يبدو أنّ الخناق أخذ يضيق أخيراً على شركات التكنولوجيا الكبيرة، وإن ببطء شديد. إذ مثلت "غوغل" أمام المحكمة يوم الأربعاء الماضي في محاولة للطعن بأوّل غرامة من أصل ثلاثة فرضها عليها الاتحاد الأوروبي تصل قيمتها الإجمالية إلى 8.25 مليار يورو (6.92 مليار جنيه استرليني) على خلفية إساءة استخدام موقعها المسيطر بصفتها أهمّ بوابة ومنظّم للمعلومات على الإنترنت.
وفي هذه الأثناء، أصدرت هيئات تنظيم المنافسة في الولايات المتحدة أمراً إلى "غوغل" و"مايكروسوفت" و"آمازون" و"آبل" و"فيسبوك"، بتسليم تفاصيل استحواذها على مئات الشركات الأصغر حجماً خلال العقد الأخير.
وتتحرّى "لجنة التجارة الفدرالية" مسألة شراء شركات التكنولوجيا الكبيرة الشركات الصغيرة كي تقضي على المنافسة قبل أن تشكّل خطراً عليها. وتكثر الأمثلة على حصول هذا الأمر بالتحديد، لكن السؤال يكمن في اكتشاف إن كانت الشركات الكبيرة تخرق قانون مكافحة الإحتكار أم لا.
وفي هذا الأسبوع أيضاً، أعلنت الحكومة البريطانية عن إعطائها صلاحيات جديدة إلى [هيئة تنظيم الاتصالات] "أوفكوم" كي تتّخذ إجراءات صارمة بحقّ شركات التواصل الإجتماعي التي لا تحمي مستخدميها من المحتوى المضر.
وستصبح هيئة تنظيم الاتصالات أول رقيب فعلي على الإنترنت في بريطانيا، لكن هذه الخطوة تبدو متأخرة جداً.
وفي خطوة متأخرة كذلك، تواجه "غوغل" أخيراً مسألة انتهاكها القواعد في أوروبا. إذ تستمع المحاكم الأوروبية حالياً إلى تفاصيل قضية تشكّل حالياً آخر جولة ضمن معركة بدأت منذ عقد من الزمن مع هيئة تنظيم المنافسة في أوروبا. ويدور النزاع حول إعطاء عملاق التكنولوجيا الأولوية [في ظهور نتائج عمليات البحث عن المعلومات التي يجريها الجمهور] للنتائج الصادرة عن خدمة مقارنة خيارات التسوّق الخاصة به ["غوغل"] وتفضيلها [في ترتيب ظهور النتائج] على خدمات الشركات الأخرى.
وكذلك كُشف أنّ شركة "غوغل" خرقت قواعد المنافسة عبر نظامها التشغيلي ["آندوريد"] المخصص للأجهزة التي تعمل بذلك النظام، وسوق الإعلانات على الإنترنت أيضاً.
وفي المقابل، تزعم "غوغل" إن الغرامة التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها "مخطئة من جهة القانون والوقائع والإقتصاد". سوف نرى.
وتنتظر "غوغل" وغيرها من عمالقة التكنولوجيا مآل عشرات القضايا الاخرى التي ترتبط بسلسلة من المواضيع التي تشكّل إشارة إلى التضييق على الشركات التكنولوجية الكبيرة.
ومن ناحية، إن هذا الإجراء مرحّب به، لكنه يعكس من ناحية اخرى مدى اضطراب المشرّعين حول العالم إزاء التغييرات الهائلة، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، التي رافقت صعود العالم الرقمي.
منذ ذاك الزمن الذي صارت فيه أجهزة المودم المعتمدة على الخطوط الهاتفية شائعةً في منازلنا، وُلد جيل كامل وتعلّم وبدأ مسيرته المهنية وأنجب الجيل اللاحق له. ومع ذلك، ما زالت كثير من المعارك المتعلّقة بتشكُّل العالم الرقمي تُخاض باستخدام قوانين صُممت لحقبة التكنولوجيا التناظرية [التقليدية].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ إنشائها في 1998، نمت "غوغل" وتطوّرت لتصبح إحدى أكبر شركات العالم. ويعود ذلك جزئياً إلى منتجاتها الرائعة وكذلك استغلالها مجموعة من القواعد التي تحمل هوامش كبيرة تسمح بالاستغلال.
وحالياً، يسمح القانون لشركات التكنولوجيا أن تستحوذ على كميات طائلة من بيانات مستخدميها الشخصية، وتحوّل أرباحاً بمليارات الجنيهات إلى جزيرة "برمودا" وتنشر مواداً متطرفة وتستفيد من انتشار الأنباء الكاذبة، بما في ذلك الإعلانات السياسية التي تتضمن كذباً مفضوحاً.
ويتقدّم العمل بخطى ثابتة نحو فرض ضرائب أكثر عدلاً على الشركات الرقمية، وتُتّخذ إجراءات أولية بهدف ضبط الإعلانات الرقمية لكن يجب تسريع وتيرة العمل وقوّته.
ويدعم ناخبون تابعون للأطياف السياسية كلها، فرض مزيد من السيطرة على الشركات الرقمية المهيمنة. في المقابل، مع تفاقم مشاكل عمالقة التكنولوجيا، تتكاثر أعداد جماعات الضغط وخبراء تلفيق الدعاية الذين يعملون على التصدي لهذه المشاكل.
يترأّس زعيم الديمقراطيين الليبراليين السابق نيك كليغ حالياً فرقة قوامها 700 شخص على الأقل ضمن فريق العلاقات العامة التابع لـ"فيسبوك"، ما يمثّل فريقاً كبيراً جداً بالنسبة إلى الشركات، كما يشكّل جزءاً لا بأس به من القوى العاملة في "فيسبوك" التي تبلغ 45 ألف موظف.
العام الماضي، زادت فيسبوك وآبل وأمازون حجم إنفاقها على جهود الضغط للتأثير على الأجندة السياسية سيئة السمعة في واشنطن والمعروفة بأنها تسير على هوى المال. وتراجع حجم إنفاق غوغل بعد دفع الشركة فاتورة قياسية في العام 2018.
يجب أن يتّخذ السياسيون والهيئات [المُنَظِّمَة للاتصالات] في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، موقفاً حاسماً في مواجهة هذا الجدار من المال ويطبقوا التغيير الذي يدعو الناخبون له، وألا يقتصر ذلك الأمر على جماعات الضغط.
© The Independent