لم يتسلّم إطفائيون يرجّح أنهم توفّوا في انفجارات مرفأ بيروت، مفاتيح المستودع المشتعل الذي كان مركز الانفجار، وكذلك لم يدلّهم أحد إلى موقعه، ما كلّفهم عدّة دقائق ثمينة كانت لتنقذ أرواحاً، وفق ما كشف مسؤولون الاثنين الماضي.
وفي حديثهم إلى "اندبندنت"، ذكر مسؤولون من فوج الإطفاء في بيروت أن نقص المعلومات "غير الاعتيادي" خلال الاتصال الطارئ يوم الثلاثاء الماضي، أخّر الفريق الذي لم يكن مستعداً بما فيه الكفاية من الأساس، ما جعله غير قادر على احتواء حريق أوّلي أصغر حجماً، يُرجّح أنه أدّى إلى انفجار مخزون الـ2700 طن من نترات الأمونيوم.
واستطراداً، لم يتمكّن الإطفائيون أنفسهم من الانسحاب من المنطقة في الوقت المناسب، ولا تحذير باقي المدينة. ويُعتقد أنّ مستجيبي الطوارئ العشرة، وبينهم مسعفة، قضوا في الانفجار الذي قتل أكثر من 150 شخصاً وجرح آلافاً آخرين. وما زال عمّال الإنقاذ يبحثون في الركام عن أجساد أول من استُدعوا إلى الموقع.
وكذلك ذُكِرَ أن الشرطة كانت أول من أخطر فوج الإطفاء بوجود حريق في المرفأ عند الساعة 5.55 من بعد الظهر، وفقاً لعنصر في غرفة عمليات الإطفاء، تلقّى الاتصال الأوليّ.
وأخبر الموظف، الذي طلب عدم الكشف عن هويته "اندبندنت"، أنهم لم يتلقوا أي تحذير في أي وقت حول مخزون نترات الأمونيوم الكبير القابل للانفجار، الموجود داخل العنبر المشتعل.
ويضاف إلى ذلك أنّهم لم يُعطوا أي معلومات على الإطلاق. وعندما وصل الفريق إلى الموقع، لم يقابله فريق من المرفأ كما جرت العادة، ولم يُعط مفاتيح المستودع، ولم يُخبر أيضاً أي مبنى كان يحترق.
وأورد آمر فصيلة فوج الإطفاء فادي مزبودي أن نقص المعلومات الأساسي، خلافاً للبروتوكول المعتمد، أخّرا الفريق بضع دقائق حرجة، اضطرّ في أثنائها إلى البحث عن المستودع المشتعل ومحاولة فتحه عنوة.
ووفق كلمات مزبودي "لو استطاعوا فتح باب العنبر قبلاً أو علموا أين يتجهون، ربما كان أمامهم بعض الوقت من أجل السيطرة على الحريق. وما كان الانفجار الأول ليحدث، ويؤدي إلى وقوع الانفجار الأكبر".
وأضاف، "لو علموا بنوع المواد الموجودة في الداخل لاستطاعوا التبليغ عن مدى خطورة الوضع". وربما كانوا ليتمكّنوا من إنقاذ أنفسهم. وأضاف، "كل دقيقة مهمة في عملنا. إذ من شأنها أن تُنقذ أرواحاً".
وأوضح مزبودي أن فريق الإطفائيين لم يعلم على الأرجح بوجود نترات الأمونيوم، وكذلك لم يُدرك قوة الحريق سوى في اللحظات القليلة التي سبقت اندلاع الانفجار.
وأفاد أيضاً بأن رجليّ الإطفاء إيليا خزامي وشربل كرم اتصلا بالمسؤولين عنهما لطلب الدعم العاجل، لأنه لم يكن معهما سوى ثلاثة أطنان من المياه، وهي كمية غير كافية لإطفاء حريق بهذا الحجم. وعندما أنهيا الاتصال قرابة الساعة 6.08 مساءً، وقع الانفجار.
وفي الاتجاه نفسه، ذكر الموظف المنفعل الذي تلقّى الاتصال الأساسي أنه "كان من الممكن إنقاذ الأرواح لو حصلنا على مزيد من المعلومات، ولو أنّ أحداً لاقى الفريق كي يشرح الوضع له". وأضاف "على جميع من في المرفأ تقديم استقالتهم، والخضوع إلى التحقيق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق نفسه، تحدّثت "اندبندنت" مع أحد مسؤولي المرفأ قبل احتجازه. ورفض التعليق. في المقابل، أيّد تلك الرواية رجال إطفاء آخرون تحدّثت إليهم "اندبندنت".
واستطراداً، تظهر هذه المعلومات الجديدة حول تلك الدقائق المهمة في الوقت الذي بدأ قاضٍ لبناني فيه استجواب رؤساء الأجهزة الأمنية في البلاد. وفي وقت سابق، تقدّم ثالث عضو في الحكومة اللبنانية باستقالته احتجاجاً على طريقة إدارتها لهذه الأزمة (واستقالت الحكومة في وقت لاحق).
وحين ما أُجري الحوار مع "اندبندنت"، كان مقرراً أن يجتمع مجلس الوزراء وسط تكهنات بأن الحكومة قد تقدم استقالتها الجماعية. وتذكيراً، تقضى القوانين بإنه لو استقال 7 من أصل 20 وزيراً، تنهار الحكومة وتدخل مرحلة تصريف الأعمال بانتظار تشكيل حكومة أخرى. وفي وقت سابق أيضاً، قدّم تسعة نواب على الأقل استقالتهم أيضاً.
وفي سياق متصل، لقد جلب الانفجار الضخم الذي دوّى يوم الثلاثاء الماضي معه موجة جديدة من السخط الشعبي تجاه الحكومة والطبقة السياسية اللبنانية المتجذرة في البلاد منذ سنوات بعيدة. بالتالي، تقرر تنظيم احتجاجات خارج مقر الحكومة تزامناً مع انعقاد اجتماع الوزراء بعد أن شهدت عطلة نهاية الأسبوع تظاهرات حصلت فيها مواجهات مع القوى الأمنية التي أطلقت الغاز المسيل الدموع على المتظاهرين.
وعلى نطاق واسع، يجري تداول معلومات تفيد بأن مخزون نترات الأمونيوم الذي أوقع الانفجار الثاني الهائل، قد حُفِظَ بشكل سيئ في المرفأ منذ 2013، ولم يُحطْ سوى بإجراءات حماية قليلة، على الرغم من تعدّد التحذيرات بشأن الخطر الذي يمثّله.
ووضع جهاز الأمن الحكومي تقريراً بشأنه، وكذلك أعلم رئيسي الجمهورية والوزراء في الـ20 من يوليو (تموز). واحتُجز نحو 20 شخصاً على خلفية الانفجار، بمن فيهم رئيس "هيئة الجمارك اللبنانية" وسَلَفه، إضافة إلى مدير عام المرفأ. واستُجوِبَ أيضاً عشرات الأشخاص غيرهم، من بينهم وزيران سابقان، وفقاً لمسؤولين حكوميين.
© The Independent