربع من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور هي جنوب، وغرب وشرق ووسط دارفور، وتسعى إلى السيطرة على الفاشر عاصمة شمال دارفور لاستكمال نفوذها في كامل الإقليم.

المزيد من تقارير