Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أمنت "أفريكوم" حضورا عسكريا فعالا لأميركا في أفريقيا؟

تراجع النفوذ الأميركي في القارة السمراء يثير تساؤلات حول ما حققته تلك القوة من وجودها

حاولت أفريكوم مساعدة جهود الجيوش المحلية في أفريقيا للتصدي للإرهاب (رويترز)

ملخص

بعد نحو 16 عاماً على إطلاقها لا تزال "أفريكوم" تثير تساؤلات في الشارع الأميركي حول نجاعتها ومبررات إنفاق أموال طائلة عليها، كما أن مقرها في شتوتغارت الألمانية وليس في أفريقيا.

في وقت يتصاعد فيه التزاحم بين القوى الدولية على الساحة الأفريقية، تراهن الولايات المتحدة على "أفريكوم"، وهي قيادتها العسكرية في القارة السمراء من أجل قطع الطريق أمام تلك القوى، وأبرزها روسيا والصين.

وتشكلت القيادة الأميركية في أفريقيا المعروفة اختصاراً بـ"أفريكوم" في عام 2008، إثر تعرض الولايات المتحدة لهجمات مميتة في دول أفريقية نفذها تنظيم "القاعدة" الإرهابي. ومن أبرز الهجمات تلك التي استهدفت سفارتي واشنطن في العاصمة الكينية نيروبي، ودار السلام العاصمة السابقة لتنزانيا، وأودت بحياة 224 شخصاً ونحو 5 آلاف مصاب.
وجاء قرار تشكيل "أفريكوم" بعدما أوصى تقرير صاغه الضابط العسكري آنذاك ريتشارد جي كاتوار، تحت عنوان "من أجل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى... إعادة النظر في خطة القيادة الموحدة"، إذ دعا إلى اهتمام أميركي أكبر بأفريقيا.

أهداف لم تحقق

وعلى رغم إعلانها بشكل مستمر شن هجمات للقضاء على عناصر "إرهابية"، إلا أن كثيرين كانوا غير مبالين بوجود "أفريكوم" وقواتها على الأرض، في حين أن تراجع النفوذ الأميركي يثير تساؤلات حول ما حققته "أفريكوم" من وجودها. وأخيراً طردت النيجر القوات الأميركية من أراضيها وأغلقت قاعدة عسكرية تنشط فيها تلك القوات، وهي قاعدة مخصصة بشكل كبير للتنصت وجمع المعلومات عن أنشطة الجماعات المسلحة، وعند إعلانه تأسيس "أفريكوم"، قال الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش إن "القيادة الأفريقية ستعمل على تعزيز تعاوننا الأمني مع أفريقيا، وخلق فرص جديدة لتعزيز قدرات شركائنا في القارة".

وبعد نحو 16 عاماً على إطلاقها لا تزال أفريكوم تثير تساؤلات في الشارع الأميركي حول نجاعتها ومبررات إنفاق أموال طائلة عليها، كما أن مقرها في شتوتغارت الألمانية وليس في أفريقيا.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية الصادق الرزيقي، "لا نستطيع القول إن القيادة الأميركية في أفريقيا حققت أهداف الولايات المتحدة في أفريقيا، لقد كان لواشنطن أهداف محددة من الوجود في القارة، وهذه القوات مخصصة لمكافحة الإرهاب وحماية المصالح الأميركية، والمشاركة في فض النزاعات، وإزالة ما يهدد الاستقرار والأمن والسلام، والتعاون مع الجيوش المحلية". وأضاف الرزيقي "لكن لأن الأوضاع في أفريقيا معقدة داخلياً في كل الأقطار تقريباً، ولأن فرص نجاح الأهداف الأميركية كانت مرتبطة بالاستقرار واستدامة الأنظمة الأفريقية وبقائها في السلطة، وهي عوامل لم تؤد إلى النتائج المرجوة، خصوصاً أن كثيراً من الجيوش الأفريقية ليست جيوشاً احترافية منظمة بالمعنى المطلوب".
وشدد على أنه "في كثير من الدول الأفريقية تمثل الجيوش، إما حركات مسلحة سابقة، أو مجموعات عشائرية أو قبلية أو غير ذلك، لذلك لم تستطيع الولايات المتحدة أن تقنع أحداً أن أهدافها في القارة الأفريقية يمكن أن تتحقق".
وأوضح الرزيقي أن "من مظاهر الفشل أيضاً النزاعات التي تعرفها أفريقيا في عدد من مناطقها، ففي القرن الأفريقي هناك نزاع في إثيوبيا، وفي السودان وفي جنوب السودان وفي أفريقيا الوسطى، لذلك لم يتبين أن هناك تقدماً في مسار العلاقات العسكرية الأميركية – الأفريقية".


تنافس مع روسيا والصين

وانطلاقاً من عمليات "أفريكوم"، التي جاء تشكيلها كنتيجة لمبادرة "الاستجابة الأميركية لأزمات أفريقيا"، نشرت الولايات المتحدة قوات لها في الصومال وجيبوتي والسودان منذ سنوات، وذلك بهدف مجابهة الإرهاب الذي تزايدت الهواجس في شأنه بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وأيضاً الهجمات التي استهدفت الأميركيين في تنزانيا وكينيا في عام 1998.

