جاء إعلان السعودية عن تطوير حقل "الجافورة" ضمن النجاحات التي ستعزز مكانتها في نادي كبار منتجي الغاز عالمياً، ليضاف إلى مركزها كأهم منتج للنفط. متزامناً مع قفزات متتالية لبناء اقتصاد يعتمد على مصادر تنموية أكثر استدامة وتنويع مصادر الطاقة، الأمر الذي يعزز من قوتها الاقتصادية ضمن أكبر 20 اقتصاداً عالمياً.
وفي هذا السياق، كشفت اللجنة العليا للمواد الهيدروكربونية، الجمعة، عن خطط تطوير حقل الجافورة (أضخم حقل للغاز غير التقليدي يتم اكتشافه في السعودية) ويقع في المنطقة الشرقية بطول 170 كيلومتراً وعرض 100 كيلو متر، ويُقدَّر حجم موارد الغاز في مكمنه بنحو 200 تريليون قدم مكعب من الغاز الرطب الذي يحتوي على سوائل الغاز في الصناعات البتروكيماوية والمكثفات ذات القيمة العالية.
وتعتزم السعودية، حسب الخطط المعلنة، استغلال احتياطاتها من الغاز الصخري، وتوسيع إنتاجها الذي يتجاوز 10 مليارات قدم مكعب من الغاز يومياً، حيث إن البلاد تمتلك سادس أكبر احتياطي عالمي من الغاز يقدر بنحو 324.4 تريليون قدم مكعب، وتنتج نحو 13 مليار قدم يومياً، كما تهدف إلى تصدير ما يصل إلى 3 مليارات قدم مكعب من الغاز يومياً بحلول عام 2030 كجزء من استراتيجيتها لتعزيز البصمة الدولية لأعمالها في مجال الغاز الطبيعي.
وتأتي تلك الخطوة الاستراتيجية بعد أن اتخذت صناعة الغاز السعودية بنوعيها التقليدي وغير التقليدي منحنى تطورياً متسارعاً في مسار صاعد من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير المباشر والاستثمار في مصادره الخارجية بشراكات عالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أرامكو تحصل على موافقة لتطوير "جافورة"
من جانبها، أعلنت أرامكو السعودية، عن حصولها على الموافقة على تطوير حقل الجافورة العملاق في المنطقة الشرقية وسيتم تطوير الحقل وفقاً لمنظومة حَوكمة الشركة.
وقالت الشركة، في بيان السبت، أن إنتاج الحقل سيبدأ مطلع عام 2024، وستؤدي مراحل التطوير إلى تزايد إنتاج الحقل من الغاز تدريجياُ ليصل إلى نحو 2.2 مليار قدم مكعب قياسية يومياً من غاز البيع عام 2036.
وأضافت أرامكو، أنه نظراً لخصائص الحقل فإنه سيكون قادراً على إنتاج نحو 425 مليون قدم مكعب قياسية من غاز الإيثان يومياً، تمثّل نحو 40 في المئة من الإنتاج الحالي، كما سينتج الحقل نحو 550 ألف برميل يومياً من سوائل الغاز والمكثفات اللازمة للصناعات البتروكيماويات.
وأوضحت عملاق النفط السعودي أنه سيتم تطوير حقل الجافورة وفقاً لأعلى المعايير البيئية التي تلتزم بها، متوقعة أن يكون لتطوير الحقل أثرٌ ماليّ إيجابي على المدى الطويل، بحيث يبدأ هذا الأثر المالي في الظهور عبر النتائج المالية للشركة على مراحل متزامنة مع الأعمال المتعلقة بتطوير الحقل.
استثمارات مليارية تزيد الإنتاج تدريجياً
وعلى ذات الصعيد، أشاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رئيس اللجنة العُليا للمواد الهيدروكربونية على جهود الشركة الوطنية "أرامكو السعودية" في تطوير الحقل، حيث يصل حجم الاستثمارات إلى 110 مليارات دولار (412 مليار ريال) ستؤدي مراحل تطويره إلى تزايد إنتاج الحقل من الغاز تدريجياً، ليصل في حال اكتمال تطويره إلى 2.2 تريليون قدم مكعب عام 2036، تمثل نحو 25 في المئة من الإنتاج الحالي.
