باتت يوميات تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) كأنها أيام حرب قاسية يتحدث عنها من يعيشها الآن بصورة استثنائية من المتظاهرين، يوميات يوثقها المتظاهرون كتجارب إنسانية يصعب التعبير عنها.
قوة مفرطة جوبه بها المتظاهرون من قبل القوات الأمنية والميليشيات، متمثلة باستخدام الرصاص الحي والقنابل المسلية للدموع واختطاف الناشطين وقتل الصحافيين والتهديد المباشر لمن يدعم التظاهرات لوجستياً لإجبارهم على ترك الساحات، وتسمم بالأكل، وآخرها استخدام قنابل الصيد، كلها مشاهد أصبحت مألوفة لهذا الحراك الشعبي.
لا يكتمل تسجيل يوميات الحراك الشعبي من دون تدوين تجارب الاختطاف للمتظاهرين، تجارب تبدو أنها صماء من شدة قسوتها. ولا يمكن التمييز بين حالات الاختطاف والاعتقال التي يتعرض لها المتظاهرون، ففي الغالب تكون الجهات مجهولة وحالات الاعتقال تتم من دون أوامر قضائية ما يصعّب على ذوي المختطفين معرفة مصير أبنائهم وأماكن احتجازهم. وأشارت إحصاءات تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن عدد المختطفين منذ اليوم الأول من أكتوبر 2019 بلغ 79 بينهم أربع فتيات، وأطلق سراح 22 منهم بينهم فتاة واحدة، أما أعداد المعتقلين فهو 2800 أطلق سراح معظمهم باستثناء 38.
أرواح خلف قضبان مجهولة
ويسرد المختطفون الذين تم إطلاقهم قصصاً مؤلمة وظروفاً صعبة لأيام قضوها خلف القضبان، ويكفي أن تتصفح هاشتاغ "المتظاهرون_تحت_التعذيب"، لينقلنا إلى قصص يصعب تصديقها للتعذيب الذي تعرضوا له، الكثيرون منهم اكتفوا بالصمت لعدم قدرتهم على استرجاع أيام الاختطاف، والخوف من تهديد الجهات المختطفة لهم في حال البوح بأي معلومات.
وحاول المدونون جمع تفاصيل مَن أفصح عن تجربته، طريق التعذيب يسردها بمرارة من عاش تفاصيلها، وتتمثل بالصعق بالكهرباء والتعليق بالسقف والاعتداء الجنسي والتهديد بقتل الأهل والإجبار على التوقيع على أوراق فارغة.
صور المختطف إبراهيم حسين تصل لذويه، وهو مضرج بالدماء
أسلوب جديد اتبعته الميليشيات لترهيب الناشطين وأهاليهم، يتمثل بإرسال صور لأبنائهم وعليها آثار تعذيب، وهذا ما حدث مع الناشط والمسعف إبراهيم حسين شقيق الممثلة آلاء حسين، الذي اختطف بداية هذا الأسبوع للمرة الثانية، وتلقت عائلته، قبل أن يتم الإعلان عن إطلاق سراحه في 20 فبراير (شباط) صوراً له وهو مضرّج بالدماء. وكان إبراهيم حسين قد تعرض للاختطاف سابقاً وتم إطلاق سراحه ليعود إلى ساحة التحرير ومن ثم اختطف مجدداً.
حسين ليس الوحيد الذي تعرض للخطف مرتين من قبل جهات مجهولة، فالناشط أحمد حمادي والملقب (بمهاوي) كان قد اختطف وتعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه، لتعود الجهات المجهولة لخطفة مجدداً هذا الأسبوع أيضاً، ولم يعرف مصيره الى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يبدو أن حملة الاختطاف هذا الأسبوع كانت الأوسع، ونشر المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب خبر اختطاف الناشط أحمد الوشاح من أحد المطاعم في منطقة الجادرية، وكان الوشاح قد نشر قبل اختطافه عبر صفحته في فيسبوك رأياً أكد فيه رفض المتظاهرين منح المكلف بتشكيل الحكومة محمد علاوي مهلة لتقديم حكومته، كما انتقد غلق الطرقات المؤدية لساحة التحرير. وفي كربلاء، تم أيضاً اعتقال الناشط المدني جعفر النصراوي من قبل القوات الحكومية.
