"أُكْرُكْ عَجَمْ" لطالما رُدّدت هذه العبارة في بلاد الشام للدلالة على جودة الشاي، المشروب الذي يُعتبر الأوّل عالمياً بعد الماء. وتعني هذه العبارة أن الشاي معدٌّ بطريقة فاخرة ونقية في إبريق "أكرك" ويُسمى أيضاً "كركة"، مصنّع في تركيا "عجمي"، يحمي الماء من آثار حطب المدفأة العادية، إذ كان يُعدّ في إبريق بلا غطاء. أما الإبريق العجمي فكان غالي الثمن ولا يملكه سوى الأثرياء. وله أسماء أخرى مثل "الخمير والفطير" و"السماور".
شاي الصدفة
في أكثر الرويات المتداولة حول اكتشاف الشاي كمشروب، أنّه منذ أكثر من 6000 عاماً كان أمبراطور صيني يدعى شينيونغ مولعاً بالأعشاب لدرجة أنه تسمم أكثر من 72 مرة، وكان يشرب الماء المغلي في حديقته، طارت ورقة من شجرة الشاي واستقرت في فنجانه، فحوّلت لون الماء الصافية، وما إن تذوّقه حتى اعتمده كمشروبٍ يومي، وأصبح يقدّمه لزواره. وبهذا تكون مصادفة تواطأت مع الريح التي حملت الورقة اليابسة إلى فنجان الأمبراطور لتعطي شجرة الشاي شأنها. وانتقلت من الصين إلى اليابان والهند وأوروبا ثم أميركا.
وعلى الرغم من المنشأ الصيني فإن أكثر الدول استهلاكاً للشاي للفرد الواحد هي تركيا وإنكلترا وروسيا، بينما تحلّ الصين في المرتبة العاشرة.
وأصبح الشاي مشروباً مرغوباً لدى العرب في بدايات القرن التاسع عشر. وتُعدّ مصر والسعودية إحدى أكثر الدول العربية استهلاكاً له، الذي يُعتبر مشروباً عائلياً واجتماعياً بامتياز.
الشاي الأرستقراطي
دخل الشاي إلى أوروبا من باب الملوك والأمراء وطبقة الأثرياء من فرنسا إلى البرتغال إلى بريطانيا وسائر أوروبا. وكان الأغنياء فقط يحتسون هذا المشروب المستورد من الصين في منتصف القرن السادس عشر. وفي بريطانيا بلغ سعر كيلو الشاي حينها 22 جينهاً إسترلينياً، ما قيمته اليوم ألفي جنيه (2472 دولاراً أميركياً)، وكانت الضريبة لاستيراده 119 في المئة، ما زاد التهريب والغش إلى أن خُفضت الضريبة وأصبحت حوالى 12 في المئة.
وكانت الصين المصدر الأول للشاي، تبادله بالفضة مع بريطانيا التي أرادت المقايضة بالأفيون، ما جعل المجتمع الصيني مدمناً، وأشعل ما سُمي حرب الأفيون في القرن التاسع عشر بين الصين وبريطانيا التي نجحت في أخذ أشجار الشاي إلى الهند التي كانت تستعمرها، وبدأ بعدها الشاي انتشاره الأوسع، ومع مرور الوقت وكثرة الإنتاج أصبح بمتناول كل الطبقات.
ماذا نشرب بعد الشاي؟ الشاي!
تخبر التركية آيشاغول أوزديلير موقع "اندبندنت عربية" أن الأتراك يشربون الشاي الأسود من دون إضافة أي شيء، فهم بالكاد يضيفون السكر، ويعتبر البعض أنه يدمّر نكهة الشاي الحقيقية. ويشربون عادةً الشاي التركي الذي يُزرع في شمال تركيا في منطقة البحر الأسود، والذي يحضَّر في إبريقين الأول يحتوي على الماء ويكون معرّضاً للنار، والثاني أصغر يوضع على فوهة الإبريق الأول وفيه الشاي. يغلى الماء ويصب القليل منه فوق الشاي الجاف، ويصبح جاهزاً بعد حوالي ربع ساعة. ويُصَب ويُشرب ساخناً في أكواب صغيرة من دون قبضة "تشبه جسد المرأة"، كما تشير آيشاغول. ويُضاف إليه بعد سكبه الماء المغلي لتخفيفه، مع أن الأكثرية يفضّلون الطعم القوي، واللون الغامق.
وتقول آيشاغول إن أول ما يفعله شخص تركي حالما يستيقظ هو وضع الشاي على النار، أما ما يفعله طوال النهار فهو عدم التوقف عن شربه. مع الفطور بمعدل أربعة أكواب وبعده، وقبل الظهر وبعد الظهر وفي المساء. وتضيف "نشرب الشاي ونحن نائمين". ولا يمرّ يوم بأقل من 10 إلى 15 كوباً من الشاي الذي يسمونه "تشاي".
وتخبر أن القهوة لا تنافسه، فمن البديهي عند حضور الضيوف تقديم الشاي، وتكون القهوة إضافة. وكذلك فإن الزهورات والأعشاب منتشرة جداً، ولكنها مجتمعة مع القهوة لا تصل إلى مرتبة الشاي.
أما الشاي الأخضر فتقول إنّه أصبح رائجاً منذ حوالى 4 سنوات لأغراض الحمية وإنقاص الوزن. ولا يغني عن الشاي الأسود.
مشروب كل مزاج
وتقول آيشاغول في السياق ذاته إن "الشاي هو دواء كل شيء لدينا، للحرارة والبرودة، للحزن والفرح، والحب والاشتياق والمعاناة والنسيان... لكل شيء يوصي الأتراك بالشاي".
