من المتوقّع أن يكون الأثر الاقتصادي لتداعيات فيروس كورونا على البلدان الخليجية كبيراً، وفقاً لمؤشرات دولية، إذ يتوقع أن تنكمش اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى 2.8 في المئة هذا العام، وأن تسجّل البلدان المصدرة النفط بالمنطقة، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، نمواً سلبيّاً إجماليّاً 3.9 في المئة، وفقاً لآخر التوقعات الاقتصادية العالمية لصندوق النقد الدولي.
وسارعت دول الخليج إلى إطلاق حزم دعم وتحفيز مالية، في محاولة لتقليل الخسائر التي مُنيت بها بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا في العالم، الذي زحف إلى المنطقة، إلى جانب تراجع أسعار النفط في أسوأ أداء لها منذ عقود أربعة.
وحسب صندوق النقد الدولي، انخفضت أسعار النفط من منتصف يناير (كانون الثاني) وإلى نهاية مارس (آذار) الماضي 65 في المئة، أو 40 دولاراً للبرميل، بينما تراجعت أسعار الغاز الطبيعي 38 في المئة.
وتوقّع الصندوق أن تظل الأسعار ما دون 45 دولاراً للبرميل حتى عام 2023، أي نحو 25 في المئة، أقل من متوسط العام الماضي، أي أنّ دول الخليج المنتجة النفط والغاز مقبلة على "سنوات عجاف"، تستدعي "شد الأحزمة" ثلاث سنوات على أقل تقدير، عبر اعتماد خفض الإنفاق، وتجميد المشروعات العملاقة، وربما حان الوقت لفتح صناديق مدخرات الأجيال، لقد أصبحت الخطط الإنعاشية لحقبة ما بعد كورونا ضرورة وحاجة ملحة، حسب صندوق النقد.
صندوق مجلس التعاون لدعم الاستقرار المالي
من جانبه، قال السفير السابق للبحرين حمد العامر والمحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون الخليجي، في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، "في القمة الخليجية التي عُقِدت بدولة الكويت ديسمبر (كانون الأول) من عام 2009، تقدّمت البحرين بمقترح إنشاء (صندوق مجلس التعاون لدعم الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي في دول المجلس)، ووافقت الدول على المقترح البحريني، الذي جاء ضمن الرؤية التي قدّمها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة".
وأضاف، "المقترح بُنِي على اتفاقات خليجية سابقة، بما فيها الاتفاق الاقتصادي الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي 1981، وإنشاء منطقة التجارة الحرة 1983، وإعلان الاتحاد الجمركي 2003، والسوق الخليجية المشتركة 2008. واليوم يوجد مشروع الاتحاد النقدي، بالتالي في ظل أزمة كورونا أصبحت هناك حاجة مُلحة لتأسيس هذا الصندوق".
وتابع العامر، "نحتاج اليوم خليجياً إلى مراجعة أوراقنا، خصوصاً في توقيت الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها العالم، ولها انعكاسات مباشرة على مستوى المعيشة ومعدلات النمو وفرص العمل... إلخ. بالتالي إنشاء صندوق لدعم الاستقرار المالي في دول مجلس التعاون سيكون قادراً على تقديم الدعم اللازم، والمساندة المرجوّة لدول خليجية هياكلها الاقتصادية أضعف مقارنة بأخرى تتمتع بهياكل اقتصادية قوية، ولدعم شعوب تلك البلدان الأضعف اقتصادياً، بما يصبّ في صالح التكامل الاقتصادي الخليجي".
الاقتراض ما بين صناديق الأجيال وإملاءات المؤسسات الدولية
وبسؤاله إن كانت دول مجلس التعاون ستلجأ إلى "صناديق الأجيال"، لتوفير السيولة اللازمة مع توقعات صندوق النقد بمواجهة دول الخليج ثلاث سنوات عجاف، أو أنها ستلجأ إلى الاقتراض. ردّ بالقول: "دول الخليج أعلنت حزم تحفيز اقتصادية في مواجهة وباء كورونا، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر سيكون عليها أن تبحث عن حلول، ولتحديد إن كانت صناديق الأجيال هي الملاذ، أو التوجّه نحو الاقتراض من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي وغيره".
وأضاف، "لا أحبذ أن تتجه الدول الخليجية إلى الصندوق، فعادة ما تكون هناك إملاءات مصاحبة الإقراض". موضحاً "الإقراض يحدّ مع الأسف من استقلالية الدول، بالتالي أعتقد أن صناديق الأجيال قد تكون الملاذ لدول الخليج إذا ما استمرّت أزمة كورونا فترة زمنية أطول، مع اتخاذ هذه الدول مجموعة من الإجراءات الاقتصادية، التي تعتمد على التقشف وخفض الإنفاق (شد الحزام)، وأن يكون لدى الدول الخليجية خطط إنعاشية تنعش الاقتصادات من دون مساس القرار السياسي والاقتصادي السيادي الخليجي، وضرورة أن لا تتعرض السيادة الخليجية إلى ضغوط من صندوق النقد الدولي، حتى لا تدخل في متاهات ليس لها أوّل من آخر".
