"فوجئت بالحمل، وكرهت نفسي حينها، ولم أرد الجنين أبداً لأسباب عدة أهمها لأنني لا أريد خوض تجربة تربية الصغار، لكنني واجهت معارضة من زوجي، ولم أجد مكاناً للإجهاض بأمان، فعدلت عن الفكرة، وأكملت الحمل مكرهةً"، هذا ما تقوله إحدى السيدات عن تجربتها ورغبتها السابقة في الإجهاض، في حين أشارت أخرى إلى الحالة النفسية السيئة التي مرت بها والآلام الجسدية التي عانت منها بعدما اضطرت للإجهاض.
أسباب كثيرة تدفع النساء إلى الإجهاض في فلسطين، أغلبها إجباري بسبب وجود خطر على حياة الأم والجنين أو النزيف أو التعرض للضرب والسقوط، ومنها ما هو اختياري كالحالة الاقتصادية وعدم الرغبة في الحمل وانفصال الزوجين واستكمال التعليم والعمل وغيرهما من الأمور التي رصدها تقرير صادر عن جمعية تنظيم وحماية الأسرة الفلسطينية ووزارة الصحة، من أجل تسليط الضوء على الإجهاض الآمن (ما يتم بإشراف طبي في مراكز متخصصة) وغير الآمن (الذي يتم بشكل ذاتي أو في أماكن غير مخصصة طبياً) للنساء المتزوجات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا اللجوء إلى الإجهاض غير الآمن؟
أما عن كيفية تنفيذ عملية الإجهاض، فأوضحت النساء ضمن العينة المستهدفة في الدراسة، أن غالبية الحالات قام بها الأطباء أو قابلات أو ممرضات، في حين أن جزءاً آخر منهنّ نفذنها ذاتياً، أو بمساعدة والدة الزوج، إضافة إلى استخدام الحبوب الطبية، ورفع الأجسام الثقيلة والشفط اليدوي وتناول المنظفات ولم تكن جميعهنّ صاحبات القرار الرئيسي، فبعض الزوجات قمن بهذا الأمر بقرار من الزوج وحده أو من العائلة.
بعد صدور هذا التقرير، تعرضت الجمعية والوزارة لهجوم من فريق من الناس، بحجة أن هذه الدراسة "تشجع على الإجهاض والفاحشة بين غير المتزوجات"، الأمر الذي نفته مديرة دائرة صحة وتنمية المرأة في وزارة الصحة مها عواد، موضحةً أن التقرير يتحدث عن المتزوجات لتوعيتهنّ إلى أساليب تنظيم الحمل والتعامل مع الجنين، وعدم اللجوء إلى الإجهاض غير الآمن وتوفير الاستشارات الطبية بشكل دائم، لأن بعض السيدات يلجأن إلى الأدوية أو القفز أو شرب مواد كيماوية، أو أدوية قد تؤدي إلى الوفاة إذا ما زادت عن حدها.
الشروط الفقهية للإجهاض
من جهة أخرى، أوضح الشيخ جمعة حمدان أن الدين الإسلامي ينظر إلى الإجهاض من وجهتَي نظر، الأولى تتمثل في أن هذا الأمر مسموح به قبل أن يتجاوز الحمل 120 يوماً، أي قبل أن تُبث الروح في الجنين، أما الثانية وهي متشددة أكثر، تعتبر أن الإجهاض محرّم بكل أشكاله في حال عدم وجود خطر محقَق على حياة الأم تحدده لجنة من الأطباء، تتكوّن على الأقل من ثلاثة متخصصين.
الإجهاض جريمة عقوبتها الحبس
ويجرّم القانون الفلسطيني الإجهاض، ففي الضفة الغربية يسري القانون الأردني لعام 1960، وفيه أن كل امرأة حاولت إجهاض نفسها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، أما من ساعدها على الإجهاض برضاها، فإنه يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وإذا ما توفيت، فإن الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن خمس سنوات. وتطرق القانون أيضاً إلى التسبب بإجهاض امرأة من دون رضاها، وهنا يُحكم على الفاعل بالأشغال الشاقة لمدة لا تزيد عن 10 سنوات، أما إذا ما كانت هذه الخطوة "حمايةً للشرف" فإن الفاعلين يستفيدون من العذر المخفف. لكن في قطاع غزة، فالعقوبات أشد، إذ يُطبَق هناك القانون المصري الصادر عام 1936، وفيه أن كل مَن يساعد امرأة على الإجهاض سواء بإعطائها مادة سامة أو مؤذية بقصد الإجهاض، يعتبر أنه ارتكب جناية ويُعاقب بالحبس لـ 14 سنة. أما المرأة التي تحاول الإجهاض بأي وسيلة، فإنها تُعاقب بالحبس لسبع سنوات.
الإجهاض: حرية شخصية أم قتل؟
وأظهرت آخر أرقام منظمة الصحة العالمية أن العالم يشهد بشكل تقديري 56 مليون حالة إجهاض آمن وغير آمن سنوياً، ولكن في فلسطين لا توجد أرقام محددة وواضحة لعدد حالات الإجهاض بين المتزوجات، وذلك لأسباب عدة تتمثل في أن كل العمليات لا تتم في المراكز الصحية المعتمدة، ولا يصرّح الجميع عنها، عدا عن أن الحديث عن الإجهاض لأسباب غير طبية، يُعد من الأمور شبه المحرمة داخل المجتمع لرفض الدين والقانون والمجتمع، إذ يعتبر بعض الأشخاص أن الإجهاض وشروطه واضحة في الدين ولا يجوز الخوض فيها والاعتماد على وجهات نظر الأفراد.
ويرى فريق آخر أن هذا الأمر يعني القتل، ويجب التفكير في أمور الحمل قبل الوصول إليها، وليس التفكير في التخلص من الجنين بعد تكوّنه، لأن الإجهاض يترك آثاراً سلبية في صحة المرأة الجسدية والنفسية أيضاً، ولكن منهم مَن يعتبر أنه حرية شخصية ويجوز اللجوء إليه في حال عدم القدرة الاقتصادية أو الاجتماعية، أو تشوه الجنين، أو خوفاً من أن يولَد ويكون من ذوي الإعاقة، ولا يستطيع الوالدان التأقلم مع هذا الأمر في ما بعد، والبعض اعتبر أنه من الصعب البت في هذا الموضوع الآن، لأن كل ظرف له أحكامه وشروطه والعوامل المؤثرة فيه.
وبالحديث عن حالات الاغتصاب والسفاح فإن كثيرين أيدوا عملية الإجهاض في المراحل الأولى حصراً، لأن الحمل هذا سيكون له تبعات اجتماعية وأسرية في ما بعد، فطريقة الحمل كانت بالنسبة إليهم من دون رضى الفتاة، ومن الصعب أن تقوم بعملية التربية لاحقاً نتيجةً للحالة النفسية السيئة التي سببتها لها هذه الحادثة.