مما لا شك فيه أنّ الوضع الاقتصادي المتهالك أشعل فتيل انتفاضة لبنانية استمرت 13 يوماً. ومن المؤكد أيضاً أنّ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري قبل التوصل الى إجماع سياسي حول حكومة جديدة أو تعديل وزاري، ستنتج عواقب مالية ونقدية تُترجم مزيداً من التدهور وفقدان الثقة، على الرغم من أنها "هدّأت الشارع وأوقفت الاحتجاجات".
وما يعزّز هذه الفرضية، هبوط سندات لبنان السيادية الدولارية الأقصر أجلاً 3.1 سنتات، فور تسريب خبر "نية الحريري الاستقالة"، والخوف الأكبر من أن تتوالى المؤشرات المالية والنقدية السلبية بالظهور تباعاً يوماً بعد يوم.
لا حكومة بديلة
في هذا الشان، قال رئيس دين الأسواق الناشئة العالمية لدى "أبردين ستاندرد إنفستمنتس"، بريت ديمنت "من الصعب النظر إلى ذلك (استقالة الحكومة) كعامل إيجابي"، خصوصاً أن شكل أي حكومة بديلة لا يزال مبهماً.
وتابع "الوضع شديد التعقيد، وعلى لبنان سداد فواتير باهظة، وسيكون من الصعب اجتياز الوضع الراهن من دون إصلاحات اقتصادية حقيقية".
كذلك، اعتبر مدير استراتيجية الأسواق الناشئة "فيتي.دي" للأوراق المالية، كريستيان ماجيو أنه "لو كانت هذه الحكومة مسؤولة عن هذا الوضع الأليم لكانت استقالتها إيجابية، لكن رحيل أي حكومة من دون خطة واضحة للمستقبل ليس أمراً إيجابياً أبداً".
المصارف تستأنف عملها
وبعد تسجيل هدوء نسبي، أعلنت جمعية مصارف لبنان الأربعاء 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أن "العمليات المصرفية ستُستأنف الخميس 31 أكتوبر، على أن تبقي أبوابها مغلقة أمام الزبائن".
وأكد مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان، عقب اجتماع موسع لمواكبة التطورات والبحث في تسيير شؤون القطاع في الظروف الراهنة، "حرص المصارف على تأمين رواتب موظفي القطاعين العام والخاص، وتوفير السيولة اللازمة لهذا الغرض".
في الوقت ذاته، طمأنت الجمعية المواطنين إلى "استمرار أعمال الصيرفة الإلكترونية، وجهوزية مكاتب الاستعلام (Call Centers) للإجابة عن استفسارات زبائن المصارف والمساعدة في تلبية حاجاتهم".
المؤسسات التجارية تستكمل العمل
كذلك أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" أن المؤسسات التجارية استأنفت أعمالها كالمعتاد بعدما أصبحت كل الطرقات مفتوحة، ما مكّن معظم العاملين في هذه المؤسسات من الوصول إلى مراكز عملهم بصورة شبه طبيعية.
وقد عاود مرفأ بيروت نشاطه وسجل عمليات كثيرة لسحب البضائع من المرفأ، خصوصاً البضائع التي أُنجزت معاملاتها الجمركية، إلاّ أنّ هناك عدداً كبيراً من المعاملات تنتظر عودة القطاع المصرفي إلى العمل ليتمكّن التجار من سحب قيمة الرسوم الجمركية المترتبة على بضائعهم الموجودة في المرفأ.
انهيار اقتصادي؟
وعلى الرغم من إعادة تحريك العجلة الاقتصادية والمصرفية، وعودة الحياة إلى طبيعتها، لكن بعض الخبراء الاقتصاديين حذّروا من "انهيار اقتصادي" متوقع، مرجّحين حصول "حالات هلع وسحوبات كبيرة للودائع، وهروب بعض الودائع من المصارف وتحويل الحسابات المصرفية من الليرة إلى الدولار، وهو أخطر ما يمكن أن يحصل للبنان".
وقال وزير الاقتصاد اللبناني السابق رائد خوري إنّ "كلفة التظاهر أو تعطيل البلاد اليومية تقارب 138 مليون دولار، وكلفة الأسبوع الكامل من التظاهرات تجاوزت 972 مليون دولار، على اعتبار أن حجم الاقتصاد اللبناني يساوي 50 مليار دولار".
هذا، إلى جانب المؤشرات إلى ارتفاع أسعار بعض السلع بنسبة تتراوح بين 15 و30 في المئة خلال الأسبوع الفائت. وقد يؤدّي تراجع قيمة العملة إلى انحدار الوضع المعيشي لعدد كبير من اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر، بفعل انهيار قيمة رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية.
توقف الدورة الاقتصادية
حتماً الكلفة "كبيرة" وهي تأتي نتيجة التأثير المباشر لتوقف عمل الدورة الاقتصادية، يضاف إليها كلفة الثقة التي تؤدي إلى انخفاض سندات الخزينة، إذ تراجعت خلال الأسبوع الماضي بحوالى أربعة في المئة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل عجز الحساب الجاري في لبنان إلى حوالى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2019.
كذلك يتوقع أن يرتفع الدين العام اللبناني إلى 155 في المئة من الناتج المحلي نهاية العام.
الثبات النقدي
لكن هذه الأزمات المتلاحقة، وفق باحثين اقتصاديين، لم تؤثر في الثبات والاستقرار النقدي ولا خوف على الودائع المصرفية، استناداً إلى جملة مقومات، منها حجم احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية والإجراءات التي كان المصرف قد اتخذها.
وعن الخوف من تهافت المودعين على سحب أموالهم أو تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد فتح المصارف أبوابها، أكد الباحثون أن المصارف لن تستأنف عملها قبل أن تتخذ السلطة السياسية إجراءً أو تدبيراً، يشكّل مدخلاً لحل الأزمة.
مرحلة انتقالية
ولأن الحصول على السيولة يزداد صعوبةً يوماً بعد يوم، ينبغي معالجة الوضع بشكل فوري ومدروس، إذ يفترض أن تحمل المرحلة الانتقالية بقيادة مجلس وزراء قادر ومؤهل، خطة إصلاح اقتصادية طويلة الأمد، تعالج بشكل منهجي قضايا المواطن اللبناني.
وفي هذا الإطار، شدّد خبراء على أهمية تشكيل حكومة تكنوقراط ذات صلاحيات إصلاحية واضحة وقدرة على التنفيذ، فتتمكن من استعادة الثقة المحلية واكتساب الدعم الدولي. فالبلاد بحاجة إلى خطة تنفيذية تترجم الوعود على أرض الواقع، بعيداً من الشعارات الرنانة.