في الوقت الذي تسبب فيه وباء كورونا في إغلاق الأعمال التجارية على مستوى العالم، تهدد الاضطرابات بقطع سلاسل التوريد وزيادة انعدام الأمن الغذائي. ولكن ماذا عن المنطقة العربية والخليجية تحديداً؟، حيث إن 80 في المئة من احتياجات دول الخليج الغذائية تأتي من الخارج، بينما أعلنت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا"، أنه بسبب الاعتماد الكبير على الواردات الغذائية داخل العالم العربي، فإن انقطاع الإمدادات الطبية العالمية للتعامل مع الوباء سيكون له تأثير شديد في الأمن الغذائي هناك.
إغلاق الحدود، والقيود المفروضة على الحركة، والاضطرابات في صناعات الشحن والطيران جعل من الصعب مواصلة إنتاج الأغذية، ونقل البضائع على الصعيد الدولي، مما يعرض البلدان التي لديها مصادر غذائية بديلة قليلة إلى خطر كبير. ودفع الحكومات الخليجية لإعادة فتح ملف الأمن الغذائي في توقيت الأزمة الراهنة في ظل التهديدات التي تواجه الإمدادات الغذائية للمنطقة العربية والخليجية بشكل خاص، بالإضافة إلى فقدان الغذاء وهدره، الذي تبلغ قيمته حوالي 60 مليار دولار سنوياً في جميع أنحاء المنطقة العربية. ووفقاً للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، فإن الحد من فقد الغذاء وهدره بنسبة 50 في المئة يرفع دخل الأسر في المنطقة العربية بنحو 20 مليار دولار.
قانون الخزن الغذائي
وكان قد عُقد اجتماع استثنائي تحضيري ثانٍ عن بُعد لوكلاء وزارات التجارة بدول مجلس التعاون الخليجي في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي، حيث تتولى الإمارات رئاسة دورة المجلس حالياً، لمتابعة تطورات أزمة انتشار كورونا، واستكمال آليات العمل الخليجي المشترك للحد من آثارها في الاقتصاد والتجارة بدول المجلس.
الاجتماع ركز في ذلك الوقت على أوجه التعاون في المخزون الاستراتيجي الغذائي، حيث تم بحث إيجاد قانون الخزن الغذائي على المستوى الخليجي، في ضوء القانون الاتحادي الذي أصدرته دولة الإمارات بشأن تنظيمه. كما ناقش الورقة المقدمة من الكويت بشأن إنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة موحدة لدول مجلس التعاون.
وأكد وكيل وزارة الاقتصاد للشؤون الاقتصادية الإماراتية محمد أحمد بن عبد العزيز الشحي، الذي ترأس الجلسة في ذلك الوقت، أهمية إيجاد قانون خليجي للخزن الغذائي، استناداً إلى القانون الاتحادي للإمارات بشأن المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، الذي تم صدوره أخيراً. موضحاً أن القانون سيمثل نواة مهمة لاستصدار تشريع مشابه على المستوى الخليجي.
كما أكد الشحي، أهمية الورقة التي طرحتها الكويت بتعزيز التشاور والتعاون في إنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة موحدة لدول مجلس التعاون، مشيراً إلى أن مثل هذه المبادرات الفعالة من شأنها أن تسهم في دعم الأهداف المشتركة لدول المجلس بهذا القطاع الحيوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تزايد مستويات الفقر وسوء التغذية في المنطقة
وبحسب اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا"، سيكون فيروس كورونا مسؤول عن دفع 8.3 مليون شخص إضافي في المنطقة العربية نحو الفقر. ويمكن أن يؤدي إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون نقص التغذية هناك بنحو مليوني شخص.
وتشير التقديرات الحالية إلى أن هناك حوالي 101.4 مليون بالمنطقة يعيشون بالفعل في فقر وفقاً للمعايير الرسمية، وحوالي 52 مليون شخص يعانون نقص التغذية. وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" في تقرير صدر أواخر الشهر الماضي، "لا تزال رفوف المتاجر الكبيرة مخزنة حتى الآن" ، لكن أزمة الجائحة الممتدة يمكن أن تضع ضغطاً على سلاسل الإمداد الغذائي، وهي شبكة معقدة من تفاعلات تشمل المزارعين والمدخلات الزراعية ومصانع التجهيز والشحن وتجار التجزئة.
وقال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في مارس (آذار) الماضي، إن شركات الطيران أوقفت آلاف الطائرات والموانئ، وأغلقت حاويات المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المنتجات على الطرق المعبدة ومناطق الاحتجاز.
كورونا وتحديات الإمدادات الغذائية
وكان ثانوات تينسين، رئيس لجنة الأمن الغذائي العالمي، قد حذر في ورقة الشهر الماضي، من أن عدم الاستقرار المتزايد في الإمدادات الغذائية العالمية سيؤثر في أفقر المواطنين. وبحسب الورقة يعد الأمن الغذائي والسياسات الزراعية عاملاً رئيسا لتمكين البلدان من قتال الأوبئة الفيروسية والصدمات التي تسببها في سلاسل الإمداد الغذائي، من خلال ضمان الأداء الطبيعي.
