للأسبوع الثالث على التوالي، شلّ إضراب نفذه عشرات الآلاف من المعلمين اليمنيين، آلاف مدارس التعليم الأساسي والثانوي، ما أدى إلى حرمان أكثر من مئتي ألف طالب وطالبة من التعليم.
وشمل الإضراب الذي دعت إليه "نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين"، معظم المحافظات الجنوبية، لا سيما عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة ووادي حضرموت.
مطالب المعلمين... وتجاهُل الحكومة
ويُعدد رئيس النقابة، حسين حميدة، المطالب التي جرى رفعها إلى الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم، والهادفة إلى معالجة أوضاع المعلمين والعاملين في القطاع التربوي، وعلى رأسها سرعة هيكلة الأجور حتى تتناسب مع الوضع المعيشي الراهن، ووضع حل نهائي وحاسم لمشكلة آلاف المعلمين الذين جرى توظيفهم في الفترة ما بين 2008 و2011، إضافة إلى الإفراج عن كل ما يخص المعلمين من علاوات سنوية وتسويات وظيفية، وحسم قضية المعلمين المحالين إلى التقاعد، وصرف المستحقات المالية المتراكمة لدى الحكومة منذ سنوات مضت، وكذا منح المعلمين التأمين الصحي، والنظر في وضع النازحين منهم بسبب ظروف وتداعيات الحرب.
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "الإضراب هذا العام تمت الاستجابة له من قِبل المعلمين بشكل غير عادي، وبلغت نسبة الإضراب نحو 90 في المئة في جميع المحافظات الجنوبية، بناء على تقارير رصد يومية تصل من جميع المحافظات والمديريات، ورغم التهديد الذي تمارسه جهات حكومية على بعض المعلمين للحيلولة دون تنفيذ الإضراب، فقد نجح بدرجة كبيرة".
وأبدى أسفه من تجاهل الحكومة مطالب المعلمين التي لم تكن الأولى، قائلاً إن "هذا التجاهل يدل على أن هذه الحكومة لا تعوِّل على التعليم وأهميته في بناء المجتمعات، وهذه اللامبالاة أدت إلى تدهور التعليم في البلاد".
وأضاف نقيب المعلمين "النقابة حاولت عدم الانجرار إلى الإضراب العام، واضطرت إليه أخيراً بعد أن استنفدت كل الوسائل الأخرى، حيث رفضت وزارة التربية والتعليم الاستجابة لمطالب المعلمين المشروعة".
خفض الراتب من 350 إلى 130 دولاراً
وتتابع "كنا قد نفذنا إضراباً مماثلاً العام الماضي، ثم علقناه لإعطاء الحكومة مهلة لتنفيذ مطالبنا، لكن للأسف لم تكن هناك استجابة، والآن مع بداية الفصل الدراسي الثاني استأنفنا الإضراب بناء على رغبة المعلمين في كافة محافظات الجنوب، فقد تدهورت أحوالهم المعيشية في ظل التدهور المستمر للعملة الوطنية (الريال)، حتى أصبح المعلم عاجزاً عن توفير الحد الأدنى من المعيشة لأسرته، فقد كان متوسط الراتب الشهري للمعلم قبل اندلاع الحرب 350 دولاراً، والآن مع تدهور الأوضاع أصبح يستلم 130 دولاراً فقط".
وكشف عن عدة لقاءات عقدتها قيادة النقابة مع جهات عِدة لشرح معاناة آلاف المعلمين الجنوبيين وأسباب الإضراب، أبرزها لقاء مع قائد التحالف العربي في عدن العميد مجاهد العتيبي، الذي كان متجاوباً ومتفهماً لمطالبنا، وسلمناه ملفاً يتضمن مطالبنا، وأبدى استعداده لتوصيلها إلى رئيس الوزراء وجهات الاختصاص في دول التحالف العربي، ممثلة في السعودية والإمارات، كما التقينا رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء أحمد سعيد بن بريك، الذي أكد تضامن المجلس مع مطالب المعلمين".
وقفات احتجاجية إحداها أمام القصر الرئاسي
وشدَّد على أن النقابة التي تُعبِّر عن آلاف المعلمين والتربويين الجنوبيين، لن تتراجع عن هذه المطالب المشروعة وإذا لم تتجاوب الحكومة فإن هناك برنامجاً تصعيدياً أُقر في آخر اجتماع لقيادة النقابة، وهو إقامة وقفات احتجاجية أمام مكاتب التربية في المحافظات، من بينها وقفة احتجاجية حاشدة أمام قصر المعاشيق الرئاسي في عدن.