تحذير من جفاف الموارد المالية
وكان صندوق النقد الدولي، حذّر دول الخليج من جفاف مواردها المالية خلال 15 عاماً المقبلة، إن هي لم تباشر إصلاحات مالية، وتقدّر ثروة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بنحو 2 تريليون دولار، وتُسهم تلك الدول بخُمس إمدادات النفط العالمية.
وتمثل إيرادات النفط من 70 إلى 90 في المئة من الدخل العام بدول الخليج، لكن تراجع الأسعار أثر سلباً في اقتصادات دول المنطقة، ليأتي وباء كورونا ويخنق تلك الاقتصادات. وهنا نتساءل هل حان الوقت لولادة صندوق خليجي موحد للأزمات لمواجهة أزمة النفط وأزمات أخرى مثل كورونا ركّعت الاقتصاد العالمي، وأدمت أسواق الأسهم والمال، وأطاحت قطاع الطيران والسفر، وأغلقت مصانع ومتاجر العالم، ناهيك بالخسائر البشرية التي خلّفها الوباء؟
البحوث الطبية والأمن الغذائي
محمد فاضل العبيدلي، المستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة، قال "دول الخليج سارعت لمواجهة الركود الاقتصادي الذي ضرب العالم بفعل تفشي فيروس كورونا، عبر إعلان حزم دعم وتحفيز كبيرة، لتخفيف تداعيات هذا الركود على اقتصاداتها".
ويرى العبيدلي، أن تأسيس صندوق خليجي موحد للأزمات "إحدى الخطوات المهمة"، التي يجب على دول الخليج تدشينها، لكنها "ليست الخطوة الوحيدة" كما يقول العبيدلي، الذي أكد "ضرورة التنسيق، وتوحيد الجهود البحثية الطبية الخليجية في مواجهة وباء مميت مثل كورونا"، قائلاً "هذه الحاجة أصبحت ضرورة اليوم، تكاد تقترب من مسألة الأمن القومي في أهميتها، بعد أن رأينا ضراوة فيروس كورونا، وتفشيه بلا هوادة في العالم".
وأضاف، "أزمة كورونا نبّهت من جديد أيضاً إلى قضية الأمن الغذائي الخليجي، فمن غير المقبول أن يكون غذاؤنا ليس بيدنا، وأن يكون الاعتماد الأكبر على الاستيراد من العالم، لقد رأينا خلال الأزمة كيف قطع الوباء أوصال العالم مع إغلاق مطارات ومواني العالم، ما تسبب في عرقلة الإمدادات الغذائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع، "دول الخليج مؤهلة أكثر من غيرها للقيام بخطوات ملموسة في تفعيل ملف الأمن الغذائي، كون أنها قطعت شوطاً طويلاً في التنسيق الاقتصادي عبر مجلس التعاون الخليجي، ربما عامل السياسة هو ما يُحدث بعض التأخير في هذا الجانب".
وكان صندوق النقد الدولي توقّع أن يبلغ نمو السعودية - 2.3 في المئة، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 4 في المئة. وفي الإمارات من المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 3.5 في المئة، مقارنة بـ1.3 في المئة المسجّلة في عام 2019. وأن ينخفض في قطر 4.3 في المئة في خلال هذا العام، بينما من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي العماني 2.8 في المئة مقارنة 0.5 في المئة في عام 2019. وحققت الكويت أفضل أداء خليجي مع نمو متوقع -1.1 في المئة، مقارنة بـ0.7 في المئة عام 2019.
السعودية تعتزم اقتراض 58.7 مليار دولار
وزير المالية محمد الجدعان، تحدّث في تصريحات سابقة إلينا، عن ضرورة التوجّه إلى "تخفيض مصروفات الميزانية بشدة بعد انخفاض الإيرادات النفطية إلى النصف، لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين، ومواجهة الصدمة الكبيرة جداً في الإيرادات"، ودعا الجدعان إلى "التخطيط لأسوأ أزمة يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وإلى ضرورة تقليص الإنفاق".
وكشف الوزير السعودي عن أن بلاده تعتزم اقتراض ما يقارب 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار أميركي)، وأشار إلى أنّ "المالية" تُعيد النظر في قائمة النفقات، وستعمل على خفض الإنفاق، شريطة أن تكون خيارات لا يتضرر من خلالها "المواطن والاقتصاد السعودي".
