فجأة اختفت مظاهر الحياة في خليج سيدي فرج السياحي غرب العاصمة، بمجرد الإعلان عن الحجر الصحي لمئات المسافرين العائدين ضمن رحلات إجلاء من بلدان أوروبية، ووضعهم في الفنادق، في قرار فجّر خلافات عدة بين الجزائريين أنفسهم، إثر إعلان وزارة الصحة أن أغلب الإصابات بـ"الكورونا" لمغتربين عادوا في الفترة الأخيرة.
الحياة تتوقف
وتتوقف الحياة وحركة النقل عند مستوياتها الدنيا في محيط خليج سيدي فرج السياحي منذ الخميس الماضي، تاريخ وصول أولى الرحلات البحرية الآتية من مرسيليا الفرنسية، ضمن عملية إجلاء كبرى شملت حوالى 1000 مسافر باتجاه العاصمة وحدها. فقد اعتاد المكان استقبال آلاف العائلات في عطلة نهاية الأسبوع وعدد كبير من أصحاب القوارب السياحية، لكن توزيع المسافرين على تلك المركبات السياحية وخيار الحجر المنزلي "الطوعي" أخفى الحركة نهائياً.
وتقف العناصر الأمنية بشكل مستمر حول الفنادق التي تستقبل هؤلاء العائدين، بما يمنع خروج المسافرين الخاضعين للحجر خارج الإقامة أو دخول أي غرباء من دون رخصة من وزارة الصحة، ومع ذلك فإن شكاوى عدد من الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعية تتحدث عن "تسيّب" في بعض المركبات، من خلال السماح لمسافرين بمغادرة المباني من دون إتمام فترة الحجر المقررة لـ14 يوماً.
النقاش حول عودة العالقين في مطارات أوروبية لا يتوقف عند هذا الأمر، فإجراءات الإجلاء نفسها أثارت احتجاجات كثيرة، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من العائدين. ويقول سماعيل مواسة وهو جزائري سافر إلى لندن مطلع مارس (آذار)، وكان عاد عبر رحلة إجلاء من مطار "هيثرو" مساء الجمعة الماضي، بخصوص هذه النقاشات "أستغرب أن نُتهم بنقل عدوى الفيروس إلى الجزائر ودعوتنا للبقاء في الدول الأوروبية، بالنسبة إلي فقد كنت في زيارة عائلية وقد ازدادت الأوضاع سوءاً في بريطانيا، لكني تأخرت في العودة بعد تعليق الرحلات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع مواسة شارحاً "لقد وقّعت تعهداً شرفياً في مطار لندن بالخضوع إلى الحجر الصحي الطوعي لمدة 14 يوماً، لقد نُقلنا من السفارة الجزائرية إلى المطار، ومع وصولنا إلى الجزائر نُقلنا بحضور الشرطة إلى فندق في العاصمة، لا أقول إن الظروف مريحة لكن الوضع يتطلب صبراً من الجميع".
الحكومة تواجه انتقادات
وقد فجّرت عمليات الإجلاء المستمرة لجزائريين عالقين في مطارات دولية، حملة نقاشات غالبها ينتقد قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وسجلت عشرات الحالات المؤكدة بالإصابة بالفيروس بين هؤلاء المسافرين، ما دفع بالسلطات لحجر حوالى سبعة آلاف عائد في مركبات سياحية وفندقية.
وفي هذا السياق، يذكر شاكر مدني وهو مسافر عاد من ليون الفرنسية في عطلة نهاية الأسبوع، قائلاً "سمعنا فعلاً ببعض العائدين ممن رفضوا الذهاب إلى الحجر الصحي إلا بعد استعمال القوة، شخصياً لا أغادر غرفتي منذ أربعة أيام تاريخ إجلائنا، فقد خضعناً جميعا لتحليل عينات، بالنسبة إلي كانت سلبية لكني علمت بخمس إصابات مؤكدة في المركب نفسه لعائدين من رحلات أخرى".
ويعتبر النائب البرلماني عن المنطقة الرابعة للجالية الجزائرية نور الدين بلمداح لـ"اندبندنت عربية"، أن "المصالح القنصلية الجزائرية في الخارج قامت بجهود جبارة من أجل إجلاء العالقين مع إلزامهم بحجر صحي لأسبوعين"، مضيفاً "الوضع في أوروبا مخيف لا سيما هنا في إسبانيا، لقد تقطعت السبل بكثير من الجزائريين غير المقيمين، ولولا تلك الرحلات الاستثنائية لتشرد المئات في مدن إسبانية".
7 آلاف طالهم الإجلاء
في المقابل، دافعت السلطات الجزائرية عن خيارها إجلاء الآلاف عبر مطارات دولية، إذ أعلن وزير الداخلية خلال اجتماع مع الرئيس الجزائري مساء الأحد 22 مارس، أن "سبعة آلاف مواطن جزائري، أُجلوا من عواصم ومدن عدة عبر العالم، عبر النقل الجوي والبحري والبري"، وقد تم توزيع الحجر الصحي على مدن العاصمة، عنابة، قالمة، تلمسان، وهران وقسنطينة حيث "شملت 7515 مواطناً جزائرياً قدموا منذ الأربعاء الماضي".
وخصصت وزارة الداخلية "21 رحلة جوية ورحلتين بحريتين وأيضاً سبعة فنادق عمومية و44 فندقاً خاصاً إضافة إلى خمس منشآت عمومية (أحياء جامعية ودور شباب ومراقد) لاستقبالهم خلال فترة الحجر الصحي".
وقد جرى نقل هؤلاء إلى أماكن الحجر بواسطة "800 وسيلة نقل للمسافرين في وقت خُصصت 220 وسيلة نقل أخرى لنقل مستلزماتهم، إضافة إلى ممثلين عن مختلف الأسلاك يقدر عددهم بـ 12.100 شخص".
وبحسب البطاقة الشاملة لعملية الإجلاء فإن "1119 مسافراً وصلوا الخميس الماضي جواً من باريس ومارسيليا وليون والدار البيضاء المغربية ودبي"، ثم "1977 مسافراً حلوا بأرض الوطن الجمعة الماضي و1281 وصلوا السبت، وعليه فإن عدد إجمالي المواطنين الذين تم إجلاؤهم جواً خلال الفترة الممتدة من 19 إلى 21 مارس، بلغ 4449 مواطناً جزائرياً، في حين تم إجلاء 1389 مواطناً بحراً من أليكانت الإسبانية ومرسيليا الفرنسية".
مأساة في إسطنبول
وعلى الرغم من تقلص عدد الراغبين في العودة إلى الجزائر، بسبب إجراءات الحجر العام القاسية في أوروبا لا سيما لغير المقيمين، إلا أن الوضع في مطار إسطنبول التركي ينذر بتطورات دبلوماسية إثر اتهام مسافرين جزائريين الشرطة التركية بالتعرض لهم بالضرب.
ويتناقل مسافرون عالقون في المطار التركي صوراً لشجارات مع الشرطة التركية، تبعتها احتجاجات لجزائريين لم يُسمح لهم بولوج بوابة المطار بسبب وجود مئات الجزائريين الآخرين داخله.
ووجه منتدى الجالية الجزائرية في تركيا نداءً إلى السلطات الجزائرية للتدخل سريعاً بسبب "اعتداء الشرطة التركية بالضرب على الجزائريين العالقين في مطار إسطنبول"، وقال المنتدى في بيان على صفحته على "فيسبوك"، إنه "يوجه نداءً إلى كل السلطات الجزائرية ونواب البرلمان بغرفتيه والحكومة والهيئات الدبلوماسية، بالتدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من كرامة الجزائريين، إن بقيت لهم كرامة أصلاً، فبعد سبعة أيام في المطار، نوم على الأرض، قلة غذاء ودواء إلا ما اجتهد المنتدى عن طريق المحسنين في توفيره، وها هم المسافرون الجزائريون يُضربون ويُهانون جميعاً من دون تفرقة بين رجال ونساء وأطفال".
لكن السلطات التركية تعاملت مع الوضع بشكل معاكس، حينما اتهمت السلطات الجزائرية بـ"التقصير" في إعادة الرعايا، ما دفع قنصل الجزائر في إسطنبول للتدخل بنقل مؤن غذائية ومستلزمات طبية برخصة خاصة إلى العالقين في المطار، في انتظار تسجيل آخر عملية إجلاء من هناك.