استفاد المعدن الأصفر من الضغوط التي واجهها المستثمرون خلال العام الحالي، وتمكن بفضل هذه الضغوط من حصد أكبر مكاسب أسبوعية في نحو 4 أشهر خلال الأسبوع الماضي، ويسير على الطريق الصحيح لتسجيل أفضل أداء سنوي منذ عام 2010.
وخلال تعاملات الأسبوع الماضي، صعد المعدن النفيس بنسبة 2.5% أو ما يوازي 37.20 دولار، مسجلاً بذلك أكبر وتيرة صعود أسبوعي منذ بداية شهر أغسطس (آب) الماضي. وأغلق الذهب عقد تسليم شهر فبراير (شباط) المقبل عند مستوى 1518.10 دولار للأوقية، وهو أعلى تسوية منذ جلسة 24 سبتمبر (أيلول) الماضي.
ومنذ بدابة العام الحالي، سجل الذهب مكاسب سنوية بنحو 18% بدعم الاحتكاكات التجارية وتيسير السياسة النقدية عبر الاقتصاديات الكبرى إضافة إلى عمليات الشراء المستدامة للمعدن من صناديق الاستثمار المتداولة والبنوك المركزية، ليسجل بذلك المعدن الأصفر أكبر زيادة سنوية منذ عام 2010.
يأتي هذا الصعود على الرغم من ضعف أحجام التداول ورغم إقبال المستثمرين على الأصول الخطرة والتفاؤل التجاري، الذي في العادة يقلل من شهية حيازة الملاذات والأصول الآمنة كالذهب. ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، ذكر تقرير لشركة "سي.إم.سي" للأسواق في سنغافورة، أن قفزة هذا الأسبوع كانت مدفوعة على الأرجح بعمليات تصيد الصفقات، حيث يراهن المستثمرون على تعافي أسعار المعدن بعد ثلاثة أشهر من ثبات الأسعار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أسهم الدولار الأميركي في تعزيز مكاسب الذهب، حيث انخفض مؤشر الورقة الأميركية الخضراء بنحو 0.8% خلال تعاملات الأسبوع الماضي. ويمكن أن يساعد ضعف الدولار في تعزيز شراء الذهب، كونه يجذب المشترين الذين يستخدمون عملات أخرى عندما تنخفض قيمة العملة الخضراء.
وترى "سي.إم.سي" أن الدولار الضعيف ساعد على دفع أسعار المعدن النفيس لأعلى، لكن هذا العامل الوحيد غير كافٍ لتفسير قفزة كهذه. وتشير هذه الزيادة في الأسعار إلى أنها ناجمة عن وجود مزيد من السيولة في الأسواق أكثر من كون الأمر قناعة بالاستثمار في الذهب.
ضبابية مستقبل الاقتصاد العالمي والتحول نحو التباطؤ
وأسهمت التوترات التجارية مع التحول في السياسة النقدية حول العالم إضافة إلى غيوم وضبابية تتعلق بتباطؤ الاقتصاد العالمي، في تعزيز الإقبال على أصول الملاذ الآمن مثل الذهب خلال العام الحالي.
ومنذ جلسة 26 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وحتى التعاملات الأخيرة، ارتفع سعر التسليم الفوري لمعدن الذهب ليسجل مستوى 1510 دولارات للأوقية، بنسبة صعود تقترب من 18% أو ما يزيد على 229 دولاراً. ومن شأن تلك الزيادة أن تكون الأكبر منذ عام 2010 عندما سجل الذهب مكاسب تقترب من 28%.
وبعد أن وصل المعدن الأصفر إلى أعلى مستوياته فيما يزيد على 6 أعوام خلال عام 2019 عند مستوى 1552.55 دولار للأوقية يوم 4 سبتمبر (أيلول) الماضي، تعرض إلى توقف مؤقت في الاتجاه الصعودي، بل وتعرض للهبوط في الفترة الأخيرة من العام مسجلاً نسبة هبوط بلغت نحو 8.5%. وسجلت العقود المستقبلية للمعدن أعلى تسوية منذ أبريل (نيسان) من عام 2013 عند مستوى 1560.40 دولار للأوقية.
يأتي هذا التعثر في الاتجاه الصعودي مع تهدئة في الأوضاع التجارية إضافة إلى تحول حاد في نهج البنوك المركزية من "الترقب والانتظار" إلى موقف تيسيري للغاية شهد خفض معدلات الفائدة في غالبية الدول.
الحرب التجارية أكبر داعم للمعدن الأصفر في 2019
استفاد الذهب بشكل إيجابي بالعديد من الأمور المقلقة وحالة الضبابية التي تسيطر على الأصعدة التجارية والسياسية والاقتصادية لكن أداءه تعرض لانتكاسة في نهاية العام مع تهدئة الاحتكاكات بين أكبر اقتصادين حول العالم وغيرها من الأمور الداعمة للأصول الخطرة.
وربما كانت الحرب التجارية هي أحد أهم المحركات لأسواق الأصول والملاذات الآمنة خلال العام الحالي. ففي بداية العام، كانت الأوضاع التجارية تشهد تصعيداً كبيراً ما دفع المستثمرين بقوة تجاه أصول الأمان والمتمثلة في الذهب لكنهم تحولوا لاحقاً إلى الأصول الخطرة كالأسهم مع تهدئة في تلك العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
ومنذ أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يتم الحديث عن إبرام المرحلة الأولى من الصفقة التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، التي تمثل تقريباً 60% من الاتفاق ككل، لكن حتى الآن لم يوقع رئيسا البلدين فعلياً، التي يتوقع أن تكون في بداية العام الجديد.