وقال ولي العهد، "إنه بسبب خاصية الحقل سيكون قادراً على إنتاج نحو 130 ألف برميل يومياً من الإيثان تمثل نحو 40 في المئة من الإنتاج الحالي، ونحو 500 ألف برميل يومياً من سوائل الغاز والمكثفات اللازمة للصناعات البتروكيماوية تمثل نحو 34 في المئة من الإنتاج الحالي".
ووجه بأن تكون أولوية تخصيص إنتاج الحقل من الغاز وسوائله للقطاعات المحلية في الصناعة والكهرباء وتحلية المياه والتعدين وغيرها لمواكبة معدلات النمو الطموحة وفق رؤية 2030.
وقال، إن تطوير الحقل سيحقق طوال 22 عاماً من بداية تطويره دخلاً صافياً للحكومة بنحو 8.6 مليار دولار سنوياً (32 مليار ريال) ويرفد الناتج المحلي الإجمالي بما يقدر بـ20 مليار دولار (75 مليار ريال) سنوياً، ويؤدي إلى توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للمواطنين في تلك القطاعات وغيرها. وسيجعل السعودية أحد أهم منتجي الغاز في العالم، ليضاف إلى مركزها كأهم منتج للبترول.
ولفت إلى أن تطوير الحقل سيؤدي إلى إضافة برامجها في تطوير الطاقات المتجددة إلى تحقيق المزيج الأفضل لاستهلاك أنواع الطاقة محلياً، ويدعم من سجلها في حماية البيئة واستدامتها، مؤكداً على استمرار جهود التنمية والتنويع الاقتصادي واستغلال الميزات النسبية في السعودية وتعزيز مكانتها الرائدة في سوق الطاقة العالمية.
دعم مكانة السعودية بقطاع الطاقة عالمياً
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة "أرامكو" ياسر الرميان، إن تطوير حقل الجافورة سيدعم المكانة الرائدة للسعودية في قطاع الطاقة العالمي، ويُسهم في تحقيق هدف الشركة في أن تكون أكبر شركة طاقة وكيماويات متكاملة على المستوى الدولي. فيما يرى الرئيس التنفيذي لأرامكو أمين الناصر، أن تطوير حقل الجافورة سيعزز تنوع موارد الشركة ويدعم التنوع الاقتصادي للبلاد.
تغطية الاحتياجات المحلية
وفي هذا الصدد، قال المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي محمد الصبان، إن هذا الحقل سيغطي جزءاً كبيراً من الاحتياجات المحلية، في إطار خطة 2030 التي سيمثل الاعتماد على الغاز 70 في المئة من احتياجات توليد الكهرباء من الطاقة، وهناك احتياجات كبيرة بقطاع البتروكيماويات وبالتالي ستكون الأولوية للاستهلاك المحلي وأي فائض سيتم تصديره.
وأضاف، "أن حقل الجافورة اكتشاف عظيم يقع جنوب شرقي حقل الغوار (أكبر حقل للنفط في العالم) وتقدر احتياطيات الغاز فيه بـ200 تريليون قدم مكعب، وبطبيعة الحال تطوير هذا الاكتشاف يحتاج لاستثمارات لا تقل عن 110 مليارات دولار، ولكن باكتمال الطاقة الإنتاجية سيصل الإنتاج إلى 2.2 تريليون قدم مكعب بحلول 2036".
وحول مساهمة الحقل المتوقع بالناتج المحلي السعودي، قال الصبان، إن الحقل سيسهم بنحو 20 مليار دولار سنوياً لإجمالي الناتج المحلي، بجانب فرص العمل المباشرة وغير المباشرة وتسريع عمليات الوصول للاكتفاء الذاتي من الغاز والاتجاه للتصدير.
وأشار إلى أن اتجاه السعودية نحو تنويع الاقتصاد بعيداً عن إيرادات صادرات النفط الخام في إطار رؤية 2030، لذلك تمثل إيرادات الغاز جزءاً مهماً من التنويع المطلوب، يأتي في إطار التكامل الأفقي الذي بدأ منذ فترة، الذي يستهدف الاعتماد على الغاز في توليد الكهرباء وتحلية المياه بجانب مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 70 في المئة.
