أثار ظهور الرئيس السوداني السابق عمر البشير بكامل أناقته بالزي الوطني، العمامة والجلباب الفاخرتين، أمام لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال لنظام الثلاثين من يونيو (حزيران)، جدلاً واسعاً في الأوساط الاجتماعية والسياسية والقانونية السودانية.
ويستنكر كثيرون تنقل الرئيس السابق المسجون بسيارة فارهة مظللة، على الرغم من كونه مداناً بصدور حكم نهائي بحقه، لمدة عامين، في قضية حيازة نقد أجنبي وتكسبه وتداوله والتعامل به بشكل غير شرعي.
وتساءل كثيرون، عما إذا كان الرئيس السابق لا يزال يتمتع بحصانة تخوله عدم ارتداء الزي المخصص لنزلاء السجون، معتبرين ظهوره بتلك الملابس الفاخرة استفزازاً لمشاعر الشعب السوداني الذي ثار ضده وأسقطه، في ثورة قُتل فيها أكثر من مئة مواطن ومواطنة، إضافة إلى ضحايا نظامه في دارفور طوال ثلاثين عاماً.
محكوم أم منتظر
وتركز الجدل حول التكييف القانوني لوضع الرئيس المخلوع البشير الموجود بسجن كوبر، وما إذا كان منتظراً، أم نزيلاً محكوماً، بعد الحكم الذي صدر بحقه، بتسليمه إلى مؤسسة اجتماعية إصلاحية، بموجب ما يعرف بتدابير الشيوخ بالمادة 48 من القانون الجنائي.
يُوحي ذلك بأن وجوده في السجن ليس تمضية لفترة حكم، بل انتظار، بسبب بلاغات أخرى يواجهها، في اتهامات بتدبير انقلاب يونيو (حزيران) 1989، وإعدام الضباط، فضلاً عن كونه مطلوباً من المحكمة الجنائية الدولية.
وفي السياق ذاته، أقر المحامي المعز حضرة، في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، بوجود ربكة وغموض بشأن الموضوع، مبيناً أن الرئيس المخلوع رجل محكوم ومدان، إلى جانب كونه منتظراً في قضايا أخرى، وذلك يعتبر كافياً لارتداء زي النزلاء.
وأضاف حضرة، "الرئيس المخلوع رجل مدان ومحكوم بغض النظر عن العقوبة، وحكم عليه بالإيداع في مؤسسة إصلاحية، وفق تدابير الشيوخ الورادة بالمادة 48 من القانون الجنائي، وذلك يمثل إدانة وعقوبة، فكون المحكمة رأت تخفيف العقوبة، فذلك لا يعنى أنه غير مدان أو محكوم، يجب أن يعامل كبقية المحكومين، وتلك مسؤولية إدارة السجون".
استفزاز مشاعر الشعب
وعلى صعيد متصل، اعتبر القاضي السابق سيف الدولة حمدنا الله، في مقال نشره على حسابه في "فيسبوك"، وتداولته وسائط التواصل الاجتماعي بكثافة، أنه "لا يكفي النظر إلى موضوع الملابس الفاخرة التي يظهر بها السجين عمر البشير، أثناء حضوره جلسة تحقيق، باعتبار أنها تمثل استفزازاً لمشاعر الشعب وضحايا الجرائم التي أقدم عليها أو حصلت خلال فترة حكمه بحسب الرأي المتواتر الذي انتشر على وسائط التواصل الاجتماعي، لكنه أمر تقضي به نُظم السجون".
ويضيف "نزيل السجن أو الإصلاحية لا تكون لديه الحرية في اختيار الملابس التي يرتديها، وبمجرد صدور الحكم يتم تجريد النزيل من ملابسه الخاصة ويُلزم بارتداء ملابس محددة ومعروفة، رُوعي في تصميمها- كما هي الحال في كل سجون العالم- سلامة النزيل وزملائه في السجن، وذلك بأن تكون أي قطعة من الملابس غير صالحة لأن تُستخدم كأداة يمكن أن يؤذي بها السجين نفسه أو غيره من النزلاء أو الحرّاس، وتقضي النُظم تجريد النزيل من القطع المعدنية التي يضعها على يديه (مثل الدِبلة والخاتم) للسبب ذاته".
سوابق مماثلة
ويستطرد، حمدنا الله، "كانت الملابس التي يرتديها النزيل في سجون السودان منذ عهد الاستعمار وكذلك في بلاد العالم الأخرى، تتألّف من قطعتين من دون زوائد عليها أو أزرار، ويُسمح للسجين بغطاء رأس صغير (طاقية)، ولا يُسمح له بارتداء العمامة لأنها تصلح كي تُستخدم أداة يؤذي بها النزيل نفسه، أو غيره، أو تمكّنه من إزهاق روحه كما يحدث كثيراً داخل السجون"، مشيراً إلى أنه ولأغراض النظام الداخلي للسجون، لا بد من أن يكون زي النزلاء مُوحّداً، ولا يسمح لأي نزيل بتمييز نفسه بارتداء ملابس من اختياره حتى لو كانت آمِنة أو السماح له بذلك من مدير السجن".
