تسعى الحكومة البرازيلية إلى استخدام فيروس كورونا غطاءً لسنّ قوانين قد تؤدي إلى احتلال مزيد من أراضي السكان الأصليين وإزالة الغابات في الأمازون، كما تقول مزاعم الناشطين والخبراء، وسط تحذيرات من أن التمادي في الإخلال بالتوازن البيئي قد يؤدي إلى ظهور جائحات جديدة.
وينقسم البلد حول خطورة كوفيد-19 مع اعتبار الرئيس جايير بولسونارو أنه لا يتعدى "الإنفلونزا البسيطة" ومعارضته لإجراءات الحجر التي يضعف التأييد الشعبي لها على الرغم من حفر مقابر جماعية في ساو باولو مع ارتفاع أعداد الوفيات.
وبينما توقفت معظم القطاعات عن العمل خلال الأزمة، تشير البيانات الحكومية إلى ارتفاع نشاط إزالة الغابات في الأمازون بنسبة 30 في المئة خلال شهر مارس (آذار) مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما تدل أحدث البيانات على استمرار هذا التوجه خلال شهر أبريل (نيسان).
وأُفيد في الآن ذاته عن ازدياد معدلات التوغل في بعض أراضي السكان الأصليين من جانب عمال المناجم والأشخاص الذين يستولون على الأراضي فيما تراجعت عمليات الحماية المدنية والرسمية خوفاً من العدوى.
وفي هذا الإطار، يحذر العلماء من جديد من أن الإخلال بالتوازن البيئي يرفع احتمالات انتقال عدوى جديدة إلى البشر، أو ما يُعرف بالأمراض حيوانية المنشأ.
وقال بيتر دازاك، رئيس اتحاد الصحة البيئية "إيكو هيلث" لموقع مونغاباي، "ترتبط حالة من كل ثلاثة حالات لتفشي الأمراض الجديدة والناشئة بالتغيرات في طريقة استغلال الأراضي مثل إزالة الغابات".
وكان دازاك، محرراً أساسياً لدراسة موسعة مولتها الحكومة الأميركية نُشرت في عام 2019، ولفتت إلى أن فيروس نقص المناعة البشرية والإيبولا والزيكا كلها "أمراض يجمعها رابط سببي وثيق بتغير طريقة استغلال الأراضي".
ويعتبر بعض الخبراء أن منطقة الأمازون تحديداً عرضة لدرجة عالية من مخاطر تفشي الأمراض الجديدة.
وقال ديفيد ولكينغ، من معهد "وان هيلث" التابع لجامعة كاليفورنيا، لذراع التحقيقات في منظمة غرينبيس "Unearthed"، "عندما يكون لديك منطقة تنوع بيولوجي هائلة مثل الأمازون، ولديك تعدٍّ بشري على هذه المنطقة من خلال التمدن، ومد شبكات الطرق، وإزالة الغابات، وقطاعات استخراج الموارد مثل قطع الأخشاب والتعدين، يجتمع كل ما يلزم من عناصر لانتقال الفيروسات".
كما تلعب حرائق الغابات التي تسببها في أغلب الأحيان تقنيات القطع والإحراق من أجل إزالة الغابات، دوراً في ظهور أمراض جديدة.
ومن اللافت أن بعض الباحثين يعزون ظهور فيروس نيباه إلى الحرائق الضخمة التي استعرت في إندونيسيا في عام 1998، حين دفع الدخان الكثيف بخفافيش الفاكهة إلى البحث عن مصدر للغذاء في مكان آخر، فاستقرت فوق الأشجار في بساتين ماليزيا. وسرعان ما مرضت الخنازير التي أكلت من الفاكهة نفسها، وتبعها المزارعون بعد مدة قصيرة.
ومع معاناة منطقة الأمازون في عام 2019 من أسوأ موسم حرائق مر عليها منذ عقد، اجتمع أكثر من 12 خبيراً دولياً ليطلقوا تحذيراً واضحاً.
وكتبوا، "إن منطقة الأمازون في البرازيل موطناً للعديد من الأمراض السارية أو حيوانية المصدر، وقد تحفز عملية الانتقاء الطبيعي من أجل البقاء في أعقاب نشوب حريق في الغابة، تتغير معها موائل وسلوك بعض فصائل الحيوانات. ويُحتمل أن تكون هذه الحيوانات خزاناً للبكتيريا والفيروسات والطفيليات حيوانية المصدر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووسط هذه التحذيرات، قد يعقد الكونغرس البرازيلي قريباً تصويتاً رقمياً فقط، مستخدماً عمليات الطوارئ التي بدأ تطبيقها بهدف تسريع اتخاذ القرارات خلال أزمة كوفيد-19، على تكريس التشريع المؤقت عبر تحويله إلى قانون دائم، يحذر الناشطون من أنه يضفي غطاء من الشرعية على عمليات استيلاء قديمة على الأراضي ويسهل وقوع تعديات جديدة، ويفتح المجال أمام المزيد من إزالة الغابات.
ويزعم المدافعون عن البيئة أن الإجراء المؤقت الذي كان مقرراً لمدة 120 يوماً بعد أن أعلنه بولسونارو في ديسمبر (كانون الأول)، قد يصبح بالتالي إجراء دائماً خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة من دون أن يخضع للمستويات العادية من النقاش والتدقيق.
