لا يزال تفشي فيروس كورونا المستجد ينهك الاقتصاد العالمي ويلقي بظلاله السلبية على توقعات النمو الاقتصادي مع خروجه عن السيطرة وتحوله لجائحة عالمية، وأصبح التأثير الاقتصادي واضحاً بالفعل في البلدان الأشد تأثراً بتفشي الفيروس.
واشتعلت حمى خفض أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية حول العالم، لينفّذ بعضها خفضاً أكثر من مرة خلال مدد قصيرة، بعضها لم يتجاوز أسبوعين، بالإضافة إلى تدابير غير مسبوقة وحوافز مالية بمئات المليارات.
وفي ظل أجواء غير مستقرة عن حجم ومدى التأثير الاقتصادي لتفشي فيروس كورونا، تزداد ضبابية المشهد على مستقبل الاقتصاد العالمي الذي انزلق إلى مستنقع الركود، مع استمرار التحذيرات من المؤسسات الدولية وشركات الاستشارات التي ترفع من حدة تحذيراتها مع كل إصابة أو حالة وفاة جديدة بالفيروس القاتل.
مخاوف من تهاوي معدلات النمو
في هذا الصدد، يتوقع الاتحاد الأوروبي ركوداً لم يحدّد حجمه بعد خلال العام الحالي، بينما يبلغ التأثير العالمي لأزمة فيروس كورونا المستجد على النمو الأوروبي من 2 إلى 2.5 في المئة، بحسب تصريحات سابقة للمفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون.
وقال بريتون "قبل الأزمة، كنا نتوقع نمواً بنحو 1.4 في المئة في القارة بأكملها، نعتقد أن تأثيره على النمو لدينا سيكون 2 و2.5 في المئة".
واعتبر المفوض الأوروبي أن الدول الأوروبية يمكنها "بالطبع" أن تحرر نفسها مؤقتاً من التزام قواعد ميثاق الاستقرار الأوروبي للتعامل مع الأزمة، كما هو منصوص عليه في النصوص الأوروبية، مضيفاً "سنحترم بدقة الميثاق الذي يسمح في حالات القوة القاهرة بالخروج عن القواعد".
وأوضح أنه من السابق لأوانه الحديث عن خطة التعافي الأوروبية، إلا أنه من المحتمل أن تكون هناك خطة في الوقت المناسب، وستكون هناك قرارات بناء على التأثير الحقيقي على الاقتصاد، ومنذ اللحظة التي يظهر فيها الركود بشكل عام ستكون هناك خطط انتعاش.
وفي هذا الصدد، قدّر المفوض الأوروبي أيضاً أن الأزمة ستعيد على الأرجح التفكير في أدوات "تجميع" وتشارك ديون الدول الأوروبية. وأفاد بريتون "لقد فكرت كثيراً بشأن المنتجات غير التقليدية لمحاولة تجميع الديون، وربما علينا العودة إلى ذلك".
تريليون دولار من صندوق النقد لمكافحة كورونا
وفي هذا الشأن، أعلن صندوق النقد الدولي، الاثنين، استعداده لتفعيل القدرة على منح تريليون دولار من خزينته لإقراض ومساعدة الدول الأعضاء في مكافحة انتشار فيروس "كورونا المستجد".
وقالت المدير العام لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، في بيان، إن الصندوق تلقى طلبات من دول عدة لتمويل برامجها، مشيرةً إلى أنه مع انتشار الوباء تزداد الحاجة إلى حافز مالي عالمي منسق ومتزامن، وطالبت من البنوك المركزية حول العالم دعم الطلب وتعزيز الثقة من خلال تسهيل الظروف المالية وضمان تدفق الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت إلى أن الصندوق العالمي للحدّ من الكوارث والتعافي من آثارها التابع للبنك الدولي، لديه القدرة في الوقت الحالي على إقراض 400 مليون دولار للدول الفقيرة، مؤكدة على ضرورة زيادة هذا المبلغ إلى مليار دولار عبر التبرعات.
وطالبت الحكومات مواصلة جهودها للوصول إلى الأشخاص والشركات الأكثر تضرراً من الوباء، وتطبيق سياسات خفض الضرائب وتقديم إجازات مرضية مدفوعة الأجر.
وفي تصريحات سابقة لمديرة الصندوق، قالت إنه "في ظل أي سيناريو، سينخفض النمو العالمي في 2020 عن مستوى العام الماضي. ولكن ما يصعب التنبؤ به هو إلى أي حد سينخفض، وما مدة استمرار هذا الانخفاض، إذ إن ذلك سيتعمد على الوباء نفسه، وأيضاً على حسن توقيت إجراءاتنا ومدى فعاليتها".
