انسحب قطاع من الجمهور شيئا فشيئا من دوامة الجلوس أمام شاشة التلفزيون لمتابعة الأعمال المفضلة، وكانت الوجهة الأولى قنوات موقع الـ"يوتيوب" التي تعرض مسلسلات وأفلاما وبرامج من دون فواصل إعلانية. ولكن مع اقتحام عالم الإعلانات أيضا لـ"يوتيوب"، وبشكل بات ينافس القنوات الفضائية التقليدية، ومع إنشاء منصات إلكترونية جديدة أثبتت جدارتها بما تعرضه حصريا، أصبح قطاع الشباب والمراهقين لا يقتربون من القنوات الفضائية إلا فيما ندر.
وعلى الرغم من أن منصات الإنتاج والعرض مدفوعة الأجر بدأت وانتشرت عالميا وحققت نجاحا باهرا، وأبرزها "نتفليكس Netflix" و"HBO"، فإن جماهيرية هذه المنصات بدأت في الاتساع عربيا، وباتت سوق الإنتاج ملعبا مفتوحا يستحوذ الإنتاج الإلكتروني على مستقبلها، على ما يبدو.
هل تتمكن "شاهد.نت" من منافسة نتفليكس؟
على قدم وساق، مثلا، تعمل منصة "نتفليكس" حاليا على التحضيرات النهائية لإطلاق تصوير مسلسل "ما وراء الطبيعة"، وهو ثاني عمل درامي عربي تنتجه، حيث يتصدى لإخراجه عمرو سلامة، وهو مأخوذ عن مؤلف يحمل الاسم نفسه للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، فيما كانت قد أثارت المنصة العالمية جدلا واسعا بعد أول مسلسل عربي تنفذه، وهو "جن"، وهو دراما تدور في الأردن حول مجموعة من المراهقين يتعرضون لحوادث غريبة في المدرسة.
إذاً، الشبكة العالمية تستقطب الجمهور العربي أسرع فأسرع وتضع عينيها على الأجيال الأصغر سنا ومحبي دراما التشويق، في الأقل حتى الآن.
وعلى جانب آخر، اشترت "نتفليكس" حقوق عرض عشرات الأفلام والمسلسلات والإنتاج البرامجي العربي أيضا، بعدما زاد عدد مشتركيها في الشرق الأوسط بصورة كبيرة، منذ أن بدأت بدعم الترجمة العربية على تطبيقها الناجح قبل ثلاث سنوات تقريبا، فيما يُقدر عدد المشتركين حول العالم بأكثر من 137 مليون مشترك.
على ما يبدو فإن الشعبية التي باتت تحظى بها المنصة الأشهر في الإنتاج والعرض الإلكتروني، جعلت منصات أخرى رائدة عربيا تحاول السير على خطاها، ومن بينها "شاهد.نت"، التابعة لشبكة mbc، والتي تعمل حاليا على عدة مشروعات تُنتج وتُقدم خصيصا إلكترونيا بعيدا عن قنواتها الفضائية المتعددة المنتشرة في أرجاء العالم العربي، ومن أبرزها مسلسل "في كل أسبوع يوم جمعة"، الذي يخرجه محمد شاكر خضير، ومأخوذ عن رواية للكاتب إبراهيم عبد المجيد تحمل الاسم نفسه.
وبحسب تصريحات لمسؤولين في "mbc"، فإن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيدا من الإنتاجات الخاصة والحصرية لـ"شاهد.نت" في محاولة لمنافسة "نتفليكس" وغيرها، حيث تستعد المنصة لعرض مسلسل جديد آخر حصريا هو "مملكة إبليس"، لرانيا يوسف وغادة عادل، واللافت أيضا أن "أمازون" دخلت على خط المنافسة عربيا، حيث تم التعاقد على إنتاج مسلسل كوميدي مصري يعرض عبر منصتها.
"Viu" فتحت الطريق
الجمهور هو البطل دوما، فقد قوبل مسلسل "أنا شيري دوت كوم" الذي أنتجته "viu" العام الماضي، وعُرض عبر تطبيقها حصريا بحفاوة كبيرة وحقق نسب مشاهدة مرتفعة، وبالتالي تشجعت المنصة لإنتاج المزيد، حيث حققت نجاحا ملحوظا في رمضان الماضي بمسلسل "زودياك" مع شركة "فيلم كلينك"، والذي عرض إلكترونيا بالتزامن مع عرضه على شاشات التلفزيون، وتصدر اهتمام الجمهور وصعد في مؤشرات البحث أكثر من مرة، وبالتالي تشجعت باقي المنصات للمزاحمة في السوق العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالتزامن مع هذه المنافسة الجديدة، كان قد بدأ الترويج لتطبيق "واتش إت" أيضا لمحاولة استقطاب مزيد من الجمهور، حيث أن لدى المنصات الموازية للإنتاج والعرض كثيرا من الميزات مقارنة بالفضائيات، خصوصا مع تمتع أغلبها بعدم عرض إعلانات بصورة مبالغ فيها تفسد المشاهدة مما يجعل الجمهور يفضلها، بدلا من التسمّر لمدة ساعتين ونصف لمتابعة مسلسل مدته 35 دقيقة فقط، وكذلك مرونة المواعيد، حيث إن المشاهدة متاحة طوال اليوم، وأيضا اتساع مساحة الخيارات، كما أن الرقابة أقل صرامة بكثير، وأيضا عامل الحصرية، فكل منصة لديها مجموعة من الأعمال غير المعروضة في مكان آخر وذات مستوى متميز كذلك. ولكن تبقى التكلفة، التي مهما كانت بسيطة، فهي تعتبر عبئا ماديا مقارنة بالتلفزيون المجاني.
