أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة دون تغيير، مع استمرار نمو الاقتصاد الأميركي بوتيرة بطيئة وثابتة. ويراقب البنك المركزي عدداً من المخاطر بما في ذلك ارتفاع مستوى التوترات التجارية للولايات المتحدة مع أوروبا رغم تراجعها مع الصين بعد أن وقّعت واشنطن وبكين المرحلة الأولى لاتفاقية تجارية من شأنها أن تنهي حرباً تجارية مشتعلة بين البلدين منذ نحو عامين. ويضيف تفشي فيروس كورونا في الصين، مزيداً من المخاطر لسلة المخاطر القائمة، التي تهدد الاقتصاد العالمي المرتبط إلى حد كبير بأداء الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم.
ولا يتوقع قادة الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة صعوداً أو هبوطا على الإطلاق في عام 2020، إلا أن "وول ستريت"، تتوقع خفضاً واحداً على الأقل، ربما في يوليو (تموز) أو سبتمبر (أيلول) المقبل. الاحتياطي الفيدرالي سيلجأ إلى إعادة تقييم مادي لصحة الاقتصاد حتى يغير البنك المركزي أسعار الفائدة. إلى جانب أسعار الفائدة، يولي العديد من المستثمرين عناية وثيقة لخطط جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، للأصول التي تبلغ قيمتها 4.1 تريليون دولار من الاحتياطي الفيدرالي، التي ارتفعت في الأشهر الأخيرة.
الدكتور أحمد بن حسن الشيخ، رئيس مجلس إدارة شركة "دوكاب للكابلات" الإماراتية، وصف في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، قرار الفيدرالي الأميركي تثبيت سعر الفائدة دون تغيير، بالإيجابي بالنسبة لدول الخليج التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي، ولكنه قال، نحن نحتاج إلى خفض سعر الفائدة وليس تثبيتها، والسبب في ذلك هو أن الولايات المتحدة تحافظ اليوم على نمو اقتصادي معين، في وقت تراجع فيه النمو الاقتصادي لدينا مقارنة بالسابق، وبالتالي الداعم الأول للنمو هو خفض سعر الفائدة كي تستفيد التمويلات التجارية والصناعية.
ودعا الشيخ إلى أخذ الحذر سواءً على المستوى المحلي أو الخليجي فيما يتعلق بالتمويلات العقارية، قائلا، "إن السوق العقارية أصبحت متشبعة، فيما أصبح خروج التمويلات العقارية التي تصب في القطاع العقاري ليس بالأمر السهل كمردود على البنوك".
ومن وجهة نظر رئيس مجلس إدارة شركة "دوكاب للكابلات" الإماراتية، "فإن السوق العقارية في دولة الإمارات، فاقت مستويات التشبع"، مضيفاً "أن سوق العقار تحتاج إلى (لجم الخطام)، والتوقف عن إنشاء مشروعات متشابهة ومكررة" التي يراها الشيخ، "المتسبب الأكبر في تراجع قيمة العقار بسبب حجم الفائض الموجود في السوق".
ولا يزال سعر الفائدة الفيدرالي في حدود 1.5 إلى 1.75%، وهو مستوى منخفض بالمعايير التاريخية التي تهدف إلى إعطاء دفعة متواضعة للاقتصاد، من خلال تشجيع المزيد من الإقراض وشراء المنازل. خفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات في العام الماضي، مما أدى إلى انخفاض سعر الفائدة من أعلى مستوى في فترة ما بعد الركود بنحو 2.5%.
توقعات بانخفاض أسعار الفائدة في 2020
الاحتياطي الفيدرالي عمد إلى شراء كمية كبيرة من أذون الخزانة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ويجادل البعض بأنها دعمت سوق الأسهم. مؤشر "ستاندرد آند بورز" 500، الذي يضم 500 سهم ارتفع حوالي 10% منذ أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نيته شراء المزيد من أذون الخزانة. ويصر قادة بنك الاحتياطي الفيدرالي على أن هذه مجرد تعديلات فنية للبنك المركزي.
وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي دعا في أكتوبر الماضي إلى عدم الخلط بين مشتريات سندات الخزانة الخاصة به وبرامج شراء الأصول واسعة النطاق التي نشرها بعد الأزمة المالية.
