قد تكون الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس حكومة لبنان العتيد الاثنين في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري سابقة في تاريخ لبنان، لأنها تحصل للمرة الأولى، ونتائجها غير مضمونة أو غير معروفة، ﻻ بل يمكن أن تكون الاستشارات للمرة الأولى أيضاً مهددة بالإلغاء نتيجة احتجاجات شعبية بدأ الحديث عنها بشكل مكثف، فما هو السيناريو الدستوري إن تعثرت الاستشارات كما هو متوقع؟
بحسب خبير دستوري فضّل عدم ذكر اسمه، "لم يحصل في تاريخ لبنان أن أُلغيت استشارات نيابية دعا إليها رئيس الجمهورية، في وقت حصل سابقاً أن تأخر الرئيس في الدعوة إلى اﻻستشارات أسبوعاً أو أسبوعين، لكن الإلغاء لم يحصل يوماً. وإذا حصل وتعثرت استشارات الاثنين لسبب أو لآخر، فيمكن لرئيس الجمهورية أن يبادر إلى تحديد موعد جديد، حتى الوصول إلى نتيجة". ويكون الاتكال وفق الخبير الدستوري "على الحس الوطني الذي يجب أن يتحكم بقرار الكتل النيابية والمسؤولين، بعيداً من مزاجيتهم ومصالحهم، تماشياً مع خطورة الوضع في لبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي اﻻنتظار، ثلاثة أيام تفصلنا عن موعد الاستشارات الذي حدده رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن الصورة ﻻ تزال ضبابية في شأن التكليف كما التأليف، وسيناريو الاثنين ﻻ يزال غير واضح حتى لدى القوى المعنية بترجيح كفة الاسم المكلف لرئاسة الحكومة، ومن بينها "حزب الله" وحركة "أمل" اللذان كانا يعملان حتى الساعة على إقناع الرئيس الحريري بتولي رئاسة الحكومة العتيدة، في وقت برزت معلومات عن لقاء جمع في روما رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بالنائب السني البيروتي فؤاد المخزومي، على هامش مؤتمر للطاقة اعتاد اﻷخير أن يشارك في أعماله كل سنة، واسم المخزومي لم تنقطع دوائر القصر الجمهوري عن ذكره كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة حتى عند بدء الكلام عن سمير الخطيب المرشح الحالي الوحيد المعلن.
موقف ملتبس للحريري
كل ذلك، يضاف إليه الموقف الملتبس للحريري الذي وعد ببيان تأييد للخطيب ولم يفعل، حتى أن كتلة "المستقبل" التي حُدد لها الموعد الأول على قائمة استشارات الاثنين، لم تجتمع بعد ولم تتخذ موقفاً حاسماً في شأن التسمية، ويتردد أن اجتماع الكتلة قد يُعقد الأحد، ربما على وقع التظاهرات المعارضة للخطيب والمتوقع أن تتصاعد بين الأحد والاثنين.
وسط هذه الأجواء، رجح مصدر مطلع ان يقوم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بزيارة خاطفة في الساعات القليلة المقبلة، قبل يوم الاثنين، إلى الرياض أو باريس، قائلاً إن هذه الزيارة لن تنفصل عن ملف تأليف الحكومة، لا بل قد تكون مصيرية في هذا الشأن.
ويفتقر سمير الخطيب حتى اﻵن إلى الدعم السني المعلن، فدار الفتوى لم تصدر بياناً تأييدياً كما كان متوقعاً، والكتل ذات الغالبية السنية تتراوح مواقفها بين الرافض للخطيب ككتلة الوسط المستقل التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي التي أعلنت تأييدها للحريري، وقالت في بيان "إن سمير الخطيب يملك كل مقومات الاحترام، لكن مقومات حمل الأعباء في هذه الظروف السياسية أمر آخر"، وحتى الكتل التي تدور في فلك "حزب الله" كـ "اللقاء التشاوري" الذي يضم خمسة نواب سنة لم يحسم موقفه بعد، ولم يعلن تأييد الخطيب حتى الساعة.