تحديات تواجه منصات الإنتاج الإلكتروني
وعلى الرغم من أن سوق الإنتاج والعرض الإلكتروني سوق واعدة وتحقق أرباحا، ولكن الأمر في رأي السيناريست محمد هشام عبية ليس بهذه البساطة، فالمؤشرات تدعو إلى التفاؤل، ولكن بحسب ما أكده لـ"اندبندنت عربية"، فإن إنتاج تلك المؤسسات يواجه أكثر من تحدٍ، وبالطبع أبرزه أن المشاهدة تكون مقابل الدفع، ويضيف "وسيلة دفع الاشتراك تكون باستخدام بطاقات دفع إلكترونية، وهذه لا تمثل سوى 3% فقط من معاملات المصريين المالية. إذاً، المشوار لا يزال طويلا اقتصاديا في الأقل، لا سيما وأن مسألة الدفع مقابل المشاهدة لا تزال غير مقنعة لقطاع كبير من الجمهور. لكن على الجانب الآخر، فإن المنصات ستجذب جمهورا متزايدا، بخاصة وأن إنتاجها مميز، أو فلنقل مختلفا وغير ملتزم قواعد السوق التقليدية، وهذا أمر صحي للصناعة بطبيعة الحال".
يشدّد "عبية"، الذي شارك في سيناريو مسلسل "زودياك"، ويعرض له حاليا مسلسل "شبر ميه"، على أن الوضع في دول عربية كثيرة، لا سيما منطقة الخليج، يبدو مختلفا. ويتابع "ثقافة الدفع مقابل المشاهدة واستخدام بطاقات الدفع مقدما مترسخة بصفة أكبر هناك، ولذلك تهتم المنصات بالتوجه إلى الجمهور العربي في الخليج، وأعتقد أن العنصر الحاسم في ذلك هو انتقال تدريجي لحصة إعلانات التلفزيون إلى المنصات ولو بشكل غير مباشر، وهو أمر لا يزال في بدايته".
وإجمالا، يوضح "عبية" وجهة نظره بالقول "لا أعتقد أن الإنتاج والعرض الإلكتروني سيقضي على عادات مشاهدة التلفزيون، قد يقللها بالطبع خصوصا للجيل الأصغر سنا، ولكن ستبقى، وإلا كان التلفزيون قضى على السينما، صحيح الزمن تغيّر، وما لم يكن يحدث من قبل يمكن أن يحدث الآن، لكن الموضوع مختلف لأن جمهور التلفزيون التقليدي لا يزال كبيرا، حتى في دوائر الشباب. ويمكن مثلا قياس ذلك على رد الفعل الواسع عقب عرض فيلم (الممر) على التلفزيون في ذكرى حرب أكتوبر الأخيرة، فرغم أنه حقق إيرادات مرتفعة في السينما، لكن فور عرضه تلفزيونيا بدا واضحا أنه شوهد على نطاق أكثر اتساعا وبأضعاف أرقام مشاهدة السينما".
التلفزيون المدفوع... الخاسر الأكبر من شعبية Netflix
فيما يصبح وضع التلفزيون المدفوع هو الأكثر توتراً، فمثلا تعتبر شبكة أوربيت شوتايم "OSN"، هي شبكة التلفزيون المدفوع الأكثر شهرة في المنطقة العربية، واللافت أن شبكة OSN حاولت التصدي لسيطرة نتفليكس على السوق والاستفادة من شعبيتها، عن طريق شراكة رسمية أعلنتها العام الماضي معها، مؤكدة أن مشتركيها سوف يتمكّنون من مشاهدة مكتبة نتفليكس، لكن الشراكة أصبحت محل شك بعد أن تلقى بعض المستخدمين رسائل تفيد بأن الخدمة "لم تعد متاحة".
المؤكد أن OSN لا تزال تتمتع بميزات كثيرة، ولعل أبرزها أنها "لا تعتمد بشكل كامل على خدمة الإنترنت" مقارنة بنتفليكس التي تتطلب مشاهدتها "سرعة إنترنت جيدة"، كما أن لديهم مكتبةً خاصةً ملتزمةً بالحصرية، لكن حينما تتم المقارنة خصوصاً في النواحي المادية وحجم المكتبة المتاحة وأنماط المشاهدة فإن كثيرين "يفضلون نتفليكس وأخواتها".
معاناة التلفزيونات المدفوعة عالمياً بعد انتشار المنصات الإلكترونية تؤكدها أيضاً دراسة قامت بها eMarketer للأبحاث وتداولتها عدة منصات عالمية، ومنها variety، وأكدت في نتائجها أن المواطن الأميركي "بات يتجه إلى مزيدٍ من الترفيه المنزلي، ويفضل تطبيقات مثل Netflix أو Amazon Prime وHulu"، وبالتالي فهم من ناحية أخرى يحاولون "توفير تكاليف تلك الاشتراكات بإلغاء اشتراكهم في التلفزيون المدفوع أو تلفزيون الكابل".
وأشارت النتائج إلى أن "أكثر من 30% من المستخدمين يقومون بتلك الخطوة بالفعل أي ما يزيد على 30 مليون شخص"، حسب التقرير.
وبالتالي فإن نتفليكس وغيرها تكسب كل يوم أرضاً جديدة، ما يعني أن إنتاجها الفني في تزايد لتُرضي أذواق مشتركيها الذين يتزايدون في أنحاء العالم، خصوصاً بعد أن رفضت بعض شركات الإنتاج التجديد لتعاقداتها معها، وبالتالي حرمت نتفليكس من إنتاجها وأبرزها بالطبع "ديزني".