في سياق متصل، تقول الروسية ماريّا كرازنوفا إنه على الرغم من بدء النهار بكوب قهوة في بلادها، إلا أن الشاي يرافق اليوم كاملاً. ويُعدّ مشروب فترة الراحة والانتعاش، بعد يوم عمل متعب، وكذلك لأي نوع من اللقاءات، مشيرةً إلى أن الدعوة إلى تناول فنجان شاي تشكل مفتاحاً للتواصل مع الناس للعمل أو الاستمتاع، فالناس "يشعرون بالراحة أكثر عند لقائهم حول فنجان شاي".
وتشير أنه في يوم عمل عادي يصل معدّل استهلاك الفرد إلى ما بين 8 و10 فناجين، وقلائل مَن يكتفون بفنجان واحد. أما عن حجم الأكواب فتشير ماريّا إلى أنه ليس صغيراً أبداً فعادة ما يكون بين 300 و400 ملل، ويصل إلى نصف ليتر.
وتضيف أن معظم الروس يضيفون السكر إلى الشاي الأسود الأكثر استهلاكاً، ويقدمونه مع المقبلات والأجبان والحلويات. كما أن "تناول الشاي لدى الجدات يعني طاولة ممتلئة بالأطايب"، وأحياناً يضاف إليه النعناع أو الأعشاب الجبلية.
وتشير كرازنوفا إلى نوع آخر من الشاي يُستهلك في سيبيريا يدعى إيفانIvan وهو نبتة طبية، ولكنّ شربه ليس منتشراً جداً في بقية أنحاء روسيا. في حين تحدثت مواطنتها أولغا إيسايفا عن تناول الشاي كمشروب شعبي في كل الأوقات في روسيا، يُحضّر بإبريقين، واحد من الشاي المركّز والآخر من الماء المغلي. وتضيف أولغا أن الشاي الأسود يُقدّم إلى الضيوف بفنجان رسمي مع صحن، أما للأصدقاء فيقدّم بكوب كبير. كما أن استهلاك الشاي الأخضر لا بأس به في البلاد ولكن من دون إضافة السكر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الشاي كمشروب صحي
من جهة أخرى، تخبر ريتا حداد أختصاصية التغذية البشرية وعلم الحمية، التي انضمت أخيراً إلى جمعية حماية الطبيعة، وتعمل على مشروع يختص بالشاي والأعشاب، أن الشاي يصنع من أوراق شجرة الكاميليا الصينية، وينقسم إلى 4 أنواع: الأخضر، الأسود، الشاي الصيني المعروف بأولونغ، والشاي الأبيض.
وتشرح حداد أن الشاي الأكثر شيوعاً واستهلاكاً في العالم هو الأسود، ويُصنع من الأوراق المجففة والمخمّرة والمعتّقة التي تصبح عالية الأكسدة. ويضم نسبةً عالية من الكافيين لكنها تبقى أقل من القهوة. من فوائده أنّه مضاد للأكسدة، ويعزز صحة الأمعاء، ويساعد على خفض ضغط الدم والتقليل من الإصابة بأمراض القلب وتصلّب الشرايين، ويقلل من خطورة الإصابة بهشاشة العظام ومرض الباركنسون "الشلل الارتعاشي"، ويعزز نسبة التركيز واليقظة بفضل مادتي التانين والكافيين.
وتضيف حداد أن الشاي الأخضر أيضاً يحتوي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة، وتناوله صباحاً يساعد على اليقظة والتنبه، الأمر الذي ينعكس على عمل الدماغ والمزاج. ويساعد على التخفيف من خطر الإصابة بسرطان القولون والمعدة، وهو جيد للمصابين بالسكري. أما الشاي الأبيض هو الأندر والأعلى تكلفة، لأنه يُحصد مرّة واحدة فقط في الربيع، فيتمّ جمع براعمه وأوراقه الطرية وتجفيفها من دون تعريضها للتخمير. في حين يُخمّر الشاي الصيني أو الـ"أولونغ" جزئياً، وتقول إنّ فوائده لا تنحصر في التركيز والوعي، إنما بتخفيف خطورة الإصابة بسرطان المبيض، والوقاية من سرطان الكبد، ويخفض نسبة السكر في الدم، وضغط الدم المرتفع. ويساعد على تكسير الشحوم التي تؤدي إلى إنقاص الوزن.
وتوصي ريتا حداد بتناول الشاي على أنواعه صباحاً لأنه يساعد في القدرة على التركيز وتحفيز اليقظة، وعدم شربه أثناء تناول الطعام بل بين الوجبات كي لا يمنع امتصاص الحديد في الجسم. كما يُفضَّل عدم تناوله ليلاً بخاصة من قِبل الأشخاص الذين يعانون من الأرق. ويُستحسن عدم تخطي تناله، ثلاثة إلى أربعة أكواب في اليوم. وتضيف أن مَن يعاني من فقر الدم والنقص في الحديد يفضّل عدم تناوله الشاي بنسبة عالية.
وصفة شاي مثلج
تقدّم أختصاصية التغذية وصفة للشاي المثلج منزلياً كبديل عن العصائر والمشروبات الغازية لحماية الجسم من الجفاف. وتقول "نضع ظرف شاي في كوبَي ماء مغلي مدة خمس دقائق، ونحلّيه بسكر نباتي أو عسل أو مستخلص عشبة الستيفيا. ويُترك في إبريق حتى يبرد تماماً، ونضيف الثلج وشرائح الحامض والنعنع، أو فواكه كالأناناس أو الكيوي، أو التوت، أو الدراق لنكهة رائعة ومنعشة".