تبين أن لقاحاً محتملاً لفيروس كورونا، طوره علماء أميركيون، يُنتج أجساماً مضادة قادرة على محاربة "كوفيد 19"، في دراسة علمية محكمة أولى في نوعها.
وقد اختبر باحثون ذلك اللقاح في كلية الطب في "جامعة بيتسبيرغ" الأميركية على مجموعة من الفئران. وتبين أنه أنتج أجساماً مضادة بكميات يُعتقد أنها كافية "لإبطال مفعول" فيروس كورونا في غضون أسبوعين من الحقن.
وبات مقرراً أن يتقدم الباحثون الذين أنجزوا تلك الدراسة بطلب إلى "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية، للموافقة على جعله دواءً تجريبياً جديداً، قبل المضي قدماً في المرحلة الأولى من تجارب سريرية بشرية عليه من المقرر البدء بها في الأشهر القليلة المقبلة.
وحاضراً، يتسابق علماء في شتى أنحاء العالم إلى تطوير لقاح للحماية من فيروس كورونا، الذي أصاب حتى الآن ما يربو على مليون شخص عالمياً، وأودى بحياة 50 ألف شخص.
وقد بدأت التجربة البشرية الأولى على أحد تلك اللقاحات في مختبر في مدينة "سياتل" الأميركية الشهر الماضي، بعدما تجاوز فريق من البحاثة الأميركيين مرحلة التجارب على الحيوانات التي تُستخدم عادة بغية إثبات فاعلية العقاقير وسلامتها.
في المقابل، يعتبر البحث الذي تشهده "جامعة بيتسبرغ" الدراسة الأولى عن لقاح مرشح مُضاد لـ"كوفيد- 19"، تُنشر بعد تقييمها من زملاء علماء في مؤسسات أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في تلك الدراسة الأخيرة، استطاع العلماء بشكل سريع إحراز نتائج إيجابية، لأنهم وضعوا الأساس لها سلفاً أثناء جائحتين سابقتين من فيروسات كورونا، هما "سارس" في 2003 و"ميرس" ["متلازمة الشرق الأوسط التنفسية"] في 2014.
في سياق متصل، أوضح أندريا غامبوتو، أستاذ مساعد في الجراحة في كلية الطب بـ"جامعة بيتسبرغ"، إن "الفيروسين (المذكورين آنفاً) اللذين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بـ"كوفيد- 19" [لأن تلك العناصر الثلاثة تنتمي إلى العائلة الفيروسية نفسها]، يُرشداننا إلى بروتين معين يُسمى "سبايك"، يؤدي دوراً مهماً في تحفيز المناعة ضد كورونا. لقد علمنا على وجه التحديد أين نكافح الفيروس الجديد".
يستخدم اللقاح المرشح الذي يسميه الباحثون "بيتكوفاك" PittCoVacc، أجزاء مصنوعة مخبرياً من بروتين فيروسي، من أجل تحفيز جهاز المناعة في الجسم، وذلك على غرار طريقة عمل لقاح الأنفلونزا الموسمية.
بغية زيادة فاعلية اللقاح المُحتمل، استخدم الباحثون أيضاً نهجاً جديداً في توصيل الدواء إلى الجسم يتضمن رقعة بحجم طرف إصبع اليد تتألف من 400 إبرة مجهرية تعمل على حقن أجزاء "بروتين سبايك" في الجلد الذي يكون فيه رد فعل الجهاز المناعي أقوى. إذ تُلصق تلك الرقعة على طريقة الضمادة، وببساطة تذوب في الجلد تلك الإبر المصنوعة بالكامل من السكر مع أجزاء من البروتين.
واستطراداً، تحدث عن اللقاح المُرشح البروفيسور لويس فالو، أستاذ أكاديمي مشارك في الدراسة ورئيس الأمراض الجلدية في كلية الطب في "جامعة بيتسبرغ". وأوضح أن الفريق "طور ذلك اللقاح استناداً إلى الطريقة التقليدية الأولى المُستخدمة في إيصال لقاح الجدري إلى الجلد [= كانت قطرات اللقاح توضع على الجلد، ثم يوخز موضعها بالإبرة تكراراً]، لكنه صُنِعَ بوصفه نسخة متقدمة تقنياً وأكثر كفاءة ولا تختلف نتيجتها بين مريض وآخر. وفعلياً، ليس اللقاح مؤلماً تماماً، ويشبه الـ"فيلكرو" [شريط لاصق يُستعمل في الملابس والجلديات]".
وكذلك أفاد أولئك الباحثون بأنه من المستطاع تكثيف طريقة عملهم بغية إنتاج البروتين "سبايك" على مستوى صناعي، إذ سيتوجب إصدار مئات الملايين من الجرعات في شتى أنحاء العالم.
حالما يُصنع اللقاح "بيتكوفاك"، يمكن حفظه في درجة حرارة الغرفة إلى حين الحاجة إليه، ما يلغي ضرورة تبريده أثناء عمليات النقل أو التخزين.
واستطرد البروفيسور غامبوتو مشيراً إلى أنه "بالنسبة إلى معظم اللقاحات، لا يتعين عليك قبل الشروع بها تلبية مبدأ قابليتها للتوسع. ولكن عندما تحاول أن تطور بسرعة لقاحاً ضد جائحة ما، يكون الإيفاء بذلك الشرط المطلب الأول".
في التجارب على الفئران، أنتج لقاح "بيتكوفاك" زيادة في الأجسام المضادة ضد "كوفيد- 19"، في غضون أسبوعين من حقنه عبر غرز الإبر المجهرية في البشرة.
ووفق الباحثون الذين صنعوا ذلك اللقاح، فإنه "حتى الآن، لم يُصار إلى تتبع النتائج على المدى الطويل، لكن الفئران التي أعطيت اللقاح الذي ابتكره باحثو "جامعة بيتسبرغ" آنذاك ضد "متلازمة الشرق الأوسط التنفسية"، ورشحوه ليُعتمد لقاحاً ضدها، طورت أجساماً مضادة بكميات ظلت كافية لإبطال مفعول الفيروس لمدة سنة في الأقل. يبدو أن مستويات الأجسام المضادة لدى القوارض التي جرى تطعيمها ضد "كوفيد- 19" تسير في الاتجاه نفسه".
وكذلك وجد الفريق أن إعطاء لقاح "كوفيد- 19" بواسطة الإبر المجهرية أدى إلى المحافظة على فاعليته حتى بعد التعقيم بأشعة "غاما"، ما يعتبر خطوة مهمة في جعل الدواء مناسباً للاستخدام لدى البشر.
في ما يتعلق بالتجارب على المرضى، أشار البروفيسور فالو إلى إنها "تتطلب سنة في الأقل وربما أكثر". لكنه أضاف، "يختلف هذا الظرف تحديداً عن الأمور التي مررنا بها في أوقات سابقة، لذا لا نعرف المدة التي ستستغرقها مرحلة التطوير السريري. وتشير المراجعات المُعلنة أخيراً عن السير الطبيعي للعمليات، إلى أننا ربما نتمكن من النهوض بذلك بصورة أسرع من المدد التقليدية"
في سياق متصل، يُذكر أن علماء في أستراليا أعلنوا يوم الخميس الماضي أنهم يختبرون لقاحاً محتملاً آخر لـ"كوفيد- 19" على مجموعة من حيوانات "ابن مقرض" [نوعٌ من القوارض الكبيرة التي يعتبرها العلماء قريبة بيولوجياً من الجسم البشري]، فيما سيختبر فريق في جامعة "أكسفورد" العقار نفسه على البشر في الأسابيع القليلة المقبلة.
© The Independent