وتابع المستشار الاقتصادي، "المستقبل واعد لهذا الحقل على الصعيدين المحلي والخارجي لأنه إذ فاض الإنتاج عن الاستهلاك سيتم تصديره للخارج وأغلب الغاز المكتشف إما غاز رطب أو سوائل الغاز وهذا يسهل من مهمة نقله بالشاحنات الخاصة بالغاز إلى مختلف الأسواق".
وأوضح أن هذا الاكتشاف يضاف إلى اكتشافات الغاز بحقول (ظبا، مدين، الغاز الصخري شمالي السعودية)، كما يمثل بشائر واعدة تحقق الاستقرار والاستدامة المالية في إطار خطط التنويع الاقتصادي المطلوبة.
الخيار الأفضل
من جانبه، قال جون لوكا، مدير التطوير بشركة "ثانك ماركتس" الإنجليزية في الشرق الأوسط، إن تحول السعودية لتصدير الغاز سيجعلها الخيار الأفضل لعدد من الدول المستهلكة حول العالم أبرزها الدول النامية بقارة آسيا وأفريقيا نظراً للموقع الجغرافي الذي يربط قارات على نحو فريد.
وأشار لوكا إلى تميز السعودية في الصناعات النفطية والبتروكيماوية يعزز مكانتها لتصبح أبرز لاعبين بسوق الغاز العالمية، والتركيز على الغاز يعكس الاستجابة لواقع التحولات بأسواق الطاقة والمتغيرات التي طرأت بالوقت الراهن.
ويرى أن تعظيم دور الغاز الطبيعي في اقتصاد السعودية يعزز الجهود في تحقيق المزيج الأمثل من استهلاك الطاقة، ويدعم النضج المطلوب للاقتصادات المستقبل، من ناحية أخرى ينعكس إيجاباً على القيمة السوقية لشركة أرامكو بأسواق الأسهم ويرفع الثقة بها.
لاعب مهم بسوق الغاز
وعبر استهدافها إنشاء محفظة عالمية لتصبح لاعباً مهماً وأساسياً بقطاع الغاز الدولي، تمضي السعودية قدما لتحقيق شراكات استراتيجية تمكننا من تلبية الطلب العالمي المتزايد على الغاز الطبيعي.
وتعمل أرامكو على تطوير احتياطيات الغاز التقليدية وغير التقليدية، وتشمل خيارات التصدير الصادرات عبر خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال.
ومن المتوقع أن يجذب برنامج تطوير الغاز في أرامكو السعودية إلى ما يصل إلى 150 مليار دولار (562.5 مليار ريال) من الاستثمارات خلال العقد المقبل. كما يتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي إلى 23 مليار قدم مكعب قياسية يومياً من 14 مليار قدم مكعب يومياً.
وقدر تقرير لوحدة الطاقة في منصة ستاندرد أند بورز غلوبال "بلاتس" أن السعودية تستهدف إنتاج نحو 70 في المئة من الطاقة الكهربائية من الغاز ومصادر الطاقة النظيفة وخفض استخدام النفط في إنتاج الكهرباء إلى 30 في المئة فقط. ويعد ذلك جزءاً من رؤية 2030 لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط.
يشار أيضاً إلى مشروع أرامكو في الإنتاج البحري بالخليج العربي، إذ بدأت الشركة برنامجاً لتطوير حقل مرجان، أكبر منصة بحرية سعودية لاستخراج النفط والغاز في 2017 بتكلفة نحو 15 مليار دولار على مدى عدة سنوات. واستهدف المشروع رفع إنتاج الحقل النفطي من 300 ألف برميل يومياً إلى أكثر من نصف مليون برميل يومياً ورفع إنتاج سوائل الغاز إلى معدل 360 ألف برميل يومياً.
وتضمن البرنامج أيضاً إنشاء مصنع للغاز لفصل الزيت الخام عن سوائل الغاز التي تحتوي الإيثان وغيره من المكونات الغازية وفصل المكونات الغازية الخفيفة والثقيلة، مع إشراك القطاع الخاص المحلي في برنامج التطوير بنسبة النصف تقريباً.
وفي مايو (أيار) الماضي وقعت شركة أرامكو السعودية، أكبر الشركات النفطية في العالم، على اتفاق مبدئي ضخم لشراء 5 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً من ميناء آرثر في ولاية تكساس الأميركية، الذي يجري تطويره.