أرسل الظهور الثاني لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف في مقطع مصور على منصات التواصل الاجتماعي يشكو فيه التضييق عليه وملاحقة الأجهزة الأمنية لفريق شركته "سيريتيل" الموالية للنظام، إشارة واضحة على اتساع الشرخ بينه وبين رأس الهرم في النظام، قريبه الرئيس السوري بشار الأسد.
"الملياردير المظلوم"
ويرى الشارع السوري أن العلاقة بين الأسد ومخلوف انتقلت إلى "اللعب على المكشوف"، فيما يستعطف الأخير مشاعر الرأي العام بإطلالاته، بينما لا يسع السوريون إلا انتظار ما ستسفر عنه مواجهة "لا ناقة لهم فيها ولا جمل".
وعلى الرغم مما عُرف عنه بعدم الظهور عبر وسائل الإعلام (آخر ظهور إعلامي لمخلوف كان في مؤتمر صحافي عام 2011)، إلا أن الثري "المظلوم" بحسب ما يصف نفسه، طالب الأسد بإنصافه بوجه تدخلات دوائر تهيمن على صناعة القرار من دون أن يذكر أسماءً محددة.
في المقابل، أصدرت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في سوريا قراراً يقضي بضرورة امتثال شركتَي الاتصالات العاملتين في البلاد، وشركة المخلوف إحداهما، بدفع 233.8 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 233 مليون دولار أميركي بحسب سعر الصرف غير الرسمي. واعتبر بيان الهيئة الحكومية أن هذه الأموال "مبالغ مستحقة للدولة" ينبغي سدادها قبل 5 مايو (أيار) الحالي.
الشرارة والبارود
من جهة أخرى، يعتبر فريق من الموالين للنظام أنه بعد رفع الغطاء والحماية عن مخلوف وهو ابن خال الأسد، لا مبرر لظهوره بخاصة في هذه الظروف الاستثنائية، بالطريقة التي ظهر فيها. وصرح مصدر سياسي موالٍ إلى "اندبندنت عربية"، أنه "من المستغرب دخول صاحب أكبر الشركات السورية، في سجالات وحروب إعلامية، إذ إن الموضوع يخص أموالاً للدولة، وهو مطالب بسدادها، وهي مجموع ضرائب متراكمة لا بد من دفعها للخزينة العامة، والمشكلة ستحلُ بالتأكيد في المدى المنظور".
وتذهب تكهنات إلى أن مخلوف وعلى الرغم مما أظهره من هدوء، فإن إطلالته تخفي خلافات كثيرة، وما قضية سداد الضرائب إلا نتيجة لمشكلات تعصف بالبيت الداخلي للأسرة الحاكمة.
وكانت إطلالة مخلوف في الفيديو الأول بمثابة الفتيل لانفجار الموقف، فيما ليس مستبعداً ظهوره في إطلالات جديدة، في حال استمرت محاصرته وتضييق الخناق عليه وعلى شركاته.
كما تشي المعلومات الواردة عن محاصرة مجموعة من رجال الأعمال الآخرين المطالبين بتسديد ذمم مالية للدولة، إلا أن مخلوف يتصدر القائمة، إذ إنه يهيمن بقوة على الاقتصاد السوري عبر شركاته المتعددة في المجالين العقاري والمصرفي وفي مناطق التجارة الحرة، وامتلاكه امتيازات تجارية كانت تحظى بإعفاءات ضريبية سابقاً.
في المقابل، هلل المعارضون عقب أول فيديو أطل به أحد صقور النظام السوري وداعميه الاقتصاديين، معتبرين ذلك سقوطاً حراً لأحد أقطابه تتأكد معه كل التخمينات عن نشوب مناكفات وخصومات داخلية قد تتطور مع الوقت.
الخير الضائع
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من إضفاء رجل الأعمال البارز في المقطعين المصورين مسحةً دينية عبر استشهاده بآيات قرآنية، ومسحةً أخرى إنسانية عبر التلميح إلى أعمال خيرية درج على دعمها من خلال الشركات التي يمسك بامتيازاتها، كالاتصالات والطيران والشركات الصناعية، إلا أن الشارع السوري، الموالي والمعارض، لم ينجرف خلف ذلك.
كما ألقى مخلوف الكرة بملعب الحكومة متحدثاً عن ضرورة سداد مليارات الليرات السورية التي "لا بد أن تذهب إلى مستحقيها من الفقراء".
وتعليقاً على ذلك، تساءل الناشط الحقوقي المعارض، وسيم الحلبي، "كيف لرامي مخلوف أن يدعي بأنه صاحب أعمال خيرية والجميع يعلم أن الجمعيات الخيرية التي كان يطلقها هي داعمة لطرف سياسي محدد، وهو الموالي للسلطة". وأضاف الحلبي "إن أراد مخلوف الوقوف إلى جانب الفقراء لكان خفّض أسعار خدمات الاتصالات الخليوية التي استنزفت جيوب الناس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أثرياء قدامى وجدد
من جهة أخرى، أشارت معلومات إلى وجود مخلوف على الأراضي السورية طليقاً، فيما أنباء الحجز الاحتياطي على أمواله بدأت تتردد منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتضييق عليه بقرارات حكومية أوقفت الدعم عن ذلك الرجل النافذ والمقرب من الحكم.
كما طاولت حملة أُطلقت أخيراً لمكافحة الفساد، رجال أعمال كباراً في العاصمة السورية وأثرياء في حلب (شمال) أثْروا خلال الحرب.
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي رضوان المبيض، أنه "من الطبيعي أن تتصاعد الأمور وتتجه إلى ظهور الرجل الثري بهذا الشكل وبتلك الطريقة، بعد محاصرته من قبل الحكومة عقب تحرك الجمارك السورية وإصدارها حجزاً على أمواله في القضية رقم 243 العام الماضي، التي شكلت أولى الضربات الموجعة له".
وأتى ذلك الحجز الاحتياطي بعد مخالفة قوانين الاستيراد عبر تهريب بضاعة من الحجز تُقدَر قيمتها بـ 1.9 مليار ليرة سورية (مليون دولار تقريباً بحسب سعر الصرف غير الرسمي). ويقول المبيض إنه "يصعب تصديق ما يحدث مع الملياردير المدلل، إذ إن الطاولة قُلبت رأساً على عقب وبات متهماً بين ليلة وضحاها، بعدما كان يُعتبر منذ عام 2013 بمثابة بطل وطني، إذ حيكت بطولات كثيرة حوله في إنقاذ الليرة والاقتصاد من الانهيار، عبر ضخ أموال طائلة بالعملة الأجنبية لإنقاذ البلاد".
ورجّح أن تكون "محاصرة الأسد والحكومة السورية لمخلوف بمثابة إيذان لسلسلة واسعة ستطاول رؤوساً كبيرة ممسكة بمفاصل الاقتصاد السوري وتسيّره، بخاصة مع إعادة ترتيب الأوراق دولياً ودخول إيران وروسيا على الساحة السورية، اللذين يُعد المخلوف أبرز المنافسين لشركاتهما على الأرض".