استأنف أطراف النزاع الليبي، جولاتهم التفاوضية، لترتيب خريطة طريق سياسية للأزمة، إلى طاولة حوار جديدة، في جنيف هذه المرة، يناقشون فيها المسار العسكري، بين اللجنتين الممثلتين للشرق والغرب، المعروفتين باسم اللجنة العسكرية "5+5"، برعاية دولية من البعثة الأممية للدعم في ليبيا.
وصاحبت انطلاقة الجولة الجديدة من المفاوضات العسكرية، توقعات متباينة، بسبب الظروف التي رافقت انطلاقاتها، ففي الوقت الذي ستناقش اللجتان الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، يشهد الوضع الميداني توتراً ملحوظاً، واتهامات متبادلة بينهما، بالسعي إلى خرق الهدنة الحالية ومهاجمة مواقع تابعة للطرف الآخر.
وتزامن انطلاق الحوار العسكري، في سويسرا، مع تصريحات لقيادة الجيش الليبي، تتهم تركيا بالاستعداد للقيام بعمل عسكري ضدها، وزيارة رئيس أركان قوات الوفاق أنقرة، واشتباكات بين كتائب تابعة لها في ورشفانة، جنوب طرابلس، وأنباء عن حشد على خطوط النار في سرت والجفرة، ما أثار الشكوك حول فرص التوصل إلى اتفاق سلام دائم، في هذه الجولة التفاوضية على الأقل.
مباحثات عسكرية في جنيف
وبدأت الأطراف الليبية الاثنين 19 أكتوبر (تشرين الأول)، جولة مكثفة جديدة للحوار، تجريها في كل المسارات، خلال الأسابيع الماضية، وهي الجولة الرابعة من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة الليبية، بمقر الأمم المتحدة في جنيف، وبحضور رئيسة البعثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز ومشاركتها.
وأفاد بيان للبعثة، في ختام اليوم الأول للمباحثات في جنيف، بأن "المسار الأمني، هو أحد ثلاثة، تعمل عليها البعثة، إلى جانب المسارين الاقتصادي والسياسي، والتي انبثقت من مؤتمر برلين حول ليبيا، وتبناها مجلس الأمن عبر قراره رقم 2510 لسنة 2020، داعياً فيه الطرفين إلى التوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف البيان "ما يميز هذه الجولة، هو انطلاقها باجتماع تقابلي مباشر، بين وفدي طرفي النزاع، وستستمر حتى الـ 24 من الشهر الحالي، على أمل أن يتوصلا إلى حلحلة المسائل العالقة، بغية وقف تام ودائم لإطلاق النار، في عموم أنحاء ليبيا".
وقالت مصادر ليبية مطلعة، إن المباحثات ناقشت في يومها الأول ملفات عدة، يتقدمها الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في سرت، والعمل على تسريع وتكثيف عمليات تبادل الأسرى بين الطرفين، ووقف الأعمال العدائية والاستفزازات المتبادلة والتي تزايدت بشكل مقلق، في الأسابيع الأخيرة.
جولة في أجواء مشحونة
على عكس الجولات الماضية، في الحوار في المسارات الأخرى، والتي دارت وسط ظروف ملائمة وإيجابية، انطلقت هذه الجولة، وسط أجواء مشحونة وتصعيد مطّرد، في التصريحات والتحركات على الأرض، بين الأطراف العسكرية، في اليومين الماضيين.
فبعد اتهام مصادر تابعة لحكومة الوفاق، الجيش الوطني، بالقيام بمحاولات استفزاز لقواتها، بتوجيه صواريخ غراد إلى مواقعها مرتين، في الأيام الـ 10 الماضية، وللمرة الخامسة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، اتهم الجيش حليفتها تركيا، بالإعداد والتخطيط لعمل عسكري ضده، بناء على معلومات استخباراتية، قال إنها "تواترت في الوصول إليه على مدار الأسبوع المنقضي".
وصرح الناطق باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري، أن "تركيا تعد بالتعاون مع ميليشيات في طرابلس، لهجوم كبير على سرت"، قائلاً، "إنه رصد خلال اليومين الماضيين، هبوط طائرات ضخمة محملة بالأسلحة الثقيلة، في مطارات الوطية ومصراتة ومعيتيقة، وإدخال مرتزقة جدد مدربين في تركيا على تقنيات جديدة للأسلحة، بالتزامن مع زيارة مستشارين عسكريين ليبيا"، مضيفاً أن "الإشاعات، التي ركزت قوات الوفاق على بثها أخيراً، حول خرق الجيش اتفاق وقف إطلاق النار، يدخل في إطار الدعاية، لتحضير الرأي العام للهجوم وتهيئة أسبابه".