جيروم باول كان قد وعد أنه سيكون هناك أموال "كافية" في النظام المالي، ومن المرجح أن تستمر الميزانية العمومية في التوسع خلال الربع الثاني، الذي ينتهي في يونيو المقبل.
من جانبه قال أسامة آل رحمة، نائب رئيس مجلس إدارة "مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي، "إن إبقاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة بدون تغيير سيخدم اقتصاديات الدول الخليجية، التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي"، متوقعاً، "أن تسهم الخطوة في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية للأسواق الخليجية، وإنعاش أسواقها العقارية".
ويقول نائب رئيس مجلس إدارة "مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي، "إن حالة الائتمان في ظل الأوضاع الاقتصادية القائمة اليوم، تتطلب أن تكون تكلفة التمويل متناسبة، يُمكن للتجار والمقترضين بشكل عام استيعابها سواءً كانوا تجاراً أو مؤسسات، خاصة في الجانب العقاري المحلي، (الطلب عليه اليوم ليس بالكبير)، خاصة أن تكلفة التمويل تمثل جزءاً كبيراً من حساب التكلفة الشاملة للمشروعات، وبالتالي كلما ثبتت أسعار الفائدة على المستويات الراهنة المعقولة، كلما كان لدى المطورين العقاريين والمستثمرين خطة مالية أكثر وضوحاً للمستقبل هذا بالنسبة لانعكاسات تثبيت أسعار الفائدة على السوق المحلية، الذي لا يتحمل ارتفاعات كبيرة في أسعار الفائدة.
وعلى المستوى العالمي يرى نائب رئيس مجلس إدارة "مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي" في دبي، أن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن سعر الفائدة، من شأنه جذب مزيد من الاستثمارات للولايات المتحدة وتحريك أسواق المال الأميركية، وهو ما يضعه الفيدرالي في إطار تحفيز الاقتصاد الأميركي.
أسعار الفائدة والكتلة النقدية
يشير آل رحمة إلى أنه عند التعاطي مع أسعار الفائدة فنحن نتحدث عن توزيع الكتلة النقدية في المناطق القادرة على تفعيل حركة الاقتصاد. عند وضع سياسة تسعير الفائدة ينظر إلى الاقتصاد ككل، وإلى أين يجب أن تتجه الكتلة النقدية؟، وبالتالي كلما كانت أسعار الفائدة معقولة كلما اتجهت الكتل النقدية إلى الأماكن التي تحقق عوائد أكبر، وإذا ما حققت أسواق المال هذا العائد فإننا عملياً نكون قد حركنا أسواق المال بشكل أكبر، وأبعدنا تكدس المال من أجل الفائدة كحالة ترتبط بعملية الاستقرار. المستثمر يتجه عادة إلى الملاذات الآمنة إذا شعر بحالة من عدم اليقين أو رأى اضطرابات في الأسواق، وتمثل الإيداعات النقدية أحد تلك الملاذات الآمنة للمستثمر، وبالتالي نحن نريد تحريك الاقتصاد وبالتالي نعمد إلى ألا تكون أسعار الفائدة جاذبة بحيث يعيد المستثمر وأصحاب رأس المال تدوير أموالهم في الأماكن التي توفر لهم عوائد أكبر.
الاحتفاظ بالسندات لتحفيز الاقتصاد
يذكر أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد احتفظ بحوالي 4.5 تريليون دولار من الأصول في عام 2017، معظمها من السندات الحكومية الأميركية والأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية، كجزء من جهوده لتحفيز الاقتصاد والحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة. لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي تراجع حوالي 700 مليار دولار من منتصف عام 2017 حتى منتصف عام 2019. وشعرت البنوك بالقلق من عدم وجود سيولة كافية في النظام، خاصة "الاحتياطيات" النقدية الموجودة في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ومنذ شهر سبتمبر، اشترى بنك الاحتياطي الفيدرالي ما قيمته حوالي 400 مليار دولار من سندات الخزانة قصيرة الأجل لضمان وجود أموال كافية في النظام للحفاظ على معدلات الاقتراض لليلة واحدة للبنوك التي يريدها بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ورغم تطمينات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإنه لا يزال هناك سؤال شامل حول ما سيحدث بعد فصل الربيع. في ظل وعود بتقديم بنك الاحتياطي الفيدرالي لمزيد من التفاصيل قريباً، لكن القرارات النهائية لم تتخذ بعد.