وقالت إدارة بولسونارو، إن قوانين الملكية العقارية الجديدة ستمنح صكوك ملكيّة للمزارعين الذين احتلوا أراضي فيدرالية "بطريقة سلمية وهادئة لسنوات عديدة"، ما يسمح لهم "بتجاوز سقف زراعة الكفاف وتحسين مدخولهم".
وتصر على أن القانون الجديد لا يسهل "بأي شكل من الأشكال" الاستيلاء على الأراضي أو إزالة الغابات"، مشيرةً إلى أن ملاك الأراضي الجدد سيتحمّلون مسؤولية الحفاظ على ما يعادل 80 في المئة من أرضهم.
لكن المحللين يحذرون من أن القانون الجديد يسمح للمعتدين على الأراضي بوضع اليد قانوناً على مساحات شاسعة من الأراضي التي اقتطعت واحتُلّت قبل عام 2018، غالباً على أيدي عصابات إجرامية، باستخدام نشاطهم غير القانوني برهاناً على احتلالهم هذه الأراضي.
وفي هذه الأثناء، يسمح قانون جديد يحمل "اسم آي إن 09" (IN 09) أقرته الأسبوع الماضي الوكالة المعنية بشؤون السكان الأصليين "فوناي" بإزالة تسمية "الشعوب الأصلية" عن أراضٍ في السجل العقاري تعود للشعوب الأصلية ولكن لم تُرسّم حدودها بعد وفقاً لغرينبيس.
نحو ثلث الأراضي التابعة للشعوب الأصلية لم تُرسم حدودها بعد حسب تعبير المنظمة. ونقلت إذاعة "بي بي سي" في عام 2019 أن أكثر من 800 ألف شخص من السكان الأصليين يعيشون في 450 منطقة تابعة لهم رسمت حدودها، وتعادل 12 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي في البلاد.
وستتيح هذه التغييرات الجديدة للأشخاص الذين يحتلون أراضي السكان الأصليين، غالباً بهدف إزالة الغابات أو الزراعة أو التعدين، الحصول على وثيقة تفيد بأن الأرض غير مرسمة الحدود.
وبموجب القانون الجديد MP 910، يمكن بعد ذلك استخدام هذه الوثيقة لدعم ادعاء المستولي على الأرض من أجل تشريع العقارات الموجودة عليها، وشرائها بعد ذلك مقابل جزء بسيط من قيمتها دون المزايدة عليها ضد جهات أخرى.
كما حذرت الرئيسة السابقة لوكالة حماية البيئة في البلاد من أن بعض أجزاء القانون المقترح الذي يُزعم أنه يصب في مصلحة صغار المزارعين، من خلال الاستغناء عن الحاجة لتدقيق وتفتيش الأراضي التي تقل مساحتها عن 2.500 هكتار قبل اقتنائها، يمكن استغلالها باعتبارها ثغرات قانونية من جانب المستَولين على الأراضي على نطاق واسع.
وتقول الحكومة من جهتها إنها ستمنع تملك الجهات الأكبر بالإنابة، التي يُخشى أن تستغل ملّاكي الأراضي الصغار كي تقتني الأراضي بالوكالة عنهم دون تقييم رسمي، عبر حظر بيع الأراضي المقتناة حديثاً لمدة عشر سنوات من تاريخ تملّكها.
وفي تعليقها على المسألة لموقع "مونغاباي"، قالت سولي أروخو، الرئيسة السابقة لمعهد البيئة والموارد الطبيعية المتجددة التابع لوزارة البيئة البرازيلية (إيباما)، "بسبب هذه المرونة، وفي غياب التفريق بين كبار الملّاك وصغارهم، يشرّع هذا القانون وضع الذين يعيشون على احتلال الأراضي وإزالة الغابات وبيع الأراضي العامة".
وأضافت "إن لم يُتخذ أي قرار سياسي بسحب مشروع قانون MP 910 من جملة الإجراءات المطروحة للتصويت، نواجه خطر وقوع تراجع بيئي خطير في خضم هذه الأزمة (الصحية)".
ويشكّل التاريخ الفاصل الذي حُدد عند عام 2018 تمديداً لتاريخ سابق كان عام 2004، ويخشى الناشطون بالتالي أن يشجع هذا التغيير المستولين على الأراضي ويوحي لهم بالإعفاء المستمر عن جرائمهم السابقة.
وتقدر منظمة أبحاث حماية الطبيعة إيمازون أن القانون الجديد قد يؤدي بالتالي إلى إزالة الغابات عن مساحة 1.6 مليون هكتار إضافي، وهي مساحة أكبر من مساحة اليمن، بحلول عام 2027.
وأشارت المحامية والباحثة في إيمازون، بريندا بريتو لـUnearthed "إذا صدّق على هذا القانون، سيشكّل ضربة قاصمة إلى الأمل باستعادة السيطرة على مقاليد الأمور ومكافحة إزالة الغابات، فهو يطوي هذا الأمل فعلياً، إن كان ثمة من لا يزال يأمل أن تواجه الحكومة الحالية فعلياً إزالة الغابات وتكافحها؛ لأن هذا الإجراء سيعزز أكثر فأكثر ما يجري اليوم".
© The Independent