يواجه رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، زعيم "حركة النهضة" الإسلامية، محنة حقيقية بعد موجة هجمات شنّها ضده عدد من النواب، إثر الزيارة التي أجراها في الفترة الأخيرة إلى تركيا، والتي رأى فيها عدد من النواب خرقاً لنواميس العلاقات الدبلوماسية والبرلمانية ومساساً بالسيادة الوطنية التونسية.
كما تلقى الغنوشي سلسلة انتقادات بشأن تعيينه لأعضاء ديوانه في مجلس النواب، وكلهم من حركة النهضة، وتخليه عن عدد من الكفاءات التي كانت تعمل في المجلس.
هل تُسحب الثقة من الغنوشي؟
وبلغت الانتقادات ذروتها حين طالبت رئيسة حزب "الدستوري الحر" (17 مقعداً)، عبير موسي، بضرورة سحب الثقة من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، معتبرة أن "سيادة تونس في خطر". ودعت خلال مداخلتها كل الكتل التي صوّتت ضدّ حكومة حبيب الجملي للتوقيع على عريضة سحب الثقة من الغنوشي، متّهمة "حركة النهضة" بالارتباط بعلاقات مشبوهة مع "تنظيم الإخوان" الدولي.
وشهدت الجلسة التي كانت مقرّرة لمناقشة عدد من مشاريع القوانين، مناوشات بين رئيس المجلس ورئيسة "الدستوري الحر" التي اتهمت الغنوشي (بصفته عضو في مجلس الأمن القومي)، بتسريب معلومات إلى تركيا تهم الأمن القومي.
وفي ندوة صحفية، نددت موسي بتبرير "حركة النهضة" بأن زيارة الغنوشي إلى تركيا كانت بصفته الحزبية لا البرلمانية، وقالت إن "المناصب العليا في الدولة ليست كالمعطف ننزعه متى نشاء"، محذرة من خطورة حركة "النهضة الإسلامية" نظراً لارتباطاتها بأجندات خارجية، واعتبرت أن الغنوشي ليس محلّ ثقة على أسرار الدولة التونسية.
وينص الفصل 51 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، على أنه "يمكن لمجلس نواب سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس (109)، بناء على طلب كتابي معلل يقدم لمكتب المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل. ويعرض الطلب على الجلسة العامة للتصويت على سحب الثقة من عدمه في فترة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع من تقديمه لمكتب الضبط.
يُذكر أن عبير موسي هي سياسيّة ومحامية تونسية من مواليد المنستير في 15 مارس (آذار) 1975، حاصلة على درجة الماجستير في القانون وشهادة الدراسات المعمقة في القانون الاقتصادي وقانون الأعمال.
وهي إحدى أبرز المدافعين عن حزب "التجمع الدستوري" المنحل ويعتبر حزبها "الدستوري الحر" امتداداً له. وعُرفت عبير موسي بهجماتها القوية على الإسلاميين الذين تعتبر أنهم أضروا بتونس من خلال ارتباطاتهم المشبوهة بجهات أجنبية في إشارة إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين .
و تولّت موسي في مؤتمر 13 أغسطس (آب) 2016 رئاسة الحزب الدستوري الحر.
هل يُسائل مجلس الأمن القومي الغنوشي؟
من جهته، دعا النائب عن "الكتلة الديمقراطية" منجي الرّحوي إلى مساءلة الغنوشي من قبل مجلس الأمن القومي وتحميله كل مسؤولياته، متهماً إياه بالمستهتر بأمن التونسيين، وتساءل عن دور الغنّوشي في مناقشة التطورات الجديدة في المنطقة والتحدّيات التي تواجهها، بحسب ما جاء في البيان الصادر عن حركة "النهضة الإسلامية"، إثر الجدل حول هذه الزيارة.
وتوجّه الرّحوي إلى الغنّوشي بالقول، "هل تحدّثتم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عودة الدّواعش والأشخاص الذين سفّرتوهم والسّلاح التركي الموجود في تونس؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أعرب عن تخوفه من أن يكون الغنوشي قد تحدّث في مسائل تهمّ الأمن القومي التونسي باعتباره عضواً في هذا المجلس، وإمكانية تسريبها إلى تركيا، مشيراً إلى أن المنطقة الآن تعيش مخاض حرب حقيقية وتركيا تقرع طبول الحرب في المنطقة، واصفاً ما قام به الغنوشي بـ"العبث السياسي".
واعتبر أن الزيارة تتعارض والموقف الرسمي التونسي وهو عدم الاصطفاف إلى أي جهة في الأزمة الليبية.
