تزداد الأزمة اللبنانية تعقيداً على وقع المماطلة في البدء بالاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة، في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل الطبقة السياسية برمتها. غير أن الأزمة الاقتصادية والحياتية التي كانت الدافع لخروج مئات آلاف اللبنانيين إلى الساحات تفرض واقعاً جديداً، فالمؤشرات تدل على إمكانية انفلات الوضع التجاري والمالي والاقتصادي في حال استمر الشلل في البلاد، كما أن أسعار السلع مرشحة لارتفاع غير مضبوط، ما يعمق من أزمة البلاد والمواطن.
الفقر على الأبواب
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الاقتصاد اللبناني يلفظ أنفاسه الأخيرة، ونسبة المواطنين الذين سيقعون تحت خط الفقر سترتفع من حوالى الـ 27% حالياً إلى أكثر من 60% خلال شهرين أو ثلاثة، وأن هناك أكثر من 800 ألف وظيفة في القطاع الخاص باتت مهددة، ما يعني أن نسبة البطالة التي تقدر بحوالي 30% من اليد العاملة ستتجاوز الـ 50% خلال فترة قصيرة.
ويضيف الخبراء أن "هذا السيناريو في حال لم يجر تداركه في أسرع وقت ممكن، ستكون له نتائج كارثية، وسنلحظ مشهداً جديداً من مشاهد الإفلاس الذي شهدته دول عدة سابقاً، لاسيما اليونان وقبرص وحتى فنزيلا. ويعود ذلك إلى تركيبة الاقتصاد اللبناني المعقدة، التي ترتكز على استقطاب الودائع التي وصلت الى 172.5 مليارات دولار، وهذا رقم يعتبر من الأكبر على صعيد دول المنطقة"، مؤكدين أن هذا الرقم بضخامته لن يكون سداً منيعاً للانهيار لأسباب عدة، منها أن حوالى 100 مليار دولار من هذه الودائع هي استثمارات للمصارف خارج لبنان وما يقارب الـ40 مليار دولار ديونا للدولة، وبالتالي فإن السيولة الموجودة في المصارف حالياً لا تتجاوز معدل الـ30 مليار دولار. وستعمل المصارف المستحيل لعدم تسربها للدفاع عن نفسها من الوقوع في المحظور.
تضخم مقنّع
وبحسب الخبراء، فقد استطاعت سياسة المصرف المركزي نظرياً الحفاظ على سعر صرف الليرة عند حدود الـ 1500.12 مقابل الدولار، ولكن في الواقع فإن سعر الصرف في السوق يوازي الـ 1800 مقابل الدولار، حيث شهدت الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الاستهلاكية، ما يعني أن الليرة اللبنانية فقدت حوالى ثلث قيمتها الشرائية. ويضيف هؤلاء أن حاكم المصرف المركزي أكد أن ما يسمى الـ capital control غير قانوني في لبنان، ولن يلجأ إلى تطبيقه. إلا أنه في الواقع مطبق من قبل المصارف التي تسعى للدفاع عن احتياطاتها بالعملات الأجنبية، إذ لا يستطيع المودع سحب سوى 500 دولار أميركي في الأسبوع الواحد، وسط مخاوف من أن تتوقف عملية السحب بالدولار نهائياً خلال الأشهر المقبلة.
ثورة على الثورة
وعن السيناريو المخيف الذي يهدد لبنان في المرحلة المقبلة، أكد المتخصصون أن حالات الفقر الشديد ستزداد، إضافة إلى اختفاء العديد من السلع من الأسواق، كنتيجة مباشر لتقنين الاستيراد من الخارج لخفض معدل استنزاف العملات الأجنبية، فضلاً عن امتناع المواطنين عن تسديد الرسوم والضرائب والفواتير العامة ما سيزيد من عمق الأزمة، الأمر الذي قد ينعكس على رواتب القطاع العام التي تشكل حوالى 25% من القوى العاملة.
وهناك تخوف من أن يؤدي الأمر إلى اندلاع ثورة عارمة تضاهي الثورة التي تشهدها البلاد حالياً، أو أن تصل الأمور إلى تفلت أمني محدود في المناطق اللبنانية تضبطه تدريجياً الأحزاب النافذة في المناطق، من خلال تشكيل إدارات مدنية لضبط الأزمة والسيطرة على التّفلت الأمني.
مسار الإنقاذ
وعن إمكانية إخراج لبنان من نفق الانهيار، تقول أوساط اقتصادية وسياسية إن "الاقتصاد اللبناني بحاجة عاجلة خلال الأشهر الستة المقبلة لودائع بقيمة 15 مليار دولار تعيد إنعاش الدورة الاقتصادية، وتعيد التوازن للكتلة النقدية المنكمشة في الأسواق". ويستبعد هؤلاء أن تأتي تلك الودائع من خلال استثمارات، باعتبار أن الجهة الوحيدة القادرة على إنقاذ لبنان هي الجهة العربية والخليجية، مع المجتمع الغربي لا سيما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، الذي قد يبدأ بضخ استثمارات مؤتمر "سيدر"، مؤكدين أن كل ذلك مرتبط بحكومة تطمئن المجتمعين العربي والغربي حول حياد لبنان وعدم الاستمرار بلعب دور الواجهة الأمنية والاقتصادية لإيران من جهة، وأن يكون هناك ضمانات بأن هذه الحكومة ستكون حكومة إصلاح حقيقي، توقف الهدر والفساد وتقوم بتشريعات عاجلة لاستعادة الأموال المنهوبة والمودعة في مصارف بالخارج، ولاسيما في الدول التي تعتبر ملاذاً آمناً لتبييض الأموال وتهريبها من ضمنها "بنما"، التي تعتقد مصادر عدة أن رجال أعمال وسياسيين لبنانيين يودعون أموالهم فيها.
وثائق "بنما" تطال السياسيين
وتشير الأوساط إلى أن الاتحاد الأوروبي يبدي استعداده لمساعدة لبنان على استعادة الأموال المنهوبة، وأن قوانين الاتحاد صارمة بهذا الشأن، خصوصاً أن هناك تجارب عدة سابقة تشهد على إعادة الأموال المنهوبة، معتبرة أن يتوجب على الحكومة اللبنانية في المرحلة الأولى العمل على استقلالية القضاء ليتمكن من التعاون مع القوانين الدولية، لمكافحة تبييض الأموال واسترداد الأموال غير الشرعية المودعة في الخارج.
وكشفت تلك المصادر أن القضاء اللبناني لم يتحرك بجدية تجاه وثائق بنما التي سُربت عام 2016، التي اعتبرت فضائح مدوية وقد تكون مساراً حقيقياً للعمل على كشف مصادر ثروات العديد من السياسيين اللبنانيين، الذين حصلوا عليها عبر الأطر غير الشرعية، لا سيما المخدرات وتبييض الأموال.
265 مؤسسة تقفل أبوابها
في المقابل، أعلن مجلس إدارة نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في بيان، أن "265 مؤسسة من المؤسسات التي تتعاطى الطعام والشراب أقفلت أبوابها نهائياً في غضون شهرين، ويتوقع أن يرتفع عدد الإقفالات النهائية أكثر فأكثر خلال الشهر الجاري مع استمرار الوضع الحالي لتنضم 200 مؤسسة أخرى الى سابقاتها ليكون العدد النهائي للمؤسسات في ثلاثة اشهر يقارب الـ 465 مؤسسة".