فيما يشبه التحول الكامل في وجهة تعاونها الاقتصادي، اتفقت الجزائر مع الصين على تعزيز التعاون الكامل في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا ومكافحة الإرهاب، لرفع "الشراكة الإستراتيجية الثنائية الشاملة"، وأعلنت الجزائر انخراطها الكامل في عملية تفعيل "مبادرة طريق الحرير" بما يحمله ذلك من تنازلات مع الطرف الأخر (الاتحاد الأوروبي).
ومع نهاية زيارة عضو المكتب السياسي، رئيس مكتب الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، يانغ جايشي، إلى الجزائر منتصف الأسبوع الماضي، بدأت معالم انخراط الجزائر في تعاون إستراتيجي مع الصين تأخذ طريقها إلى التجسيد وفق مخطط استعجالي يمتد إلى سنة 2023، ينطلق أولاً من تفعيل مبادرة "طريق الحرير".
وأعلنت السلطات الجزائرية أن "المسؤول الصيني خلال لقائه المسؤولين الجزائريين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تم التوافق على تفعيل ما تتيحه اتفاقية مبادرة طريق الحرير، التي انضمت إليها الجزائر عام 2018".
وأوضح بيان لوزارة الخارجية أن "المسؤول الصيني حظي بمقابلة تبون، الذي ثمن الصداقة الطويلة الأجل بين البلدين وثقتهما ودعمهما المتبادلين، بينما أشاد بإنجازات التنمية في الصين. وأوضح أن الجزائر تولي أهمية كبيرة لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، وستعمل مع الصين على دفع المشروعات المشتركة الكبرى إلى الأمام للسماح لشعبي البلدين الاستفادة بشكل أكبر من التعاون الثنائي".
البنى القاعدية
تتقاطع المبادرة الصينية مع اهتمامات جزائرية واضحة في السوق الأفريقية، من خلال استثمار مليارات الدولارات في المنشآت القاعدية والبنى التحتية على طول طريق الحرير القديمة، وصولاً إلى الجزائر وأفريقيا، ويشمل ذلك بناء موانئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة.
ومن المنتظر أن تكون للصين يد في بناء وإيجاز أكبر ميناء في الجزائر، وهو ميناء الوسط في الحمدانية غرب محافظة تيبازة، الذي تصل كلفته إلى حوالى ستة مليارات دولار. ومعلوم أن الرئيس الجزائري قد وجه بإعادة التواصل مع الشريك الصيني لإحياء إنجاز هذا المشروع، بعد سحب شراكة رجلي أعمال من محيط الرئيس السابق تم التعاقد معهما عنوة، في تهيئة أرضية الميناء وهما علي حداد وعائلة "كونيناف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا ينفي وزير النقل الجزائري لزهر هاني، استعداد السلطات الصينية تمويل المشروع بشراكة حكومية جزائرية "سيكلف بحسب الدراسة الأولية ما بين خمسة وستة مليارات دولار، وسيتم ربطه بخط سكة حديدية يمتد لعواصم الدول الأفريقية المتاخمة للحدود الجنوبية للبلاد".
وفي تقديرات الوزير فإن "هذه المنشأة الإستراتيجية من شأنها معالجة 6.5 مليون حاوية و25.7 مليون طن من البضائع سنوياً، وسيوجه الميناء المستقبلي إلى التجارة الوطنية عن طريق البحر، كما سيكون محوراً للمبادلات على المستوى الإقليمي".
هل هي مغامرة؟
يرتبط الانخراط الكامل للجزائر في الجزء الأفريقي لمبادرة "طريق الوحدة"، بتخمينات حول كيفية تجاوز سلطات هذا البلد لأية ردة فعل من عمق الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً الشريك التقليدي فرنسا، ويشير أستاذ العلاقات الدولية نور الدين شرشالي لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "السياسة التجارية الجزائرية ليست انقلابية في العادة، لا أتصور أن انخراط الجزائر في هذا المشروع قد يشكل قطيعة لها مع الشريك الأوروبي التقليدي".
ويتابع "هناك تعبيرات عاطفية في وسائل الإعلام حول ردة الفعل المتوقعة من فرنسا خصوصاً، لا سيما وأن وزير خارجيتها يزور الجزائر ثلاثة أيام بعد مغادرة المسؤول الصيني. أتصور أن السياسة التجارية الخارجية للجزائر تمتاز بـ"براغماتية" كبيرة سمتها تنويع الشركاء من دون إقصاء".