وقال رئيس لجنة الأمن الغذائي العالمي، إن الوقت قد حان لخطوات دقيقة ومدروسة لضمان استمرار وصول المواد الغذائية إلى الأسواق بطريقة منظمة وفي الوقت المناسب، بما يسمح للعاملين في مجال الأغذية بمواصلة الزراعة والحصاد.
تعزيز الأمن الغذائي الخليجي
وقال عيسى الغرير، المدير العام ورئيس مجلس إدارة عيسى الغرير للاستثمار، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن أزمة فيروس كورونا ستشكل هاجساً للبلدان الخليجية لإعادة فتح ملف الأمن الغذائي، وضرورة تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي الخليجي، ونتوقع طفرة نوعية في المستقبل القريب. وأضاف، بطبيعة الحال هناك منتجات غذائية أساسية كالقمح من الصعب استزراعها في الخليج ليس فقط بسبب الطبيعة الصحراوية للمنطقة الخليجية ونوع التربة وإنما توفير المياه في بيئة صحراوية.
وأضاف، "بدأ موسم الحصاد للأرز في باكستان في إقليم السند وبلوشستان وصولاً بالبنجاب حيث يستمر موسم الحصاد حتى شهر مايو (أيار) المقبل، وفي ظل تفشي فيروس كورونا ستتجه الدول المنتجة للأرز على سبيل المثال لتوفيره للاستهلاك الداخلي بدرجة أكبر، حيث عادة ما يكون الإنتاج موجه للتصدير مما يشكل تحدياً لتوفير هذا المنتج الغذائي الأساس. وشهدنا قلة في توافره خلال المرحلة الراهنة، ولكن هذا يشكل أيضا تحدياً للدول المنتجة للأرز، ويضع ضغوطاً عليها، فيما يتعلق بالقبول بهم كموردين مستقبلاً في حال تخلوا عن توفير الأرز في توقيت الأزمة الراهنة.
النظم الغذائية المرنة والمستدامة
وبحسب ثانوات تينسين، فإن الوضع الراهن في ظل تفشي فيروس كورونا في العالم، يمكن أن يمثل فرصة لتسليط الضوء على أهمية تعزيز الإدارة الحكومية لأسواق الغذاء، وحماية السكان المهمشين الذين لديهم طاقة وموارد أقل للتكيف مع مثل هذه الأزمة التي لا يمكن التنبؤ بها، وصعوبة الوصول إليها.
ودعا إلى بذل الجهود لتعزيز النظم الغذائية المرنة والمستدامة. وأشار إلى أن لجنة الأمن الغذائي العالمي وضعت توصيات يمكن استخدامها في هذا المنعطف، وخاصة المبادئ المتعلقة بـالاستثمار المسؤول في النظم الزراعية والغذائية، وتوصيات السياسة المختلفة للجنة الأمن الغذائي العالمي مثل الحماية الاجتماعية، وفقدان وهدر الغذاء، والزراعة المستدامة.
تراجع الإنتاج الزراعي العربي
وبحسب تقرير للأمم المتحدة بعنوان، "الأفق العربي 2030: آفاق تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة العربية"، فإن من بين تحديات الأمن الغذائي التي تواجه المنطقة العربية نقص التغذية، والفقر، وانخفاض الإنتاجية الزراعية في ظل الندرة الطبيعية. ويظل الاعتماد على الاستيراد الغذائي من التحديات المركزية التي سيواجهها العالم العربي حتي بعد عام 2030.
وأشار التقرير إلى أن الطلب على الغذاء في المنطقة العربية قد تجاوز الإنتاج الزراعي المحلي، بسبب معدل النمو السكاني السنوي بالمنطقة، الذي يقدر بـ2 في المئة مقارنة بالمعدل العالمي 1.1 في المئة، إلى جانب بطء النمو بالمحاصيل الزراعية.
وقال التقرير، إنه بالإمكان زيادة إنتاج المحاصيل من خلال توسيع الأراضي المزروعة أو زيادة الغلال، مع بعض الاستثناءات مثل السودان، وأشار إلى أن هناك مساحة صغيرة لتوسيع الأراضي المزروعة بسبب ندرة الأرض المناسبة ومحدودة توافر الموارد المائية خلال الـ20 سنة الماضية.
وأضاف، أن مساهمة الغلال في مكاسب إنتاج الحبوب كانت 37 في المئة بالمنطقة مقارنة بـ95 في المئة عالمياً. محذراً من أن الطلب على الغذاء بالمنطقة العربية في عام 2030، سيستمر في تجاوز الإنتاج المحلي، ويرجع ذلك جزئياً إلى سرعة النمو السكاني والنمو البطيء للعوائد مع تخلف الإنتاج المحلي، ومتطلبات الاستهلاك، فلا تزال المنطقة تعتمد على السوق العالمية لتلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية.