اتفق قادة مجموعة العشرين، في ختام القمة الافتراضية الاستثنائية، على ضخ أكثر من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، باعتباره جزءاً من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المُستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية لفيروس كورونا.
وأبدى المجتمعون استعدادهم لاتخاذ أي إجراءات إضافية لازمة، والاجتماع مرة أخرى حسب ما تقتضي الحاجة، مؤكدين أنّ العمل والتضامن والتعاون الدولي أصبحت ضرورة أكثر من أي وقت مضى، لمعالجة تداعيات الوباء.
وقال قادة العشرين: "نحن على ثقة بأننا سنتمكّن من التغلب على الوباء بالعمل معاً بشكل وثيق، وسنحمي الحياة الإنسانية، ونستعيد الاستقرار الاقتصادي العالمي، ونضع أسساً متينة للنمو القوي والمستدام والمتوازن والشامل".
وأكد المجتمعون، في البيان الختامي لأعمال القمة، استخدام كل أدوات السياسات المتاحة للحدّ من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة، واستعادة النمو العالمي، والحفاظ على استقرار الأسواق وتعزيز المرونة.
وتعمل دول العشرين على اتخاذ التدابير الفورية والقوية لدعم اقتصاداتها، وحماية العاملين والشركات، وتحديداً المنشآت الصغرى والصغيرة والمتوسطة، والقطاعات الأكثر تضرراً، إضافة إلى حماية الفئات المعرضة للخطر من خلال توفير الحماية الاجتماعية الملائمة.
أزمة إنسانية واستجابة عالمية
وقال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في كلمة افتتاح القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة مجموعة العشرين، "إننا نعقد اجتماعنا هذا تلبيةً لمسؤوليتنا كقادة أكبر اقتصادات العالم، لمواجهة جائحة كورونا، التي تتطلب منا اتخاذ تدابير حازمة على مختلف الأصعدة، إذ لا تزال هذه الجائحة تخلِّف خسائر في الأرواح البشرية، وتُلحق المعاناة بعديدٍ من مواطني دول العالم".
وأضاف، "تأثير هذه الجائحة ربما يتوسّع ليشمل الاقتصادات والأسواق المالية والتجارة وسلاسل الإمداد العالمية، ما يعرقل عجلة التنمية والنمو، ويؤثر سلباً في المكاسب التي تحققت خلال الأعوام الماضية"، مشيراً إلى أنّ "الأزمة إنسانية، وتتطلب استجابة عالمية، والعالم يُعوِّل علينا للتكاتف والعمل معاً لمواجهتها".
وحول دور الرياض في مواجهة الأزمة عالمياً، قال الملك سلمان "السعودية بادرت بالعمل مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات المتخصصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا المُستجد، وضمان سلامة الأفراد، ونُثمّن الإجراءات الفعّالة التي اتخذتها الدول في هذا الصدد".
تمويل أعمال البحث
وتابع، "نؤكد دعمنا الكامل لمنظمة الصحة العالمية في تنسيقها الجهود الرامية إلى مكافحة هذه الجائحة. وسعياً من مجموعة العشرين لدعم هذه الجهود، فإنه يجب أن نأخذ على عاتقنا جميعاً مسؤولية تعزيز التعاون في تمويل أعمال البحث والتطوير، سعياً للتوصل إلى لقاح لفيروس كورونا، وضمان توفّر الإمدادات والمعدات الطبية اللازمة، كما يجب علينا تقوية إطار الجاهزية العالمية لمكافحة الأمراض المعدية التي ربما تتفشّى مستقبلاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التصدي للآثار الاقتصادية
وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح الملك سلمان أنه وفي ظل تباطؤ معدلات النمو واضطراب الأسواق المالية، فإنّه يقع على عاتق مجموعة العشرين "دور محوري" في التصدي للآثار الاقتصادية لهذه الجائحة. لذلك، "لا بدّ من تنسيق استجابة موحدة لمواجهتها وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي"، مؤكداً أنّ السعودية "ترحب بالسياسات والتدابير المُتخذة من الدول لإنعاش اقتصادها، وما يشمله ذلك من حزمٍ تحفيزية، وتدابير احترازية، وسياسات قطاعية، وإجراءات لحماية الوظائف".
أمّا تجارياً، فقال "يتوجّب على مجموعة العشرين إرسال إشارة قوية لإعادة الثقة بالاقتصاد العالمي، من خلال استعادة التدفق الطبيعي للسلع والخدمات في أسرع وقت ممكن، خصوصاً الإمدادات الطبية الأساسية".
الدول النامية ويد العون
وأضاف "من مسؤوليتنا مدّ يد العون إلى الدول النامية والأقل نمواً لبناء قدراتهم وتحسين جاهزية البنية التحتية لديهم، لتجاوز هذه الأزمة وتبعاتها"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن مجموعة العشرين "أثبتت من قبل فاعليتها في التخفيف من حدة الأزمة المالية العالمية، وقدرتها على تجاوزها".
واختتم الملك سلمان كلمته الافتتاحية، قائلاً "اليوم، بتعاوننا المشترك نحن على ثقة بأننا سنتمكّن معاً من تجاوز هذه الأزمة، والمُضي قدماً نحو مستقبل ينعم فيه الجميع بالرخاء والصحة والازدهار".
وفي ختام القمة، أكد القادة في البيان الختامي على عزمهم ببذل قصارى جهدهم من أجل حماية الأرواح، والحفاظ على وظائف الأفراد ومداخيله، استعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو ودعم وتيرة التعافي القوي، وتقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتقديم المساعدة لجميع الدول التي بحاجة للمساندة، وتنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية.
وأشاروا إلى التزمهم بالقيام بكل ما يلزم واستخدام كافة أدوات السياسات المتاحة للحد من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة، واستعادة النمو العالمي، والحفاظ على استقرار الأسواق وتعزيز المرونة.
ونوه القادة إلى اتخاذ تدابير فورية وقوية لدعم وحماية العاملين والشركات وتحديداً المنشآت الصغرى والصغيرة والمتوسطة والقطاعات الأكثر تضرراً، بالإضافة إلى حماية الفئات المعرضة للخطر من خلال توفير الحماية الاجتماعية الملائمة. واتفقوا على ضخ أكثر من 5 ترليون دولار في الاقتصاد العالمي، وذلك كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية للجائحة...
وقد عقد قادة دول مجموعة العشرين الصناعية الكبرى في العالم اجتماعاً استثنائيا اليوم الخميس، لمحاولة تنسيق التصدي لوباء فيروس كورونا المُستجد، الذي "يهدد البشرية جمعاء" على حد قول الأمم المتحدة، على الرغم من إجراءات الحجر الصحي غير المسبوقة التي فُرِضت على ثلاثة مليارات شخص.
وتُوفّي نحو 20 ألفاً و600 شخص بفيروس كورونا حول العالم منذ ظهور الفيروس في الصين خلال ديسمبر (كانون الأول). أمّا عدد المصابين فيقترب من نصف مليون شخص.
وتهدف مجموعة العشرين التي تمثل نحو ثلثي سكان العالم وثلاثة أرباع إجمالي الناتج المحلي للعالم، إلى وضع حلول لتفادي التبعات الإنسانية والاقتصادية التي تسبب بها الفيروس عالمياً، لا سيما أن سرعة انتشاره وما ترتب على ذلك من إجراءات الحجر في العالم كانا بمثابة "ضربة قاسية"، ويتوقّع المراقبون أنه في حال استمرار الوضع العالمي بهذه الحال سيكون "أسوأ ركود" في التاريخ الحديث.
قرارات تكاملية
وقال المحلل السياسي خالد باطرفي، لـ"اندبندنت عربية"، "لم يحدثُ في العالم قط أن توحدت جميع الجهود العالمية لتقديم الحلول كما حدث في هذه القمة"، مضيفاً "القمة لم تكن مقصورة على دول العشرين، بل شارك فيها عددٌ من المنظمات الدولية، وهذا يدل على خطورة الوضع الذي يمرّ به العالم حالياً جراء تفشي فيروس كورونا".
ويرى باطرفي، أنّ القرارات الناتجة عن القمة "تكاملية تهدف إلى إنقاذ العالم من الوباء"، مشيراً إلى أنّ البيان الختامي "ركّز على الأدوات الآنية لحل هذه الإشكالية، ومأسسة جميع الحلول بحيث يكون العمل جماعياً، تتشارك فيه جميع الدول للقضاء على الفيروس".
وقال المحلل المالي محمد العمران، لـ"اندبندنت عربية"، "القمة تنعقد في ظل وجود حاجة ماسة إلى تنسيق الجهود الدولية وتوحيدها لوضع تدابير احترازية لمنع انتشار وباء كورونا المستجد، ووضع حزم تحفيز اقتصادية بين دول العالم".
وأضاف، "من أهم التحديات التي واجهت القمة هو الخروج بمبادرات منسقة بين دول المجموعة في ظل وجود انقسامات في طريقة التعامل مع الوباء داخل دول الاتحاد الأوروبي حول الإمدادات الطبية، وطريقة التعامل التي تنوي بعض الدول اتباعها مع تلميحها إلى فتح الاقتصاد بدلاً من الحجر الصحي".
ويرى العمران، أنّ تنسيق الجهود الدولية لضمان انسيابية تدفق السلع والخدمات حول العالم وانسيابية خطوط الإمداد الطبي والغذائي، إلى جانب دعم الدول النامية أو الأقل نمواً في بنيتها التحتية الصحية لمواجهة هذا الوباء "يعدُّ من أكبر التحديات في الوضع الراهن".
وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين، لـ"اندبندنت عربية"، "توصيات قادة مجموعة العشرين مهمة وقادرة على معالجة الأزمة الحالية بفاعلية، لا سيما أنها تضمّنت ضخ 5 تريليونات دولار لحماية الاقتصاد العالمي، والعمل على استعادة الثقة بالاقتصاد العالمي وتحقيق النمو، إضافة إلى دعم منظمة الصحة العالمية، وتوسيع قدرة العالم على تصنيع الإمدادات الطبية، وزيادة مخصصات البحث عن لقاح لـ(كورونا)، وضمان مرور آمن لشحنات المعدات الطبية والأغذية بين الدول".