يُذكر ان الرّحوي من مواليد 13 يونيو (حزيران) 1963 أصيل مدينة غار الدّماء من ولاية جندوبة، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية بين العاصمة وجندوبة قبل أن ينال شهادة الماجستير في التصرف والمحاسبة من المدرسة العليا للتجارة والمحاسبة من فرنسا .
و انخرط الرحوي باكراً في العمل السياسي مذ كان طالبا في الجامعة التونسية، وكان من القياديين البارزين في الجبهة الشعبية، التي تمثل تيار اليسار في تونس ومنيت بهزيمة مدوية في الانتخابات التشريعية الأخيرة .
أما النائب عن "الكتلة الديمقراطية" خالد الكريشي، فاعتبر زيارة الغنوشي إلى تركيا "زيارة إيديولوجية لها علاقة بارتباطه بتنظيم الإخوان المسلمين في العالم"، مطالباً رئيس البرلمان بالاعتذار، قائلاً "لقد أخطأت بزيارتك تركيا ولا يجب أن توظّف الزيارة ضد أشقائنا في ليبيا".
"النهضة" وسياسة التمكين
من جهة أخرى، ندّد النائب عن حزب "صوت الفلاحين" فيصل التبيني، باعتماد راشد الغنوشي لرئيس ديوان وأعضاء ديوانه كلهم من "حركة النهضة"، لافتاً إلى أن "ما ينقص مجلس النواب الآن هو أن تكتب عليه لافتة تحمل اسم حركة النهضة"، في إشارة إلى تغلغلها في إدارة المجلس وتوجهها صوب التمكن من مفاصل الدولة عبر توظيف منتسبيها في الإدارة التونسية، كلما سنحت لها الفرصة.
واستغرب تسمية رئيس ديوان الغنوشي وهو الحبيب خذر برتبة وزير، متسائلاً "إذا كان مساعدك برتبة وزير فما هي رتبتك أنت (ويقصد الغنوشي)؟".
ولفت إلى أن كل رؤساء دواوين المجلس السابقين كانوا يتمتّعون برتبة كاتب دولة، منتقداً تهافت أعضاء ومنتسبي "حركة النهضة" على المناصب وكسب المال.
يُذكر أن فيصل التبيني أصيل ولاية جندوبة الواقعة في الشمال الغربي التونسي عرف بمعارضته لعدد كبير من السياسيين التونسيين على غرار يوسف الشاهد و راشد الغنوشي ، يدافع بشراسة عن منطقته التي يعتبر أنها محرومة ومهمشة . هو مؤسس حزب صوت الفلاحين الذي يتبنى اقتصاداً قائماً أساساً على الزراعة و يدعو إلى استثمار هذا القطاع بشكل أكثر عمقاً. وعادةً ما ينتقد الحكومات المتعاقبة بسبب فشلها في تبني استراتيجية زراعية ناجعة .
كما يواجه الغنوشي أيضاً انتقادات من نوع آخر حتى من داخل حركته، لها علاقة بجمعه بين رئيس المجلس ورئيس الحزب، على الرغم من عدم وجود موانع قانونية في هذا الشأن، إلا أن الفصل بين الخطتين من شأنه أن يضفي مزيداً من المصداقية على أداء رئيس المجلس.
"كيان الحزب مُهدد"
تزايد الانتقادات الموجّهة لأداء رئيس البرلمان، لانحيازه المفضوح لحزبه على حساب منصبه كرئيس لبرلمان يجمع مختلف الأطياف السياسية، وعدم قدرته على إدارة الجلسات البرلمانية بحكمة، وخصوصاً في مواجهة معارضيه وتتالي انزلاقات عدم التفريق بين الصفة الحزبية والصفة البرلمانية، أصبح تهدّد كيان الحزب وضموره على السّاحة السياسية في تونس، خصوصاً وأن الحركة شهدت تراجعاً ملحوظاً في وزنها السياسي في البلاد، نتج عنه سقوط حكومة الجملي التي دعمتها الحركة على الرغم من ضعف أعضائها وافتقادهم للكفاءة المطلوبة لإدارة شؤون الدولة.
تقلص حجم "النهضة"؟
فهل تنبئ كل هذه المؤشرات بتقلّص حجم "حركة النهضة" سياسياً؟ سؤال مطروح بشكل جدّي في داخل الحركة الآن، وسيُطرح أكثر وبشكل أعمق خلال مؤتمر المنتظر في الأشهر المقبلة، وسط تعالي الأصوات بضرورة سحب البساط من راشد الغنوشي على مستوى رئاسة الحركة، والذي يرى شق مهم أنه أساء للحركة بممارساته خصوصاً بعد توالي الاستقالات، ولعلّ أبرزها استقالة أمين عام الحركة زياد العذارى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وإعلانه أخيراً التصويت ضدّ حكومة الحبيب الجملي الذي اقترحته "النهضة".