لبنان معطل، فانتفاضة اللبنانيين التي اتخذت من قطع الطرقات أداة ضغطٍ لإسقاط الحكومة صعّبت على المؤسسات العامة والخاصة مواصلة أعمالها بشكل طبيعي، لتقفل بذلك المصارف أيضاً لليوم التاسع على التوالي في ظل مخاوف متصاعدة من تهافت لسحب الأموال وإجراء التحويلات التي تزيد من المخاطر وتضعف مالية لبنان الضعيفة أصلاً.
إقفال أمام العموم وتصريف أعمال داخلي
وأظهر البيان الرسمي لجمعية مصارف لبنان أن المصارف ستستمر بإقفال أبوابها مع استمرار الأوضاع الأمنية المضطربة وحرصاً منها على سلامة الموظفين والعملاء والممتلكات، فالهاجس الأمني أساسي وقطع الطرقات يمنع وصول الموظفين إلى أماكن عملهم.
وروت مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية"، أن فتح البنوك ينتظر آلية عمل منظمة لتوفير السيولة بحال تهافت المواطنين لسحب ودائعهم، كما تنتظر المصارف الحل السياسي الذي يعيد الثقة إلى المواطنين ويطمئن النفوس لتتفادى الأسواق الذعر الذي قد يدفع بالمواطنين إلى التهافت لسحب أموالهم أو تحويلها إلى الخارج.
وفيما تغلي الأرض بمواقف متشنجة وبتظاهرات تعم المناطق اللبنانية وفي ظل انسداد أفق الحل السياسي... من الأفضل أن تبقى المصارف مغلقة.
وأكدت جمعية المصارف أنها ستعمل جزئياً وفقط لتأمين رواتب الأجراء والموظفين في نهاية الشهر الحالي من خلال أجهزة الصراف الآلي. فمصرف لبنان بدأ ومنذ أيام بالعمل خلال ساعات الصباح الأولى وقبل قطع الطرقات لتأمين السيولة للمصارف لملء أجهزة الصراف الآلي وتمرير العمليات المصرفية الداخلية التي كانت نُفذت قبل بدء الاعتصامات. وتعهد مصرف لبنان بتأمين رواتب القطاع العام في وقتها ليسحبها الموظفون من الصرافات الآلية. أما بالنسبة إلى القطاع الخاص فالرواتب التي تُحوَّل داخل المصرف الواحد ستكون أيضاً مؤمنة في وقتها.
الخطر الأكبر ظاهرة "Bank Run"
من جهة أخرى، صرح الخبير المصرفي جان طويلة أن المخاوف الكبرى تكمن في إمكانية مواجهة المصارف اللبنانية ما يُعرف بظاهرة الـ "Bank Run" أي تهافت المودعين بشكل كبير لسحب ودائعهم في وقت قصير بشكل لا تستطيع المصارف تلبيته، بخاصة في ظل عدم الثقة بالنظام السياسي وتعثر الاقتصاد والإشاعات التي طاولت القطاع المصرفي أخيراً والمخاوف من أن يتحمل المودعون خسائر بحال تعثرت الدولة اللبنانية بالوفاء بالتزاماتها المالية.
وأشار طويلة إلى أزمتَي الرهن العقاري في عام 2008 واليونان اللتين تبينان مدى خطورة ظاهرة "Bank Run".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعاد طويلة تسليط الضوء على أن "الأزمة غير مستجدة وليست التظاهرات هي التي دفعت إلى عدم الثقة أو خلقت المصاعب المالية، بل بالعكس فإن الأزمة المالية الخانقة هي التي دفعت الناس إلى الانتفاضة والتظاهر وعدم الثقة قائم حتى قبل النزول إلى الشارع". وكانت الأسواق في لبنان عانت قبل الانتفاضة من شح الدولار ما رفع أسعاره في السوق الموازية من مستوى 1515 ليرة للدولار الواحد كسعر رسمي إلى 1650 ليرة، ما دفع بدوره إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من 10 في المئة.
ويخاف الناس اليوم أكثر من أي وقت مضى، مما يحصل أو قد يحصل، بحسب جان طويلة، ومن المتوقع أن يتهافتوا على المصارف لسحب ما أمكنهم من السيولة عندما تفتح المصارف أبوابها.
كما تخوّف طويلة من أن تستنزف عمليات تحويل الودائع بالدولار احتياطيات المصارف والمركزي من العملة الخضراء الأساسية لتمويل حاجات الاستيراد وتمويل الدولة. فمشكلة شح الدولار كانت موجودة قبل الأزمة الحالية في ظل تراجع احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان بنسبة 13 في المئة خلال عام و20 في المئة خلال عامين.
والمعلوم ان احتياطي العملات الأجنبية ضروري لتغطية عجز ميزان المدفوعات والذي سجل 5.4 مليار دولار حتى نهاية يوليو (تموز) الماضي.
كما يشكل الاحتياطي بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان أداةً أساسية للحفاظ على استقرار سعر الصرف، ما دفع مصرف لبنان إلى ضبط عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار في المرحلة الماضية.
الدعم الدولي حاجة ملحة
وعاد الخبير المصرفي إلى مؤتمرات الدعم التي أنقذت لبنان سابقاً وتحديداً مؤتمرات باريس 1 و2 و3 وهي مؤتمرات دعمت الاستقرار النقدي في لبنان بعد أزمات اقتصادية أو سياسية أو أمنية، وكانت هذه الأزمات أقل ضرراً من الوضع القائم اليوم ومخاطره. فللخروج من الأزمة وتخفيف الضرر يجب بحسب طويلة، أن "يكون للبنان دعم دولي يؤمّن ضخاً للسيولة بالعملة الأجنبية لإعادة الثقة وإراحة الأسواق المتشنجة والمتوجسة من شح الدولار. فالحل الاقتصادي المالي لن يتحقق إلا بعد إيجاد وتطبيق الحل السياسي".
10 أيام مرت على افتراش اللبنانيين الساحات وإقفالهم للطرقات. 10 أيام لم تثنيهم عن رفع الصوت ورفض التفاوض وكل الأوراق والحلول التي طُرحت من قِبل السلطة السياسية التي بحسب المتظاهرين أوصلت البلاد إلى حافة الافلاس.
وإذا كانت الأزمة قائمة حتى منذ ما قبل الانتفاضة، لا شك في أن استمرار توقف البلد عن العمل سيفاقم من الوضع المالي المتعثر ويزيد من تراجع ثقة المواطنين داخلياً والمستثمرين أو المغتربين خارجياً، ليواجه لبنان مزيداً من الضغوط قد تصعب مواجهتها إذا استمرت لفترة أطول".