ويوضح المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب لـ "اندبندنت عربية"، أن الجهات التي تقوم بعملية الخطف معروفة، ولكن أماكن المعتقلات غير معلومة، وإن كانت هناك تسريبات، فالميليشيات وبعض منتسبي الأجهزة غالباً ما تكون لديهم رغبة في الحصول على مبلغ مالي كبير، فيقومون بالاتصال بأهالي الضحايا للحصول على مبلغ من المال لقاء إخبارهم ببعض المعلومات. فالهدف مشترك بينهما وهو ابتزاز أهالي الضحايا، وثانياً ترهيب المتظاهرين سواء كانوا مواطنين عاديين أو ناشطين من أجل إخماد التظاهرات.
توثيق حالات الخطف وسيلة لمعاقبة الجناة
ويشير المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب أن الغرض من توثيق حالات الاختطاف والاعتقال التعسفي والقتل خارج القانون هو من أجل متابعة الجناة وتقديمهم إلى المحاكم المحلية والدولية.
ويوضح عمر الفرحان مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب أن ملف الاختفاء القسري من الملفات الحساسة في القانون الدولي، لذلك يسعى المركز إلى توثيق هذه الحالات بعد التواصل المباشر مع ذوي الضحايا وتقديم شكوى عاجلة إلى لجنة الاختفاء القسري في الأمم المتحدة لمعرفة مصيرهم، ومن خلال هذه اللجنة الأممية يتم الضغط على الحكومة لإطلاق سراح المختطفين. الفرحان بيّن لـ "اندبندنت عربية" صعوبة التعرف في بعض الأحيان إلى مصير المعتقلين والمخطوفين بسبب إنكار الحكومة وجود المختطفين لديها، وفي بعض الحالات، تتم تصفيتهم أو تمتنع الميليشيات عن إطلاق سراحهم.
الفرحان أقر أيضاً بصعوبة محاكمة المتورطين بقتل واختطاف المتظاهرين محلياً، وذلك لأن "المنظومة القانونية هي منظومة حزبية تتبع تعليمات الأحزاب، بالتالي لا يمكن تنفيذ القانون بشكل صحيح". أما دولياً، فأشار الفرحان إلى أن هناك عقبات سياسية دولية تحول دون فتح هذه الملفات أمام المحاكم الجنائية الدولية، ولكنه أكد أن المركز وثق العشرات بل المئات من حالات الاختفاء القسري، وبالإمكان تقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الخاصة عندما تتهيأ الظروف.
أسلحة الصيد قوة جديدة لقمع المتظاهرين
أسلوب جديد استخدمته قوات مكافحة الشغب ضد المتظاهرين، وهو استخدم أسلحة الصيد ضد المتظاهرين، وهذه الأسلحة المخصصة لقتل الطيور والحيوانات، والتي تعرف بالعامية (الكسرية)، تحتوي على شظايا من الممكن أن تصيب أكثر من شخص في وقت واحد. ويوضح عزت رياض، مسؤول شعبة الإعلام فرع بغداد في جمعية الهلال الأحمر العراقية، أن المفرزة الطبية التي يعمل فيها تلقت حالات لمصابين بسبب استخدام أسلحة الصيد.
وأشار رياض إلى مقتل شخص بسبب أسلحة الصيد بعد تعرضه إلى (60 قطعة) من المقذوفات الهوائية في جسمه والمعروفة بالعامية (بالصجم)، وأوضح أن هذا السلاح هو أخطر من الرصاص الحي، كونه يعرض الجسم لأكثر من إصابة في وقت واحد. وأفاد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب في بيان بأن استخدام هذه الأسلحة يتعارض مع قرار مجلس النواب رقم (5) لعام 2014 عندما انضم العراق إلى اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر.
استخدام هذه الأسلحة إبادة جماعية
وأوضح القانوني علي التميمي لـ "اندبندنت عربية"، أن استخدام هذه الأسلحة يمثل إبادة جماعية ويتعارض مع بنود العهد الدولي وميثاق حقوق الإنسان الذي وقع عليه العراق، التميمي أشار إلى أن حكومة تصريف الأعمال المتمثلة بعادل عبد المهدي تقع عليها المسؤولية لحماية المتظاهرين، وعليه فإن هذه الحكومة ستواجه قضايا جنائية في القانون العراقي والدولي لقتل المتظاهرين بسبب العنف المفرط، علماً أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وفق المادة 28 من قانون المحكمة الجنائية الدولية.
مشهد اليوم في ساحة التحرير كان لتظاهرة تطالب بإطلاق سراح المختطف أحمد الوشاح، وجالت التظاهرة أرجاء ساحة التحرير.