عموماً لم تبرز أية مواقف علنية من أوروبا تجاه هذا التحول في اهتمامات المسؤولين عن التجارة الخارجية في الجزائر، ويعتمد أنصار هذا الرأي على مضمون تقرير سابق لمجلس الشيوخ الفرنسي، يدعو حكومة بلاده للتحرك سريعاً تجاه الشركاء التقليديين جنوب المتوسط، حيث وصف يقول "الصين بصدد استحداث طرق حرير بمفهوم جديد اقتصادي وتكنولوجي من باكستان، وصولاً إلى الجزائر والمغرب، وهو ما يستدعي تحركاً فرنسياً وأوروبياً لمواجهة هذا التمدد الصيني".
وتحدث التقرير نفسه عن ظفر الصين بصفقات فضائية مع الجزائر، منها إطلاق القمر الصناعي الجزائري "ألكوم سات 1"، ثم مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يمكن للصين أن تقوم بتنشيطه، إضافة إلى مشروع الطريق السيار الشرق غربي.
الصين حيث فشل الآخرون
إلى ذلك، اعتبر أستاذ الاقتصاد في إحدى جامعات شرق الجزائر، عبد اللطيف بلغرسة لـ"اندبندنت عربية"، أنه "وبعد مرور 15 سنة على اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، ها هي الجزائر تلمح تارة وتصرح تارة أخرى، من خلال أمر رئيس الجمهورية، بمراجعة وتقييم الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، الجهوية والثنائية، ومن خلال تصريحات كثير من كبار مسؤولي الدولة الجزائرية".
وينظر بلغرسة للانخراط الجزائري في شراكة متكاملة مع الصين من باب التقييمات السلبية لنتائج 15 سنة من التعاون الآحادي مع الاتحاد الأوروبي "نظراً لأن التقييمات الصادرة عن الجانب الجزائري جد سلبية، إذ تضررت مصالحها التجارية، بينما الجانب الأوروبي كان المستفيد الأكبر والوحيد من الاتفاق".
طغيان السياسة
حسابات الجزائر في فترة بداية الألفية ليست نفسها الحسابات الحالية، فهوامش الخطأ في تقدير تبعات أي اتفاقات اقتصادية حديثة تقابل بثمن مباشر، قياساً لتهاوي مدخرات البلاد من العملة الصعبة عكس الفترة التي شهدت تقارب الجزائر مع الكتلة الأوروبية.
ويرى بلغرسة في هذا الشق أنه "لم يكن لهذا الاتفاق بين الجزائر والاتحاد الأوروبي سوى فائدة سياسية دبلوماسية مؤقتة، فالجزائر كانت تبحث عن العودة إلى المجتمع الدولي بعد القطيعة التي فرضت عليها خلال سنوات الإرهاب، وهو ما تحقق، أما من الجانب الاقتصادي فاتفاق الشراكة تحول إلى عبء على الجزائر وحدها".
وعليه يوضح بلغرسة أن "الموضوعية تحتم علينا التأكيد على أن الأمر ليس بهذه السهولة مع كثير أهميته، عندما نتحدث عن تنويع الشركاء، أو عن تغيير وجهة البوصلة، علينا النظر إلى التفاصيل، منطقة التبادل العربية مثلاً يكتنفها كثير من التجاذبات السياسية والميدانية، وهي وإن كانت مجدية للجزائر إلا أن حجم التبادل ضمنها ضعيف جداً، كما أن كل الدول العربية المتوسطية تجمعها اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي بشكل منفرد، ما يضعف الموقف العربي التفاوضي والعملي في الوقت ذاته".
ناهيك عن أن "اتفاقية التبادل الحر الأفريقية، تنسحب عليها بعض ملاحظات الاتفاقية العربية من حيث عدم الاستقرار، مع أن الجزائر تستعد بقوة لتجسيد مشروع المنطقة القارية الأفريقية للتبادل الحر، وهي المنطقة التي يمكن فيها للمنتجات الجزائرية أن تنافس غيرها بقوة نظراً لعمقها الجغرافي والتاريخي، مع ملاحظة أن المنطقة الأفريقية دخلها في الماضي القريب لاعب كبير هو الصين".