استحوذت الأزمة الليبية على قدرٍ متزايدٍ من الاهتمام خلال القمة الأفريقية، التي انعقدت بمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا تحت شعار (إسكات البنادق: تهيئة الظروف المواتية لتنمية أفريقيا)، إذْ يسعى الاتحاد الأفريقي لإنهاء "دور المُتفرّج" في الأزمة الليبية، والمساهمة في تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا من خلال مقترح إرسال بعثة مشتركة مع الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، وهو ما أثار ردود فعل متباينة من الأطراف الليبية المُتنازعة، التي لم تتفق بعدُ على تحويل الهدنة إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار خلال مباحثاتها في جنيف، وسط تحذيرات من عودة العمليات العسكرية بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق.
استمرار التدخل العسكري رغم الهدنة
وحذّر أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مشاركته بالقمة الأفريقية، من "انحدار ليبيا نحو صراعٍ أعمق وأكثر تدميراً غذّته مشاركة القوى الخارجية".
وأضاف "رغم بصيص الأمل الذي أتاحه (مؤتمر برلين الدّولي) حول ليبيا في الـ19 من يناير (كانون الثاني) الماضي، الذي حضره برفقة رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فكي، فإنَّ تعهد المجتمع الدولي بإنهاء التدخل الأجنبي لم يتحقق على الأرض"، وذلك خلال مشاركته في جِلسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي حول ليبيا ومنطقة الساحل، في الوقت الذي أعربت فيه الولايات المتحدة عن قلقها نتيجة "تقارير موثوقة حول التخطيط لعمليات عسكريّة كبيرة بين الجيش الليبي وحكومة الوفاق".
وعلى الرغم من توصّل الجولة الأولى من مباحثات اللجنة الليبية العسكرية المشتركة في جنيف، إلى "توافق بين الطرفين على أهمية استمرار الهدنة التي بدأت في مطلع العام، وعلى أهمية احترامها وتجنّب خرقها" حسبما أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، فإنَّ الأمين العام للأمم المتحدة أكد "أن الأسلحة ما زالت تتدفق، والعمليات العسكرية عادت مرة أخرى، ما زاد من تعقيد الوضع الإنساني الصعب أصلاً في ليبيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف غوتيريش الانتهاكات المُستمرة للحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى ليبيا بأنها "ليست أقل من فضيحة".
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي عبد الباسط بن هامل، "التدخل العسكريّ التركيّ في ليبيا لا يزال مستمراً من خلال إرسال المقاتلين السوريين إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق، من دون وجود إدانة دولية محددة للدور التركي الذي سعى إلى استغلال الهدنة لقلب التوازنات بدعم حكومة طرابلس عسكرياً بالسلاح والمقاتلين الأجانب، وهو ما يمثل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن حول ليبيا ونتائج مؤتمر برلين".
وأضاف بن هامل، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "موقف الاتحاد الأفريقي الرافض التدخل الخارجي محل تقدير من الجانب الليبي، لكنه بحاجة إلى ترجمة حقيقية تتلاءم مع خطورة الأزمة على أمن واستقرار القارة الأفريقية، خصوصاً منطقة الساحل التي تشهد انتشاراً للجماعات الإرهابية، مثل تنظيمي (بوكو حرام) و(داعش) وغيرهما".
رفض التدخل الخارجي ونقل الإرهابيين
وحذَّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي حول ليبيا ومنطقة الساحل، من تداعيات إرسال المقاتلين الأجانب والإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، على أمن واستقرار دور الجوار الليبي.
وقال السيسي، الذي اُنتخبت بلاده خلال القمة عضواً بمجلس السلم والأمن الأفريقي، "التدخلات الخارجية المعروفة في الشأن الليبي جلبت تهديدات لا يتوقف أثرها عند حدود الدولة الليبية، والاستمرار في إرسال المقاتلين الأجانب والعناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا بالآلاف لن يقتصر تهديده على الأراضي الليبية، وفي الوقت الحاضر فقط، بل سيمتد أثر ذلك خارج حدود ليبيا ليطال أمن دول جوارها، وبشكلٍ خاصٍ ذات الحدود المشتركة المترامية الأطراف مع ليبيا، وذلك في القريب العاجل ما لم يُجرى التصدي لتلك المسألة بكل الوسائل المشروعة انطلاقاً من موقف أفريقي قوي يُجرى تبنيه من خلال مجلس السلم والأمن الأفريقي".