الإمارات أطلقت حزمة تحفيز بقيمة 76.9 مليار دولار
وتعدُّ الإمارات من أسرع دول المنطقة استجابة إلى التحديات الاقتصادية للأزمة الراهنة، عبر اتخاذ إجراءات داعمة القطاعات المتأثرة، وإطلاق مجموعة من خطط الدعم والتحفيز للاقتصاد الوطني، بلغ إجماليها على المستويين الوطني والاتحادي 282.5 مليار درهم (76.9 مليار دولار أميركي)، من أجل حماية البنية الاقتصادية ودعم القطاعات المتأثرة، والحد من الأثر في الموارد البشرية.
اللجنة المؤقتة للتعامل مع الآثار السلبية لفيروس كورونا، كانت ناقشت في اجتماعها المنعقد في 19 أبريل (نيسان) الماضي، مجموعة من المحاور الأخرى التي تصبّ في دعم الأداء الاقتصادي لبعض القطاعات والنشاطات المتأثرة، من أبرزها تخصيص حصص معينة من حزم التحفيز المرصودة من المصرف لدعم شركات التأمين الوطنية، وتسهيل التمويل بضمان الأسهم، وما يرتبط بها من وضع ضوابط مناسبة للاستدعاء والتسييل والضمانات الأخرى في هذا الصدد حسب ما جاء على موقع وزارة الاقتصاد.
الكويت دعّمت القطاعات الاقتصادية الحيوية
وأعلنت الكويت في أبريل الماضي إقرار حزمة الدعم الاقتصادي للتخفيف من آثار الإجراءات الحكومية لمواجهة فيروس كورونا المستجد على القطاعات الاقتصادية، عبر دعم القطاعات الاقتصادية الحيوية من أفراد ومشروعات صغيرة ومتوسطة وشركات، ومساعدتها على تخطي الظروف الراهنة عبر توفير السيولة اللازمة لتلك الكيانات، لمواجهة ما عليها من التزامات.
وشملت هذه التدابير تقديم قروض بشروط ميسرة وطويلة الأجل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة عن طريق تمويل مشترك من البنوك المحلية والصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
قطر تؤجّل عقوداً بقيمة 8.2 مليار دولار
وأظهرت نشرة إصدار السندات التي اطّلعت عليها "رويترز" أن قطر طلبت من الحكومة تأجيل 8.2 مليار دولار في عقود غير مشمولة بمشروعات الإنفاق الرأسمالي بسبب تفشي فيروس كورونا.
وقالت الدولة الخليجية، في الوثيقة المؤرخّة في السابع من أبريل، إن انتشار الفيروس "يؤثر سلباً في الاقتصاد القطري والأسواق المالية، وقد يؤدي إلى الركود". وكانت قطر وجّهت بدعم وتقديم محفزات مالية واقتصادية بمبلغ 75 مليار ريال قطري للقطاع الخاص.
البحرين تعتزم إنفاق 571 مليون دولار
البحرين أعلنت أنها تعتزم إنفاق نحو 215 مليون دينار بحريني (571 مليون دولار) على رواتب 100 ألف موظف في القطاع الخاص من أبريل إلى يونيو (حزيران) المقبل. وقررت حكومة البحرين التكفل بقيمة فواتير الكهرباء والماء لكل المشتركين من الأفراد والشركات في الأشهر الثلاثة المقبلة، بما لا يتجاوز فواتير الفترة نفسها من العام الماضي لكل مشترك بقيمة إجمالية تقدر بـ150 مليون دينار بحريني (398 مليون دولار أميركي).
وأعفت الحكومة المؤسسات الصناعية والتجارية من رسوم استئجار الأراضي الصناعية الحكومية عن أبريل ومايو (أيار) ويونيو من العام الحالي. وشملت الإعفاءات المنشآت والمرافق السياحية من رسوم السياحة عن الفترة نفسها.
عُمان توفر سيولة في حدود 20 مليار دولار
وفي سلطنة عمان، أصدر البنك المركزي مارس الماضي، عدداً من التوجيهات لكل البنوك وشركات الصرافة وشركات التمويل العاملة بالسلطنة، تتضمن حزمة من الإجراءات التحفيزية والاحترازية، التي من المتوقع أن توفّر سيولة إضافية متاحة في حدود 8 مليارات ريال عماني (20 مليار دولار)، بهدف احتواء تداعيات الأوضاع الراهنة على أداء الاقتصاد الوطني.
وشملت الإجراءات التحفيزية تخفيض متطلبات رأس المال الوقائي 50 في المئة، من 2.5 في المئة إلى 1.25 في المئة، وتأكيد تسهيل الإقراض في القطاعات التي ربما تتأثر بالأوضاع الراهنة، بما فيها قطاعات الرعاية الصحية والسفر والسياحة.