في ما بدا وكأنه عتب سياسي من العيار الثقيل بين بلدين حليفين، عاب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، على فرنسا، فتحها خطوط تواصل مع ما تعتبر أنه "الجناح السياسي لحزب الله" في لبنان، وذلك في وقت تعمل فيه باريس على محاولة إخراج هذا البلد من كبوته العميقة التي يعاني فيها أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه، ولا يزال يتخبط في محاولة معالجة ذيول الحرائق الهائلة التي تضرب عاصمته بيروت بشكل متكرر بعد الانفجار الضخم الذي وقع في مرفئها في 4 أغسطس (آب) الماضي.
"وهم الجناح السياسي"
اعتبر بومبيو في مقال كتبه بصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية واسعة الانتشار، أنه "لم يتأذَّ أي بلد من السيطرة الإيرانية كما يتأذَّى لبنان اليوم. فحزب الله الوكيل الإيراني، هو الفاعل السياسي المهيمن لما يقرب من ثلاثة عقود. واليوم في بيروت، الفساد منتشر، ونظام مالي وسياسي معطل بالكاد يعمل، والشباب اللبناني يهتف في الشوارع "إيران اخرجي"، معرباً عن أسفه لأن "فرنسا ترفض تصنيف حزب الله كله كمنظمة إرهابية، كما فعلت دول أوروبية أخرى، وقيدت تقدم الاتحاد الأوروبي في ذات الإجراء. وبدلاً من ذلك، تحافظ باريس على الوهم القائل بوجود جناح سياسي لحزب الله، رغم سيطرة إرهابي واحد هو حسن نصر الله"، مشيراً إلى أن "الدليل على ذلك هو أنه مع تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة، ارتفعت الميزانية العسكرية لإيران بشكل كبير، وكان لدى الميليشيات والإرهابيين المدعومين من إيران مزيد من الأموال لتثبيت أنفسهم في كل أنحاء الشرق الأوسط، كما بنت إيران أكبر قوة صاروخية باليستية في الشرق الأوسط، وانتهكت بنوداً عدة متعلقة بالأنشطة النووية".
وحذر بومبيو فرنسا في حديث لإذاعة "فرانس إنتر"، اليوم الثلاثاء 15 سبتمبر (أيلول) من أن جهودها لحل الأزمة في لبنان قد تضيع سدى إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلح "حزب الله". وقال بومبيو، إن "الولايات المتحدة اضطلعت بمسؤوليتها، وسنمنع إيران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية، ثم بيع السلاح لحزب الله ونسف جهود الرئيس ماكرون في لبنان". وأضاف "لا يمكن أن تدع إيران تحصل على المزيد من المال والنفوذ والسلاح وفي الوقت نفسه تحاول فصل حزب الله عن الكوارث التي تسبب فيها بلبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سياسة الضغط الأقسى
بالعودة إلى مقاله في "لو فيغارو" لفت الوزير الأميركي إلى أن "الشكوك التي كانت لدى كثير من القادة الفرنسيين بشأن الصفقة أثناء المفاوضات تبدو الآن مبررة أكثر من أي وقت مضى"، مبيناً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب "يعتبر أن الضغط الأقصى فحسب على النظام، وليس التهدئة، هو الذي يمكن أن يؤدي إلى التغيرات في السلوك التي نسعى إليها جميعاً. لهذا السبب فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على النظام، واستعادت الردع العسكري ضده، وأبرزها القضاء على قاسم سليماني"، القائد السابق لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني".
وأوضح بومبيو "حملتنا تعني أيضاً التأكد من عدم قدرة إيران على شراء أو بيع أسلحة تقليدية. هذا ما فعله مجلس الأمن من خلال تطبيق قيود على نقل الأسلحة إلى إيران على مدى السنوات الـ13 الماضية، لكن واضعي خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) ارتكبوا خطأً فادحاً في وضع تاريخ انتهاء صلاحية هذه العقوبات، وهو 18 نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام"، مشيراً إلى أن "آثار رفع الحظر واضحة: إن الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم ستزود الإرهابيين بالسلاح. ستكون البنية التحتية للشحن والطاقة في الشرق الأوسط التي تعتبر بالغة الأهمية للاقتصادات الأوروبية وغيرها من الاقتصادات الدولية، تحت تهديد أكبر. وستتعرض شعوب المنطقة لمزيد من المعاناة على أيدي آيات الله، ونادراً ما كان من الممكن منع حدوث مثل هذه التطورات الخطيرة".
حظر التسليح
ذكر بومبيو أنه في 14 أغسطس (آب) الماضي لم تدعم فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا قرار الولايات المتحدة تجديد حظر الأسلحة الذي تم فرضه على إيران في مجلس الأمن، معتبراً على أنه "كان من شأن تمديد الحظر أن يخدم مهمة مجلس الأمن المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والتعاون عبر المحيط الأطلسي، والتعددية على نطاق أوسع. فلماذا لم يدعم أصدقاؤنا الأوروبيون الاقتراح المعقول الذي تم تقديمه، أو على الأقل عرضوا بديلاً؟ لماذا أكدوا لي سراً مخاطر انتهاء الحظر، لكنهم لم يتخذوا أي إجراء علناً؟". وأضاف "يخشى حلفاؤنا الأوروبيون من أنهم إذا حملوا إيران مسؤولية سلوكها المزعزع للاستقرار، فإنها ستنتهك الصفقة بشكل أكبر رداً على ذلك"، مؤكداً أن "استراتيجية الاسترضاء هذه لا تفعل شيئاً. إنها حملة ابتزاز دبلوماسي ناجحة، صنعها سلفي الوزير جون كيري"، متسائلاً "كيف يمكن لفرنسا أن تصوت على إلغاء حظر الأسلحة لمدة أسبوع، ويلتقي الرئيس ماكرون مسؤولاً كبيراً في حزب الله ببيروت في الأسبوع التالي؟".
وبين بومبيو أن "المبدأ الذي تسير على أساسه أميركا في مواجهة إيران، هو ذلك المبدأ الذي لخصه الرئيس الفرنسي شارل ديغول بقوله: لا توجد سياسة في العالم تستحق أي شيء من خارج الواقع. من هنا، نحن نعلم ما هو واقع ومبدأ النظام في طهران، فإيران هي الرائدة في العالم برعاية الإرهاب والمصدر الأساسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وأعتقد أن أصدقاءنا في فرنسا يدركون طبيعة طهران الحقيقية أيضاً. والسؤال هو ما إذا كانت فرنسا مستعدة للانضمام إلينا للوقوف في وجه إيران وتأمين السلام والاستقرار الإقليمي".