ويشيرالقاضي السابق إلى سوابق مماثلة بقوله، "لقد رأى أبناء جيل ثورة أبريل التي أطاحت بنظام مايو (أيار)، نائب الرئيس جعفر النميري وعدد من وزراء حكومة مايو، وهم في ملابس السجن، وشاهد العالم عدداً من رؤساء الدول بملابس السجن بعد صدور أحكام قضائية عليهم، وآخر هؤلاء كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك".
ويعتبر حمدنا الله "ما حدث تجاوزاً يستوجب من وزارة الداخلية التحقيق فيه، ومحاسبة المسؤولين عنه لكون هذه الواقعة تشكل إخلالاً بالقواعد والأنظمة، وليس لكونها إيذاءً لمشاعر الضحايا فحسب".
منع ارتداء البشير للجلابية
وفي تطورلاحق، كشف محمد الحسن الأمين، محامي الرئيس المخلوع البشير لـ"اندبندنت عربية"، عن صدور قرار إداري من مدير سجن كوبر بمنع البشير من ارتداء الجلابية والعمامة، وتحديد زي مخصص له عبارة عن بدلة بيضاء، باعتبار وجوده داخل السجن.
وأوضح الأمين، "صحيح أن البشير مدان، لكنها إدانة مختلفة، بموجب تدابير الشيوخ التي قضت بإيداعه بمؤسسة رعاية إصلاحية، لكن نظراً إلى عدم وجود إصلاحيات أحضر إلى سجن كوبر، ما يعني أن وجوده بالسجن مجرد مصادفة، غير أن إدارة السجن رأت أنه لطالما هو موجود بالسجن، فستطبق عليه اللوائح المنظمة لوجود النزلاء".
وأكد محامي البشير، أنه سيتقدم باستئناف ضد هذا القرار الإداري بالزامه بلبس محدد، لكل من وزير الداخلية ومدير السجن، لاعتقادهم بأن البشير موجود بسجن كوبر، بصفته منتظراً وليس محكوماً، مشيراً إلى أنه يعتبر الزي الذي قررته إدارة السجن وفق سلطاتها واختصاصاتها، في منطقة وسط بين زي النزلاء والزي العادي.
قواعد معاملة النزلاء
في المقابل، قال مصدر بإدارة السجون، لـ"اندبندنت عربية"، إن المادة 27 من لائحة تنظيم العمل في السجون لعام 2013، تنص على ارتداء النزلاء المحكومين ملابس السجن المميزة، بينما تمنح غير المحكومين من المنتظرين، الحق بالملابس الخاصة، ولا تصرف لهم ملابس السجن إلا إذا كانت ملابسهم الشخصية غير صالحة أو لا يملكون ملابس.
وأضاف، أن "المادة 15 من قواعد الحد الأدنى لمعاملة النزلاء، الصادرة في لاهاي عام 1955، تنص على أن يؤذن للسجين بارتداء ملابسه الخاصة، أو أي ملابس غير لافتة للأنظار، في المناسبات الاستثنائية التي يرخص فيها للنزيل بالخروج من السجن، وعلى حق كل سجين بارتداء ملابسه الخاصة، وأن يزود بملابس تتناسب مع الطقس، وتكفي للمحافظة على صحته، ولا يجوز بأي حال، بحسب القاعدة الدولية 15 تحقيرالسجين".
الحكم المخفف
وكان القضاء السوداني قد دان الرئيس البشير وحكم عليه، تخفيفاً بالإيداع عامين في مؤسسة إصلاح اجتماعي، مع مصادرة الأموال التي حصل عليها في قضية حيازة وتداول النقد الأجنبي بشكل غير قانوني، والربح غير المشروع.
ووفق القانون الجنائي السوداني، يحاكم المدان بتلك الاتهامات، بالسجن لمدة عشر سنوات، لكن عمدت المحكمة إلى تخفيف الحكم على البشير إلى سنتين يمضيهما في مؤسسة إصلاحية اجتماعية بحكم تجاوزه السبعين عاماً.
وشهدت الجلسة الختامية للنطق بالحكم في وسط الخرطوم صخباً واعتراضات، وهتافات من عدد من الحاضرين أثناء تلاوة القاضي الأحكام التي ينصها القانون الجنائي في مثل الاتهامات الموجّهة للرئيس المخلوع، قبل أن يعلن تخفيف الحكم على المدان، إعمالاً بنص الفقرة الثالثة، من المادة 48 من القانون الخاصة بتدبير كبار السن، بإيداعه في إحدى مؤسسات الإصلاح الاجتماعي.