بعد ساعات على قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانسحاب من الاتفاقيات مع إسرائيل، بدأت القيادة دراسة آليات تنفيذ القرار وتداعياته على السلطة الوطنية ووجودها.
ومنذ عشرة أيام، تُواصل الحكومة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقيادة حركة فتح البحث عن سبل تضمن استمرار السلطة في تقديم خدماتها في ظل قطع العلاقات مع إسرائيل، ومن ضمنها التنسيق الأمني بين الجانبين.
ويبدو ذلك القرار الذي يُوصف "بالتاريخي والمصيري" بلا أرجل لتطبيقه، مع تحكّم إسرائيل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الفلسطينينن وسيطرتها على المعابر الحدودية وامتلاكها اليد العليا في المناطق الفلسطينية.
وفي ظل إعلان وقف التنسيق الأمني بين الجانبين، يتخوّف المسؤولون الفلسطينيون من تجاوز تل أبيب السلطة في رام الله، والتعامل مباشرة مع الأفراد منهم وهيئات حكمهم المحلية وقطاعهم الخاص.
وتستخدم إسرائيل منذ سنوات وسائل عدّة للتواصل مباشرة مع الفلسطينيين، منها صفحة "المنسّق" على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتابعها مئات الآلاف منهم، لمعرفة وضع الحواجز والمعلومات في شأن تصاريح دخولهم إلى القدس وإسرائيل.
ويُطلق اسم "المنسّق" على وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أو ما كان "يُسمّى الإدارة المدنية" أو "الحاكم العسكري"، وهو الذراع الإسرائيلية للتحكم في حياة الفلسطينيين، إذ تتولّى الوحدة تنسيق نقل المرضى منهم ودخول آخرين إلى إسرائيل وتصديرهم البضائع الفلسطينية إلى تل أبيب والخارج.
قديمة جديدة
ومنذ أيام، بدأت حملة شعبية فلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة صفحة "المنسّق" تحت عنوان "يا عندي يا عند المنسّق".
وإثر ذلك انخفض عدد معجبي الصفحة على "فيسبوك" مئة ألف شخص ليصل إلى 563607 في حملة شعبية عفوية بلا رأس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتنتشر على صفحة "المنسّق" تعليقات لفلسطينيين تشيد بجهود "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، فيما يعتبر عدد كبير منهم أن تلك العلاقة غير متوازنة بين شعب ودولة.
"الهدف من الحملة هو طرد إسرائيل من بيوتنا ومن الفضاء الإلكتروني، وعدم المساهمة في تجميل وجهها عالمياً وعربياً"، يقول أحد القائمين على الحملة أيمن الشيخ، مضيفاً أن "الحملة انتشرت كالنار في الهشيم تعبيراً عن السخط من الاحتلال وأداوته".
ويقول الشيخ إن "الحملة قديمة جديدة ظهرت قبل عامين، لكنها لم تلقَ التجاوب المطلوب، وبعد قرار الانسحاب من الاتفاقيات مع إسرائيل لقيت تفاعلاً كبيراً من جانب الفلسطينيين".
"مزاعم الحملة"
وفي ردها على ذلك، نفت المتحدثة باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية سبير زيبكين، في حديث مع "اندبندنت عربية"، "مزاعم الحملة"، مضيفةً أن "صفحة المنسّق تهدف إلى إعطاء المعلومات للفلسطينيين وتقديم خدمات رقمية في شأن التجارة والاقتصاد والحركة وإمكانية الوصول والزراعة والبيئة والمواصلات والبنى التحتية وغيرها".
جزء من القوة الناعمة لإسرائيل
وترى مديرة مركز الدراسات الاسراتيجية هنيده غانم أن صفحة "المنسّق" ترمي إلى إشعار الفلسطينيين بأن إسرائيل هي من يمتلك "اليد العليا في كل تفاصيل حياتهم وأن السلطة الفلسطينية ليست سوى رئيس مجلس محلي".
وتقول غانم إن الصفحة "تُعتبر جزءًا من القوة الناعمة لتل أبيب بغية تمرير رسائلها بالتهديد أو التطمين ورفع العصا والجزرة، ونشر الرواية الصهيونية وتغيير الوعي الجمعي الفلسطيني".
وتعرب عن اعتقادها بأنّه "لا يمكن النظر إلى الحملة بمعزل عن جهود إسرائيل لتطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية"، مشيرةً إلى أن وجود السلطة الفلسطينية مصلحة استراتيجية لتل أبيب شرط أن تكون خاضعة لأجندتها وتستمرّ بالتنسيق الأمني معها.
وتشدّد غانم على أن "خروج السلطة عن هذا الدور سيُقابَل بمحاولة إسرائيلية لتحجيم دورها بهدف إعادتها إلى دورها الأصلي"، مضيفةً أن "الأمور متدحرجة ومن المبكر الحكم بجدية قطع العلاقات كلها ومحكومة بما سيحصل بعد يوليو (تموز) وحجم الضمّ ونوعه".