يضاف إلى تداعيات الحرب التجارية، العثرات التي واجهها الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي، حيث تلقى الذهب دعماً قوياً هذا العام على خلفية مخاوف تباطؤ النمو التي أصابت الاقتصاد العالمي في سياق التدهور في الأوضاع التجارية. وقرر صندوق النقد الدولي، أخيرا، خفض تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي أكثر من مرة لينتهي به الوضع عند أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية.
أيضاً هناك الأزمات والتوترات السياسية والجيوسياسية التي دعمت كثيراً الأداء الإيجابي للمعدن النفيس، حيث إنه وبطبيعة الحال يتم ترجمة التوترات في الأوضاع الجيوسياسية والسياسية إلى مزيد من الإقبال على المعدن الأصفر سعياً وراء الأصول الآمنة.
وشهد العام الحالي العديد من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين أو بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في ملف البريكست العالقة التي بدأت أخيراً تشهد حالة من كسر الجمود السياسي. كما استفاد المعدن من التوترات الجيوسياسية في منطقة الخليج، خاصة بسبب التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، والهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية في السعودية.
سياسة التيسير النقدي تدعم مكاسب الأصول الآمنة
بخلاف هذه الدعائم، جاءت التحولات في السياسة النقدية لتعزز مكاسب الذهب، حيث انتقلت البنوك المركزية الكبرى حول العالم من سياسية متشددة إلى "النهج الحذر"، هذا العام بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي. ويعني التوقف في تحريك معدل الفائدة أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة قد أتمت بالفعل تعديلات منتصف الدورة للفائدة في أكتوبر (تشرين الأول) عندما أقرت الخفض الثالث هذا العام.
ويأتي التحول في نغمة السياسة النقدية بما يتماشى مع التوسع المستدام للنشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة إضافة إلى ظروف سوق العمل القوية والتضخم القريب من مستهدف البنك البالغ 2%، وفقاً للبنك المركزي الأميركي. ويجدر الإشارة إلى أن معدلات الفائدة الأميركية المرتفعة تضغط على سعر الذهب الذي لا يحقق عوائد من خلال زيادة تكلفة الفرصة البديلة بينما تدعم الدولار الذي يتم تسعير الذهب به.
في الوقت نفسه، عززت البنوك المركزية من مشترياتها أو الطلب الاستثماري نمو الطلب العالمي على المعدن الأصفر رغم تراجع طلب المستهلكين. حيث اتجهت البنوك المركزية أخيرا إلى شراء المزيد من الذهب لتعزيز احتياطاتها من الذهب في مسعى لمواجهة المخاطر العالمية التي تلوح في الأفق.
وخلال أول 9 أشهر من العام الحالي، عززت البنوك المركزية حول العالم مشترياتها من المعدن النفيس بنحو 547.5 طن وهو ما يمثل زيادة 12%على أساس سنوي.
كيف يكون أداء الذهب في 2020؟
بعد أن أبقى الفيدرالي الأميركي معدل الفائدة في اجتماعه الأخير هذا العام دون تغيير مع إعلان أن توقعات منحنى "دوت بلوت" يشير إلى عدم وجود تغيير في السياسة النقدية خلال عام 2020 بأكمله، فإن التوقعات تشير إلى استمرار الأداء الإيجابي للمعدن الأصفر خلال العام المقبل.
حيث يتوقع بنك "غولدمان ساكس" أن يصل سعر الذهب عالمياً إلى مستوى 1600 دولار للأوقية في غضون الثلاثة والستة والـ12 شهراً المقبلة. وتعود هذه التوقعات بشكل مباشر إلى قوة الطلب الاستثماري على المعدن التي ستعتمد على مخاوف وقوع ركود اقتصادية مع عدم اليقين السياسي.
أما بنك "مورغان ستانلي"، فيتوقع أن يظل سعر الذهب يتداول عند مستوى 1500 دولار للأوقية في غضون العام المقبل. فيما يعتقد بنك "سيتي غروب" أن أسعار الذهب قد تتداول عند مستويات مرتفعة لفترة أطول وأن المعدن النفيس سيتجاوز مستوى 2000 دولار للأوقية في غضون العام أو العامين المقبلين. وتشير سوق خيارات بيع الذهب عند سعر 4000 دولار للأوقية بحلول شهر يونيو (حزيران) من عام 2021، إلى أن الآفاق المستقبلية بشأن المعدن الأصفر إيجابية للغاية.
لكن في المقابل، يراهن تقرير حديث لبنك "جي.بي.مورغان" على هبوط أسعار الذهب في عام 2020 مع تعزيز شهية المخاطرة لدى المستثمرين. وبحسب تحليل حديث، فإن عدم وجود سياسة نقدية متشددة بشكل واضح يعني أن النهج الحذر لا يزال قائماً، خاصةً عندما يحدث الهبوط المقبل في النشاط الاقتصادي. ومن شأن تلك القاعدة أن تكون داعمة لأسعار الذهب، وبالتالي فإن هناك فرصا جيدة لصعود المعدن النفيس عند الحديث عن عام 2020.