كل ذلك، إضافة إلى موقف متشدد لرؤساء الحكومات السابقين الذين اعتبروا أن "استباق اﻻستشارات الملزمة وابتداع ما يسمى رئيساً محتملاً للحكومة، هو خرق خطير لاتفاق الطائف والدستور نصاً وروحاً، واعتداء سافر على صلاحيات النواب وصلاحيات رئيس الحكومة."
محاولات فرنسية لعقد مؤتمر دولي
مصادر سياسية تربط فرملة اﻻندفاعة التي ظهرت في الأيام اﻷخيرة في شأن تسمية الخطيب، بتطورات إقليمية متوقعة في الأيام المقبلة، أولها محاوﻻت فرنسية لعقد مؤتمر دولي موسع، في 14 ديسمبر(كانون الأول) الجاري، تنضم إليه إيران والسعودية والإمارات، ويكون تحت عنوان مساعدة لبنان في مواجهة الأزمة اﻻقتصادية والمالية، على ألا يتعارض المؤتمر المذكور مع "سيدر" الذي ﻻ يزال قائماً ولكن تنفيذه مرتبط بالحكومة الجديدة والإصلاحات الضرورية لتحقيق مشاريع مدرجة على المؤتمر، فتطرح خلاله إجراءات عملية كإعطاء تسهيلات مالية أو القيام باستثمارات وغيرها من الإجراءات واﻻقتراحات التي يمكن أن تنقذ لبنان على الصعيدين المالي والاقتصادي.
في المقابل، تكشف مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" عن أن المؤتمر الموسع دونه عقبات، وقد يبقى على أبعد تقدير بصيغته الثلاثية، أميركا بريطانيا وفرنسا، استكمالاً للاجتماع الأول الذي عقد في باريس في 19 نوفمبر ( تشرين الثاني) بين كل من مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر ونظيره الفرنسي في وزارة الخارجية كريستوف فارنو، وممثل عن وزارة الخارجية البريطانية، وتضيف المصادر أن بقاء الاجتماع على صيغته الأولى من دون توسيعه ليشمل إيران والسعودية والإمارات، يعود إلى رفض أميركي كان عبّر عنه شنكر في اجتماع 19 من نوفمبر الماضي، معتبراً أن ضم طهران والرياض سيزيد الأمور تعقيداً، وسيضع فرضية إفشال المؤتمر لوجود تباعد بين طهران والسعودية في النظرة إلى القضية اللبنانية، وبالتالي بدلاً من مساعدة لبنان اقتصادياً تتعقد سياسياً، ما ينعكس على الوضعين الاقتصادي والمالي فتزيد الأزمة تعقيداً.
حكومة... وفق شروط "حزب الله"
وبالعودة إلى الاستشارات إن حصلت، وإذا صحت المعلومات عن الاتفاق المسبق على شكل الحكومة وتركيبتها، أي تكنو سياسية، يعني أن الحكومة الجديدة ستتشكل وفق شروط "حزب الله" الذي سيحظى مع حلفائه، أي "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" و"تيار المردة" بالأكثرية الوزارية، وسيتحكم مع حلفائه في الحكومة العتيدة بالقرار السياسي، لكون حزب "القوات اللبنانية" لن يشارك، و"تيار المستقبل" و"الحزب الاشتراكي" ستقتصر مشاركتهما على وزراء اختصاصيين غير سياسيين.
تعهد دولي بمساعدة لبنان يمكن أن يستمر إذا ما ولدت هكذا حكومة؟ تراجع التفاؤل والتأخير المحتمل للاستشارات أسبابه في الخارج قبل الداخل، علماً أن الحراك الشعبي عبّر عن رفضه حكومة "حزب الله" و"التيار الحر" التي لم تلبِ مطلباً واحداً من مطالبه، قبل أن تولد ويستعد لتصعيد التحركات وصولاً إلى قطع الطرقات عليها.