واتفق الرئيس المصري مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، خلال لقاء جمعهما على هامش القمة الأفريقية، على "ضرورة تكثيف التنسيق بين البلدين حول الأزمة الليبية"، بالنظر إلى أن مصر والجزائر دولتا جوار مباشر عبر حدود ممتدة مع ليبيا، ما يؤدي إلى "انعكاسات مباشرة لاستمرار الأزمة الليبية على الأمن القومي للبلدين، مع تأكيد الحرص الكامل على إنهاء الأزمة الليبية عبر التوصل إلى حل سياسي يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار في هذا البلد، ويقوّض التدخلات الخارجية به"، حسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
وقال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلال كلمته بالقمة يوم الأحد، "ليبيا تشهد تصعيداً خطيراً للأزمة الدائرة هناك، بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع العمليات القتالية حول طرابلس، وتعدد مظاهر التدخلات العسكرية الخارجية السافرة والمكشوفة فيها"، مؤكداً "مسؤولية الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي على إخراج البلاد من أزمتها، وتثبيت الهدنة القائمة والوصول إلى ترتيبات دائمة لوقف إطلاق النار ومراقبته، وإيقاف كل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، وتنفيذ المسارات الأمنية والسياسية والاقتصادية المُتفق عليها في عملية برلين، وذلك كله وفق المرجعيات العامة لاتفاق الصخيرات، وفي إطار الدور القيادي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة".
جدل حول مقترح أفريقي لمراقبة الهدنة
ويسعى الاتحاد الأفريقي للاضطلاع بدوّر فعّال في مراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا، حسبما أعلن مفوّض السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي الدبلوماسي الجزائري إسماعيل شرقي، واقترح الاتحاد الأفريقي "إرسال بعثة مراقبين مشتركة مع الأمم المتحدة من أجل الوقوف على احترام وقف إطلاق النار ميدانياً".
وذلك في الوقت الذي اتفق فيه الطرفان المتنازعان في ليبيا خلال مباحثاتهما العسكرية في جنيف على تحويل "الهدنة" إلى "وقف دائم لإطلاق النار"، و"على ضرورة الامتناع عن رهن القرار الوطني ومقدرات البلاد لأي قوة خارجية، وعلى وقف تدفق المقاتلين غير الليبيين وإخراجهم من الأراضي الليبية، واستمرار محاربة المجموعات الإرهابية المُصنفة من قبل الأمم المتحدة (تنظيم القاعدة، داعش، أنصار الشريعة)".
ومِن جانبه، قال رمزي الرميح المُستشار السابق بالجيش الليبي، في تصريح خاص، "القيادة العامة للجيش الوطني الليبي لا تقبل مجدداً تدخل قوات دوليّة في ليبيا سواء أكانت قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام (القبعات الزرقاء) أو قوات أفريقية"، موضحاً "الجيش أعلن رغم قبوله الهدنة أنه لا إيقاف للحرب مع الجماعات الإرهابية المُصنفة عالمياً، وبخصوص سحب سلاح الميليشيات يقبل الجيش بقيام لجنة أممية مع القوات المسلحة الليبية بآلية حل الميليشيات وتجميع السلاح والذخيرة".
وأضاف، "لكنْ، الجيش لن يسمح بأي قوات تأتي على الأرض، والمطلوب مراقبة التحرّك التركي بإرسال السلاح إلى ليبيا، والجيش ملتزمٌ بوقف إطلاق النار منذ اللحظة الأولى للهدنة من طرفٍ واحدٍ، وأكد ذلك مجدداً في (مؤتمر برلين)، والعالم كله يتحدّث الآن عن أنّ الطرف الآخر انتهك اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن في برلين، من أجل حشد الدعم العسكري من الجانب التركي، واستقبال آلاف المقاتلين السوريين، ولا توجد دولة تسمح بقوات أجنبية لمراقبة وقف إطلاق النار مع الإرهابيين".
وقلل بن هامل، من أهمية الدور الذي يمكن أن يطلع به الاتحاد الأفريقي في مراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا، معتبراً "أن ذلك يرجع إلى ضعف الاتحاد الأفريقي النابع من ضعف دوله الأعضاء مقارنة بالقوى الكبرى المُنخرطة في الأزمة، ما يقلل من قدرته على كبح جماح التدخلات الخارجية، في مواجهة النفوذ الكبير للدول الغربية في ليبيا والتدخلات الإقليمية وعلى رأسها تركيا"، معتبراً أن اقتراح "إرسال بعثة عسكرية أفريقية لمراقبة وقف إطلاق النار غير واقعي".
وقال السفير علي الحفني، نائب وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، في تصريح خاص، "الاتحاد الأفريقي سعى لتعزيز دوره في تسوية الأزمة منذ تشكيل المجموعة الرباعية حول ليبيا، التي تضم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي في العام 2017، كما عقد قمة تشاورية مهمة للشركاء الإقليميين لليبيا العام الماضي في ظل الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، لكن المجتمع الدولي توافق حالياً على رعاية الأمم المتحدة مسار السلام في ليبيا، خصوصاً بعد مؤتمر برلين".