وأكد المسماري أن "تركيا تسعى بكل السبل إلى إفشال الحوار، خوفاً من التوصل إلى حل سياسي، يخرجها كلياً من ليبيا"، وشدد على أن "الجيش سيعمل لإنجاح الحل الليبي الليبي، المبني على الثوابت الوطنية، والنوايا الطيبة"، مشيراً إلى أن "المشكلة في ليبيا ليست سياسية، بل أزمة أمنية، وعلى الجميع التعامل معها على هذا الأساس"، معتبراً في الوقت عينه أن خروج تركيا من المشهد "شرط وأولوية، لنجاح المحادثات الجارية حالياً، على المسارات كافة".
تركيا تصر على البقاء
في تأكيد جديد لإصرار تركيا على البقاء في المشهد الليبي، أكد وزير دفاعها خلوصي أكار لرئيس الأركان التابع لحكومة الوفاق، اللواء محمد الحداد، الذي يزور أنقرة حالياً، مواصلة دعم بلاده حكومة الوفاق، وتعزيز التعاون العسكري، في إطار المذكرة الموقعة بين البلدين، نهاية العام الماضي، بحسب ما ذكرت مصادر إعلامية مقربة من الطرفين.
وقال أكار، بعد لقائه الحداد، في حضور رئيس الأركان التركية، الجنرال يسار جولر، إن "التدريب الميداني العسكري والأمني، لعناصر تابعة لحكومة الوفاق، هو في سياق الاتفاق مع الحكومة الشرعية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، مؤكداً استمرارها في الفترة المقبلة".
اجتماع عسكري في طرابلس
في سياق متصل، عرض الرئيس الأعلى للدولة خالد المشري ووفد الحوار في المجلس، مع أمراء المناطق العسكرية وقادة "بركان الغضب"، التطورات الميدانية ومستجدات مسارات الحوار، وأفاد المكتب الإعلامي له بأن "الحاضرين في الاجتماع، أكدوا مدنية الدولة والدفاع عنها، كما ناقشوا كل مسارات الحوارات الجارية حالياً".
في المقابل، أفادت مصادر ليبية مطلعة بأن "قادة عملية البركان العسكريين، جددوا المطالبة خلال اللقاء، بإشراك ممثلين عنهم في الحوارات السياسية، وتشكيل لجنة لمتابعة ملف جرحى البركان وعائلات القتلى"، مضيفة أن "القادة العسكريين في قوات البركان، طالبوا بالمشاركة في المناصب السيادية العليا بنسبة معينة"، مجددين "رفضهم النتائج التي تم التوصل إليها، في مؤتمر بوزنيقة بالمغرب، في الأسابيع الماضية، الخاص بتقاسم المناصب السيادية، لعدم تنسيق المجلس الأعلى للدولة معهم".
دائرة مفرغة
في هذا الوقت، رأى الصحافي الليبي محمد عرابي أن "تطورات الأيام الماضية، تكشف مجدداً، أن الأزمة الليبية تدور في دائرة مفرغة، وأن المسافة بين الطرفين ما زالت أبعد مما تظهر عليه، في البيانات الختامية لكل الحوارات، التي جمعتهما أخيراً في دول عدة". وأضاف أن "المسار الأمني والعسكري تحديداً، مشوب بكثير من الإشكالات المعقدة والعصية على التفكيك، فلم تتبلور حتى الأن رؤية محددة من الطرفين، لترتيب مسائل مثل توحيد الجيش وتحديد قيادته الشرعية ومن أين تستمد؟، ومن هو الجيش الرسمي أصلاً؟، وتكوين مناطق معزولة السلاح وتنظيم الترتيبات الأمنية الخاصة بها، وكيف سيتم إخراج القوات الأجنبية من البلاد؟، وليس غريباً إذا لم تتم حلحلة هذه النقاط الخلافية قريباً، أن يكون هذا المسار هو المعول لهدم كل ما اتفق عليه في المسارات الأخرى، ليعيدنا إلى نقطة الصفر من جديد".