تعرّض المرشّح "الديمقراطي" لانتخابات الرئاسة الأميركية، بيرني ساندرز، بعد انتصاره في الانتخابات التمهيدية لحزبه في نيو هامبشير هذا الأسبوع، لهجوم من جانب أحد أقطاب قطاع المال في الولايات المتّحدة، أو بالأحرى تعرّض لانتقاد من الرئيس السابق لـ "الاخطبوط مصّاص الدماء" في "وول ستريت" (هذا الوصف كانت قد أطلقته مجلة "رولينغ ستون" على مصرف "غولدمان ساكس").
وغرّد لويد بلانكفاين أحد المنتسبين إلى الحزب "الديمقراطي" قائلاً إن "ساندرز كما ترمب استقطابي للغاية وسيدمّر اقتصادنا". أما ساندرز فبدا هادئاً حين قال ساخراً لشبكة سي أن أن الأميركية " ملياردير تنفيذي واحد في وول ستريت لا يحبّني. فاجأني الامر فعلاً ".
لكن هل بلانكفاين هو على حق؟ هل يدمّر سيناتور فيرمونت الاقتصاد الأميركي إذا وصل إلى البيت الأبيض؟
ما هي السياسات الاقتصادية لبيرني ساندرز؟
يدرج موقعه الإلكتروني مجموعةً من الأهداف مثل الرعاية الصحّية المجانية لجميع الأميركيّين، وضمان الوظائف، وإلغاء ديون الطلاب، وفرض ضريبة الثروة على 0.1 في المئة من الأكثر ثراء، والقيام باستثمار كبير في قطاع الإسكان العام والطاقة المستدامة.
ألا تُعدّ الضرائب على الثروة والرعاية الصحّية المجّانية وضمان الوظائف تجسيداً للاشتراكية؟
يعبّر بيرني ساندرز في الواقع عن سعادته الكبيرة حين يصف نفسه بأنه اشتراكي. لكن في وقتٍ يُنظر إلى سياسات مثل الرعاية الصحية الشاملة المجّانية في الولايات المتّحدة على أنها متطرّفة، فهي تّعدُ شأناً عادياً تماماً في أوروبا.
كما أن الضريبة الأعلى والإنفاق اللذين يقترحهما ساندرز لن يكونا في غير محلهما على الضفة الاخرى من المحيط الأطلسي. ويقول الاقتصادي بول كروغمان إن ساندرز يوصف بأنه ديموقراطي اجتماعي على النمط الأوروبي أكثر منه اشتراكيا. فهو لا يقترح أقلّه تأميم الصناعات الخاصّة في بلاده.
إذن هل يؤدّي نهجه إلى تدمير الاقتصاد الأميركي؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من خلال مراجعة السياسات المماثلة التي لم تدمّر اقتصادات أوروبا، من الصعب أن نرى سبباً لتوقّع ذلك، لماذا يلجأون من النظرة الأولى إلى محاولة إثبات أنها ستكون مدمّرة للغاية في الولايات المتّحدة؟
الاقتصادي الفرنسي، توماس بيكيتي، يرى أن سياسات ساندرز "قد تكون مفيدةً للاقتصاد الأميركي من طريق رفعها معدّل النمو في البلاد"، ويعتبر أن "سياسات توزيع الثروة التي يقترحها تستفيد من تقاليد قديمة ساهمت في صنع السياسة الأميركية". ويدعو في هذا الإطار إلى "تذكّر أن الولايات المتّحدة هي في الواقع الدولة التي اخترعت فرض ضرائب تصاعدية على الدخل والثروة في القرن العشرين".
وفي المقابل وصف آخرون بيرني ساندرز بأنه "مؤيد للنيوديل"، في إشارة إلى السياسات الاقتصادية التقدّمية التي كان قد وضعها الرئيس "الديمقراطي" السابق فرانكلين روزفلت على أثر أزمة "الكساد الكبير" التي أصابت الولايات المتّحدة في مرحلة الثلاثينيّات.
لكن لماذا يصف الناس ساندرز بأنه مصدر خطر؟
قد يبادر المتهكّم إلى القول إن السبب هو عدم رغبته شخصياً في دفع مزيد من الضرائب. لكن قد يكون وراءها أيضاً خشية حقيقية من احتمال أن تلحق سياسات ساندرز، حتى لو لم تخرج عن إرث الاتجاه الأوروبي السائد، ضرراً إذا ما اعتُمدت في السياق الأميركي.
أو ربما يفترضون أن ساندرز إذا فاز بالسلطة، قد يتّبع سياساتٍ تتجاوز بكثير تلك التي اقترحها حتى الآن، بحيث قد يثبت هذا اللاعب السياسي البالغ من العمر 78 عاماً أنه أكثر راديكاليةً عندما يكون في المنصب، ربما مثلما كان هيوغو تشافيز في فنزويلا.
لكن في موازاة ذلك، تشير الحقيقة الدستورية في الولايات المتّحدة إلى أن رؤساء البلاد هم عادةً مقيّدون بالكونغرس في ما يتعلق بالسياسات التي يمكنهم اعتمادها. وقد يكون ساندرز مؤيّدًا نسبياً لإعادة توزيع جذرية للثروات، لكن ذلك لا ينطبق على النهج الأوسع لحزبه "الديمقراطي".
حتى بعض منافسي ساندرز على ترشيح الحزب "الديمقراطي" مثل بيت بوتيجيج، ينتقدون سياساته ولا سيما منها اقتراحه أن يكون الحدّ الأدنى للأجور على المستوى الفيدرالي 15 دولاراً.
لهذا السبب يعتقد كثيرٌ من المحلّلين، حتى أولئك الذين يدعمون مبدأ "الرعاية الصحّية للجميع"، أن احتمالات تحقيقه ذلك بالفعل ضئيلة، حتى لو بلغ ساندرز سدة القرار.
وفيما يدقّ بعض المموّلين ناقوس الخطر، فإن البعض الآخر يبدو أكثر تطرّفاً. فقد أبلغ بنكٌ آخر في "وول ستريت" هو "جي بي مورغان" عملاءه أخيراً أنه حتى لو انتُخب ساندرز رئيساً "فنحن نرى أن احتمالات حدوث تغييرات كبيرة مثل "الرعاية الصحّية للجميع" أو فرض ضريبة على الثروة، أدنى من 5 في المئة".
ويثير كلّ ما تقدّم التساؤل: أي مخاطرة هي أقلّ وقعاً على الولايات المتّحدة، أن يدمّر ساندرز الاقتصاد الأميركي أو أن يخيّب آمال مؤيديه؟
© The Independent