الحكومة... لا لتعطيل التعليم
وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع مسؤولي الحكومة في وزارة التربية والتعليم، لاستطلاع رأيهم في مسألة إضراب المعلمين لكنهم اعتذروا عن عدم الحديث، بمن فيهم الوزير عبد الله لملس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، أكد رئيس الحكومة، معين عبد الملك، ضرورة انتظام واستمرار العملية التعليمية والتربوية ووضع مصلحة الطلاب وحقهم في التعليم فوق كل الاعتبارات، في هذا المرحلة الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وانتقد خلال رئاسته في العاصمة المؤقتة عدن، اجتماعاً مشتركاً لممثلي نقابات المعلمين ووزارة التربية والتعليم، تعطيل العملية التعليمية من قبل النقابات، قائلاً إن "أية مطالب يمكن التعامل معها عبر القنوات الرسمية وحلها مع مراعاة عدم الإضرار بمصالح الطلاب ومستقبلهم".
وبحسب الإعلام اليمني الرسمي، نوّه عبد الملك إلى أن الحكومة ورغم كل الصعوبات والتحديات الراهنة، تولي اهتماماً كبيراً بمعالجة أوضاع المعلمين، وإعطاء أولوية لمطالبهم المشروعة وفق الإمكانيات المتاحة، مشيراً إلى التحديات والأعباء الاقتصادية والمالية الكبيرة الناجمة عن الحرب العبثية التي أشعلتها ميليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران وانعكاساتها على الموارد والميزانية العامة للدولة.
الإضراب بين مؤيدٍ ومعارض
الشلل الذي أحدثه الإضراب في عدة محافظات جنوبي اليمن، أثار الكثير من الجدل في الشارع، بين مؤيد ومعارض، فبينما أعلن كثير من قطاعات وفئات الشعب تضامنهم مع المعلمين، يرفض آخرون الإضراب مع تسليمهم بضرورة اهتمام الحكومة بحقوق المعلمين.
يقول الكاتب الصحافي أحمد سعيد كرامه "المعلم وقع بين سندان واجبه المهني تجاه طلابه ومطرقة الحالة المعيشية القاسية، وكان أجدر بوزير التربية والتعليم الاهتمام بمطالب المعلمين قبل أن يصل الحال إلى تنفيذ الإضراب المفتوح وإغلاق المدارس، وللأسف اليمن تعاني في جميع المجالات العامة والخدمية تحديداً، فهناك فساد كبير والحكومة تهدر مئات المليارات من الريالات، وتلبية مطالب المعلمين لن يؤثر على الميزانية المنهوبة أصلاً"، على حد قوله.
وتابع "الإضراب نجح بصورة كبيرة في المدارس الحكومية، على عكس المدارس الأهلية الخاصة التي تعتمد على معلمين غير نظاميين غالباً"، لافتاً إلى أن مخرجات التعليم ضعيفة، والتعليم أيضاً ضعيف للغاية، لأن الوزارة تغرد خارج السرب، ولا يوجد اهتمام من قبل الحكومة بهذا القطاع".
في المقابل، يرى الإعلامي فهد البرشاء أن "المتضرر الأكبر من هذا الإضراب هم الطلاب أبناء الكادحين والبسطاء والفقراء الذين يدرسون في المدارس الحكومية، على عكس طلاب المدارس الخاصة التي يدرس فيها أبناء المسؤولين الذين لا يعنيهم الإضراب من قريب أو بعيد".
يضيف "لم يعد هذا إضراباً بل تحول إلى خراب وتدمير ممنهج لواقع التعليم المدمر أصلاً في دولة منهكة تماماً لم نسمع من المسؤولين فيها أي توجه نحو مطالب المعلمين، ما يعني أن الإضراب في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر، ولن يذهب ضحيته غير الطلاب، وحينما نتحدث عن نبذنا للإضراب فلا يعني هذا أننا ضد حقوق المعلم ومطالبه، ولكن حينما يكون الإضراب مدمراً للطلاب والتعليم فنحن ضده تماماً، لأنه لا يوجد معيار موحد لجميع الطلاب وجميع المدارس، بل يسير الإضراب وفق الأهواء والرغبات ولم يُطبق على الجميع".