ورسمت أحداث عدة التدخل الأميركي الأوسع من خلال "أفريكوم"، من بينها الهجوم الذي وقع في دلتا النيجر عام 2007 وخطف خلاله أميركيون، مما سرع مساعي الولايات المتحدة إلى تشييد قاعدة عسكرية في بلد أفريقي، وفي النهاية تم الاستقرار على النيجر التي تربط بموقعها معظم دول غرب أفريقيا.
واعتبر الرزيقي أن "أفريكوم فشلت في التنسيق مع الدول الأفريقية، عندما تم على سبيل المثال تكوين قوات التدخل السريع في منطقة شرق أفريقيا، من أجل حسم الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية وغير ذلك، كل هذه مظاهر فشل للقيادة الأميركية في أفريقيا، ولم تقدم الولايات المتحدة إلى حد الآن دليلاً ملموساً في شأن مراعاتها مصالح الدول الأفريقية عند تدخلها".
وأبرز المتحدث ذاته أنه "يوجد في أفريقيا تقاطعات كثيرة بين من ينظر إلى أفريكوم على أنها ترسم الحاضر والمستقبل في القارة، وهي تقاطعات مرتبطة بالنفوذ الفرنسي المنحسر في أفريقيا والتدخلات الجديدة لروسيا". ولفت إلى أن "روسيا اتخذت من شركة فاغنر وسيلة للتدخل من دون أن تتدخل هي رسمياً، كذلك النمو المضطرب للعلاقات الصينية – الأفريقية، وعلى رغم أن الصين لا تطرح قضايا عسكرية في أفريقيا لكنها طرحت في المنتدى الذي عقد أخيراً التعاون الاقتصادي، وحاولت أن تربط هذه الدول بالسياسة الصينية"، مشيراً إلى أن "أمام الولايات المتحدة تحديات عدة، أهمها أنها لا تملك تصوراً واضحاً لكيفية فض النزاعات والاستفادة من علاقاتها مع الدول الأفريقية، أو المساهمة بشكل فعال في تكريس الاستقرار في هذه القارة".

مكافحة الإرهاب

واتخذت الولايات المتحدة من مكافحة الإرهاب نقطة حاسمة في مسار تدخل أفريكوم في أفريقيا، إذ ينتشر عدد من الجماعات المتشددة مثل "بوكو حرام" في الصومال، و"القاعدة" و"داعش" الإرهابيين في الساحل الأفريقي.
وقال الرزيقي إنه "بالنسبة إلى محاربة الإرهاب كما هو حاصل في العمليات التي كانت تشارك فيها الولايات المتحدة في دول مثل الصومال لم تحقق لهذه البلدان أي أهداف محددة، وخلاصة التجربة أنها تجربة لا يمكن أن تعتبر ناجحة على الإطلاق في أفريقيا، وهناك اضطراب واضح على مستوى سياسة الولايات المتحدة وأفريكوم".
واستنتج الرزيقي أن "حلفاء الولايات المتحدة أيضاً في تراجع مستمر خصوصاً في غرب أفريقيا كما حدث في النيجر عندما كانت هناك قاعدة عسكرية كبيرة للتنصت والتجسس لكنها أغلقت، وهي قاعدة لم تستفد منها الدول الأفريقية التي تشهد نزاعات مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ليس وقت الحصيلة

وتعالت الأصوات أخيراً داخل الدوائر السياسية الأميركية لنقل مقر "أفريكوم" من شتوتغارت نحو إحدى الدول الأفريقية، وكان لافتاً طرح عدد من السياسيين المغرب التي تعد حليفاً مهماً لواشنطن في القارة السمراء، لكن ذلك لم يضع حداً للجدل الدائر في شأن جدوى أفريكوم نفسها والحصيلة التي حققتها بعد سنوات.

ويجيب الباحث السياسي إيفاريست نغارلام تولدا على ذلك بالقول إنه "ليس الوقت المناسب لتقديم حصيلة عمليات أفريكوم التي لاحظنا أنها كثفت من استخدام الطائرات المسيرة منذ استهداف القنصلية الأميركية في بنغازي الليبية عام 2012"، وأضاف تولدا في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" أن "مستقبل أفريكوم في أفريقيا يبدو من الصعب حسمه خصوصاً أنها قيادة مختلطة بين ما هو عسكري ومدني وهي تخضع لإشراف عدد من الوزارات الأميركية مثل الدفاع وغيرها".
وأفاد المتحدث ذاته بأن "أنشطة أفريكوم تشمل عدداً من القطاعات على غرار تدريب الجنود ضمن برنامج محدد، وتقديم المساعدات العسكرية والطبية من خلال هذا البرنامج الذي ترسمه وزارات مثل الدفاع والخارجية الأميركيتين".
واستنتج تولدا أن "أفريكوم ستواصل التركيز على الأنشطة العسكرية في مسائل الأمن والاستقرار في أفريقيا، وذلك بإشراف من وزارتي الدفاع والخارجية، وفي دول مثل تشاد ستعود القوات الأميركية".
وفي ظل الضربات التي تعرضت لها "أفريكوم" بعد إغلاق القاعدة العسكرية 101 التي كانت تضم طائرات مسيرة أتاحت للولايات المتحدة منذ سنوات مراقبة منطقة الساحل ككل، فإن مستقبلها يكتنفه الغموض لاسيما مع مغادرة القوات الغربية للمنطقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير