لم ترتكب سوار قبلاوي، ابنة العشرين عاماً، وهي من فلسطينيي 48، ذنباً لتقتل، غير أنها قررت تحقيق طموحها بدراسة الطب في تركيا. وهو قرار لم يوافق عليه شقيقها، فلحق بها إلى مدينة أزميت التركية (عاصمة ولاية كوجالي)، وبالتعاون مع والده، الذي سبقه إلى هناك، قتلا قبلاوي بطريقة بشعة. إذ رميت من شرفة شقتها، وحين لاحظا أن قلبها ما يزال ينبض، أعاداها إلى الشقة ورمياها مرة أخرى، ثم أبلغا المراجع الأمنية المختصة بأنها انتحرت.
شقيق الضحية، يحيى قبلاوي خرج أخيراً من السجن في إسرائيل، بعدما سجن في قضية جنائية، وسافر إلى تركيا قبل أسبوع، في حين سافر والدها قبل أشهر ليسكن معها. ويبدو أنهما لم يتوقعا أن كاميرا مراقبة، موجودة في الحي، قد رصدت تحركاتهما. لكن، عند التبليغ عن الانتحار، حققت الشرطة التركية بالقضية، واعتقلتهما بعد ساعات قليلة. فاعترف شقيق قبلاوي، بعدما شاهد ما رصدته الكاميرا، بارتكاب الجريمة، في حين أعتقل والدها بشبهة المساعدة في تنفيذها.
الشقيق والوالد ما يزالان موقوفين في تركيا، وسيحاكمان فيها ولن يسلما إلى السلطات الإسرائيلية.
مشاركة متواضعة في وداع قبلاوي
السبت 9 فبراير (شباط) الحالي، وصل جثمان قبلاوي إلى مدينة أم الفحم، شمال فلسطين، حيث شُيعت بمشاركة متواضعة من شخصيات سياسية واجتماعية وأفراد من عائلتها، التي رفضت الحديث عن القضية، مكتفية بإصدار بيان تشكر فيه من ساهم في التخفيف من وقع الجريمة، مطالبة بعدم تناول تفاصيل من شأنها أن تزيد آلامها.
وفي تفاصيل الجريمة، التي عُرفت من مصادر في تركيا، فقد عثر على جثة قبلاوي بالقرب من شقة كانت تسكن فيها مع والدها، في مدينة أزميت. وفي البداية، أعتقد أنها انتحرت بالقفز من شرفة الشقة، إلا أن تحقيقات الشرطة التركية أظهرت ضلوع شقيقها ووالدها في تنفيذ الجريمة.
مقتل طالبة ثانية في ملبورن الأسترالية
جريمة قتل قبلاوي لم تكن الأولى التي تستهدف شابة من فلسطينيي 48، بل هي الثانية في أقل من أسبوعين. أما الضحية الأولى فكانت الطالبة في أستراليا آية مصاروة (21 عاماً)، التي قُتلت في مدينة ملبورن، وعثر على جثتها بالقرب من جامعة لاتروب، شمال المدينة. وتبين أنها كانت قد استقلت القطار وعادت إلى منزلها ليلاً، بعد مشاهدة عرض كوميدي. وحتى اليوم، لم يعثر على القاتل، في حين لم تستبعد الشرطة الأسترالية احتمال تعرضها لاعتداء جنسي، وفق صحيفة "إيدج" التي تصدر في ملبورن، التي أشارت إلى أن الشرطة تحقق في شكل نشط مع مرتكبي الجرائم الجنسية المعروفين.
وعثرت الشرطة بالقرب من مسرح الجريمة على قبعة سوداء كُتب عليها "1986"، بالإضافة إلى قميص رمادي اللون، يعمل طبيب شرعي على تحليلهما. كما تستطلع الشرطة ما سجلته كاميرات المراقبة الموجودة في المكان.
قتل قبلاوي بدم بارد ولا يوجد عقاب
قالت عايدة توما- سليمان، النائب في الكنيست الإسرائيلي ورئيسة لجنة مكانة المرأة، إن "قتل قبلاوي بدم بارد يأتي في سياق التدهور الذي يشهده مجتمعنا، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع النساء. صحيح أننا نجحنا في السنوات الماضية في زيادة الوعي بشأن رفض قتل النساء، لكن هناك كثير من العوامل التي تؤثر سلباً، مثل انتشار الجريمة والمشاجرات المستمرة والكثيرة. وهذا ما جعل تنفيذ عمليات القتل مسألة سهلة. والأسوأ من هذا، أن لا عقاب لمن ينفذ جرائم القتل، فأكثر من 50 في المئة من جرائم القتل لا يُكشف منفذوها".
وترى سليمان أن الأخطر هو عدم مواجهة المجتمع للقتلة، وتعامله مع قتل النساء باستهتار وتجاهل، بل إن هناك تبريرات له.
ويأتي حديث سليمان في سياق تعامل المجتمع بطريقتين مختلفتين مع قضيتي قبلاوي ومصاروة. فمن قُتلت على يد والدها وشقيقها أُستقبل نعشها بحضور متواضع وقليل من الإحتجاج، كما منعت النساء من المشاركة. أما من قُتلت على يدي أجنبي، فشارك في تشييع جثمانها الآلاف ونظمت حملة احتجاج واسعة.
لكن، هل ينتج هذا التعامل المتناقض من كون فلسطينيي 48 أقلية قومية داخل إسرائيل؟ تجيب سليمان أنه "على المدى البعيد، ولأننا أقلية قومية مضطهدة، هناك تراكم في إهمالنا والتمييز ضدنا من قبل المؤسسة الحاكمة. وهذا ما يؤدي إلى عدم توفير الحماية للنساء أو إيجاد حلول للخروج من دائرة العنف أو إعداد برامج تربوية في شأن المساواة بين الجنسين". وأضافت سليمان "المؤسسة الإسرائيلية تتعامل مع قضية النساء وقتلهن كقضية داخلية لا تريد التدخل فيها، وهذا يعبر عن موقف عنصري بارز. فالحالة هذه ناجمة عن سياسة التمييز التي انعكست في شح الموازنات وتعذر تطوير البلدات العربية، وتالياً غياب الملاجئ المخصصة للنساء المعنفات، في حين أن عدد العاملين في الخدمة الاجتماعية لا يسد غير 50 في المئة من الحاجة. كما أن الشرطة الإسرائيلية، التي تتعامل بقمع واستفزاز مع هذه الشريحة الفلسطينية، لا يمكنها التعامل مع قضاياها الاجتماعية بنزاهة. وفي المقابل، لا يمكن للضحية أن تتوجه إليها لانعدام الثقة بها".
خلفية جريمة قتل قبلاوي وتفاصيلها الدقيقة ما تزالان غير واضحتين، في حين تسعى جهات إلى التدخل لدى السلطات التركية لنقل المتهميَن، الشقيق والوالد، إلى إسرائيل ليحاكما فيها.