واصلت تركيا تجاهلها الجهود الدولية والدعوات إلى وقف التصعيد العسكري في ليبيا ونقل السلاح والمقاتلين إلى أطراف النزاع فيها. إذ واصل المسؤولون في أنقرة نفيهم أي نية للتراجع عن الأهداف والطموحات التوسعية في ليبيا.
وعلى خط موازٍ، تتكثّف الجهود الدبلوماسية العربية لقطع الطريق على محاولات التصعيد التركية، من خلال الدعوة إلى الحوار السياسي. وكان لافتاً الانخراط السعودي الملحوظ في الملف الليبي، للبحث عن سبيل للخروج من النفق المظلم للنزاع، في البلد الشمال أفريقي.
في الأثناء، تعتبر مصادر عدة داخل ليبيا وخارجها، مواصلة تركيا نقل السلاح والمقاتلين إلى الغرب الليبي، لدعم حكومة الوفاق، مؤشراً إلى نيّة أنقرة القيام بعمل عسكري قريب، عند خطوط التوتر في سرت والجفرة، على الرغم من التحذيرات الموجهة إليها من كل حدب وصوب. وأكد الجيش الوطني الليبي رصد تلك التحركات، محذراً من تداعياتها وأهدافها.
وتفيد معلومات صحافية ليبية بأن "طائرة شحن تركية حطت قبل ثلاثة أيام في قاعدة الوطية الجوية غرب ليبيا، ونقلت إليها دفعة جديدة من المقاتلين الأجانب، وأخرى هبطت في القاعدة الجوية في مصراتة، حملت على متنها مقاتلين وأسلحة إلى مصراتة، من أجل نقلها لاحقاً إلى جبهة سرت والجفرة".
ورد الجيش الليبي على هذا التصعيد التركي، في بيان نشره الناطق باسمه اللواء أحمد المسماري، على مواقع التواصل، السبت 1 أغسطس (آب)، حذر فيه "جميع الدول من اقتراب سفنها أو طائراتها من مياهنا أو أجوائنا الإقليمية، من دون التنسيق معنا، للحيلولة دون وقوع تصادم معها".
وسط ذلك، كشف مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش، خالد المحجوب، لـ"اندبندنت عربية"، أن "القوات المسلحة رصدت نقل مجموعات من المرتزقة، خصوصاً إلى مصراتة، تمهيداً للتحرك نحو الخطوط الحمر، في سرت والجفرة".
ويلاحظ المحجوب أن "تركيا باتت تنوع جنسيات المقاتلين الأجانب الذين تنقلهم إلى ليبيا، مثل الصومال واليمن وسوريا (خصوصاً التركمان)، وتونس".
ويؤكد أن "تقدم تركيا نحو خطوط التوتر العسكرية، سيكون مغامرة غير محسوبة، وستظهر نتائجها الوخيمة عليها".
عناد أنقرة مستمر
ولم يكد الجدل حول تصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يتراجع، حتى عاد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ليثير الضجة مجدداً، إذ قال خلال حفل نظمته وزارة الدفاع التركية لمناسبة عيد الأضحى، "كاد (المشير خليفة) حفتر أن يسيطر على طرابلس، إلا أن الدعم التركي لحكومة (فايز) السراج أسفر عن تغيير موازين القوى في البلاد".
وأشار إلى أن بلاده "تبذل قصارى جهدها لمساعدة الليبيين، من أجل إحلال وقف إطلاق النار والاستقرار ووحدة الأراضي في ليبيا".
وجدد تعهد بلاده "دعم قوات الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة، في مجالات التدريب والتعاون والاستشارات، والدعم في المجال العسكري"، في إشارة إلى حكومة الوفاق في طرابلس.
حراك عربي لصد تركيا
في سياق متصل، شهدت الأيام الماضية، حراكاً عربياً ملحوظاً في الملف الليبي، لصد المشروع التركي للهيمنة في ليبيا والمنطقة، والسعي لإيجاد حل سياسي توافقي بين الأطراف الليبية، بعيداً من التدخلات الخارجية. وهو ما دعت إليه دول عدة، منها المغرب والجزائر والأردن والإمارات.
وكان لافتاً في هذه الجهود، الانخراط السعودي المتزايد في الملف الليبي، وفتح قنوات للتواصل مع عدد من الأطراف الدولية والإقليمية، لتعزيز العمل المشترك لإنهاء النزاع.
وكان وزير الخارجية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، أجرى مباحثات مع المسؤولين في الجارتين الغربيتين لليبيا، تونس والجزائر، صدرت بعدها تصريحات من الأطراف الثلاثة، تؤكد توافق الرؤى في ما بينهم، للحل في ليبيا والمتمثل في وقف التدخلات الخارجية وبدء حوار ليبي- ليبي، في أقرب وقت.
تلى ذلك تصريح للقائم بأعمال السعودية بالإنابة لدى الأمم المتحدة، خالد بن محمد منزلاوي، خلال جلسة افتراضية لمجلس الأمن الدولي، الخميس 30 يوليو (تموز). قال فيه إن "إبعاد ليبيا عن التدخلات الخارجية ووقف انتشار المرتزقة وانتهاكات قرار حظر الأسلحة في مجلس الأمن، والدفع نحو حل سياسي ليبي- ليبي، هي السبيل الوحيد للتوصل إلى تسوية سلمية، ينتج منها استقرار وازدهار هذا البلد وحمايته من التدخلات الخارجية والإرهاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأكد هذا الاهتمام السعودي الملحوظ بالملف الليبي، بعد إعلان وزير الخارجية السعودية أنه بحث ونظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، الجمعة في باريس، الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وسبل دعم الأمن والاستقرار فيها.
وأشارت وزارة الخارجية السعودية في بيان إلى أن "الأمير فيصل عبّر عن قلق بلاده تجاه التدخلات الأجنبية في ليبيا"، قائلاً إن "الحل لا بد أن يكون ليبياً". ودعا إلى ضرورة التنسيق بين الدول العربية لتحقيق هذا الحل الليبي".
كذلك بحث الوزير السعودي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، تعزيز التنسيق المشترك إزاء مختلف القضايا الإقليمية الراهنة، وفي مقدمها الأزمة الليبية.
وأكد الجانبان أهمية وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها وسلامة أراضيها، ويحقق تطلعات شعبها إلى الأمن والسلام والنماء، بحسب بيان للخارجية السعودية.
الجامعة العربية تدعو للسلام
وفي سياق الجهود العربية الداعية إلى الحل السلمي في ليبيا، جدد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، دعوته إلى تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، والتوصل إلى اتفاق رسمي وشامل، في إطار المفاوضات التي ترعاها البعثة الأممية.
وناشد أبو الغيط الأطراف الليبية "الامتناع عن أي أعمال من شأنها تصعيد الوضع في الميدان، في مناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، والعمل بجدية من أجل استكمال المفاوضات القائمة في إطار اللجنة العسكرية المشتركة، للتوصل إلى اتفاق متكامل حول ترتيبات وقف إطلاق النار".
وأكد "ضرورة توقف كل أشكال التدخل الخارجي في الأزمة الليبية، ورفض الجامعة العربية الخروقات المتكررة لحظر السلاح المفروض من جانب مجلس الأمن، والاستقدام الممنهج للمقاتلين والمرتزقة الأجانب".