وأوضحت أن ذلك يشكل صعوبة خاصة في البلدان التي تعاني من ضعف نظمها الصحية ومحدودية قدرتها على الاستجابة، مما يدعو إلى وضع آلية للتنسيق على مستوى العالم من أجل التعجيل بتعافي العرض والطلب.
شلل يضرب الاقتصاد الصيني
وفي الصين التي انطلق منها المرض، تراجع نشاط قطاعي الصناعة التحويلية والخدمات بشكل حاد في شهر فبراير (شباط) الماضي وسط ما يعانيه الاقتصاد من شلل بسبب مكافحة "كورونا"، ويضاهي هبوط النشاط في قطاع الصناعة التحويلية مستواه في بداية الأزمة المالية العالمية، ويبدو أن تراجع الخدمات أكبر هذه المرة بسبب التأثير الكبير الناجم عن التباعد الاجتماعي.
وكشفت الصين، أمس الاثنين، عن نتائج اقتصادية هي الأسوأ مما كان متوقعاً مع مجموعة من المؤشرات الكارثية، بينها تراجع الإنتاج الصناعي للمرة الأولى منذ قرابة الثلاثين عاماً وانهيار مبيعات المفرق التي تشكل مؤشراً للاستهلاك.
وفي الشهرين الأولين من السنة الحالية، تقلص الإنتاج الصناعي 13.5 في المئة على أساس سنوي، مقابل نمو نسبته 6.9 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ويعتبر هذا أول تراجع يسجل منذ يناير (كانون الثاني) عام 1990.
وحسب المكتب الوطني للإحصاءات في الصين، فقد انهارت مبيعات المفرق التي تشكل مؤشراً للاستهلاك 20.5 في المئة على أساس شهري خلال أول شهرين في العام الحالي.
وأفاد المكتب بأن "وباء فيروس كورونا المستجد أثّر سلباً على النشاط الاقتصادي في الشهرين الأولين من السنة في وقت لزم فيه عشرات ملايين الصينيين منازلهم مع انتشار الوباء، إلا أن الانعكاسات على المدى القصير ستكون قابلة للسيطرة".
كما انهارت الصادرات الصينية، محرك اقتصاد البلاد، على أساس سنوي 17.2 في المئة بأول شهرين من 2020 على أساس سنوي، بجانب ارتفاع معدل البطالة إلى 6.2 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، مقارنة مع 3.8 في المئة بالشهر المماثل من 2019.
أسواق الأسهم ترزح تحت وطأة الخسائر
في الوقت نفسه، تتكبد الأسواق العالمية للأسهم والمواد الخام خلال الفترة الأخيرة خسائر قياسية غير مسبوقة مع تزايد الذعر من "كورونا"، وتراجع النشاط الاقتصادي وانخفاض العرض والطلب العالمي على غرار الأزمة المالية العالمية في 2008، وطغت الإيقافات المتوالية على شتى البورصات حول العالم مع عدم القدرة على السيطرة على المشهد رغم الإجراءات التحفيزية من البنوك المركزية.
كما تعرضت أسواق السلع العالمية لسقوط حر مع فشل البنوك المركزية في تهدئة الأسواق، ليفقد الذهب أكثر من 10 في المئة منذ جلسة 9 مارس (آذار) الحالي، لينخفض نحو 1752 دولاراً لتسجل الأوقية 1506 دولارات بحلول الساعة 3:19 مساء الاثنين بتوقيت غرينتش، ويتعرض الذهب لضغوط غير متوقعة في ظل كونه الملاذ الآمن الذي يظهر في ظل الموجة البيعية بأسواق الأسهم.
وتواصل أسعار النفط الانهيار مع ارتفاع المعروض وانخفاض الطلب، إذ انخفضت العقود الآجلة لخام برنت لمستوى 30.91 دولار للبرميل، متراجعة 8.77 في المئة، بعد أن سجلت تراجعات فاقت الـ 25 في المئة خلال تعاملات الأسبوع الماضي، فيما انخفض خام نايمكس الأميركي 5.29 في المئة إلى 30.38 دولار.
وتتأثر الأسعار بأفق تباطؤ الطلب العالمي على خلفية التدابير المتخذة من الدول للحد من تفشي "كوفيد-19"، وحرب الأسعار بين دول منظمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول "أوبك" وروسيا. كما يزداد الضغط على أسعار الخام أيضاً مع تفشي وباء كورونا المستجد خصوصاً في أوروبا، والذي يجمد الأسواق المالية ويزيد خشيتها من انكماش اقتصادي عالمي يقود إلى تهاوي الطلب العالمي بنسب كبيرة.