حذّر الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد المتخصص في التفاوت الاجتماعي، السير أنغوس ديتون، من أن القفزة في أسعار الأسهم خلال جائحة فيروس كورونا تُعَد إشارة مقلقة حول احتمال قيام الشركات بتعزيز أرباحها من خلال سحق أجور العاملين العاديين، حين تنتهي الأزمة.
وانهارت أسواق الأسهم العالمية في مارس (آذار) حين أُعلِن عن الجائحة، لكنها انتعشت منذئذ بسرعة مدهشة.
وعزا اقتصاديون كثر القفزة في أسعار الأسهم خلال الأشهر الأخيرة إلى تدفق أموال جديدة تطبعها المصارف المركزية، لكن السير أنغوس، الذي فاز بجائزة نوبل للاقتصاد عام 2015، أرجعها إلى توقعات المستثمرين بأن الشركات ستتمكن من تعزيز أرباحها في المستقبل من خلال تخفيض نفقاتها على الأجور بشكل كبير.
وقال السير أنغوس لبرنامج "كورونانوميكس" الذي تعده مؤسسة "إيكون فيلمز": "كل مرة ننظر فيها إلى محفظة التقاعد، نجد ارتفاعاً هائلاً في الأموال المتوافرة.
"لماذا يحصل ذلك الازدياد الكبير؟ لأن أسواق الأسهم تعتقد بأننا سنضع العاملين في وضع أصعب في المستقبل.
"ويربط معظم الناس بين سوق الأسهم ووضع الاقتصاد وليس باعتبار السوق مقياساً للأرباح فقط".
وحقق مؤشر "ستاندرد أند بوزر 500" الأميركي، المؤلف من أكبر 500 شركة أميركية مدرجة في البورصات، مستوى قياسياً مرتفعاً في سبتمبر (أيلول)، إذ ازداد بنسبة تفوق 50 في المئة منذ نهاية مارس.
ولم يكن انتعاش مؤشر "فايننشال تايمز 100" البريطاني و"ستوكس 600" لكبرى الشركات الأوروبية مبعث ارتياح بالقدر نفسه، حيث لا يزال المؤشران تحت مستوى ذروتيهما المسجلة في فبراير (شباط) الماضي. لكن مستوى الأسهم بالنسبة للمؤشرَين لا يزال أعلى بنسبة 16 و29 في المئة على التوالي، مقارنة مع المستوى المتدني الذي سجلاه في مارس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان السير أنغوس، الحاصل على جائزة نوبل لعمله الرائد في اقتصاديات التنمية، قد لقي تكريماً في السنوات الأخيرة أيضاً لبحوثه في مجال "الوفيات بسبب اليأس" في صفوف الأميركيين البيض من ذوي المهارات المتدنية بسبب الانتحار أو تناول جرعات مفرطة من المخدرات.
ويقود مراجعة دراسة تمتد لخمس سنوات، تتعلق بمراجعة مفصلة لواقع التفاوت الاجتماعي وأسبابه وتداعياته، وذلك بتكليف من معهد دراسات المالية العامة the Institute for Fiscal Studies. وحذّر السير أنغوس من أن أرباح الشركات – حتى قبل الجائحة – تبدو وكأنها تتحقق على حساب أجور العاملين العاديين وتعمّق التفاوت الاجتماعي لأن الناس الأغنى يميلون إلى امتلاك مزيد من الأسهم.
ويتوزع الدخل القومي، أو الناتج المحلي الإجمالي، دائماً بين أرباح الشركات وأجور العاملين.
وبين عامي 2001 و2017 هبطت حصة العاملين من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة من 62 إلى 57 في المئة، وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. وفي اليابان تراجعت النسبة من 61 إلى 56 في المئة. وفي ألمانيا انخفضت النسبة من 62 إلى 59 في المئة.
وخسرت حصة العمالة في أيرلندا والبرتغال وبولندا 10 نقاط مئوية خلال الفترة نفسها.
ويتذكر السير أنغوس، حين كان يَدْرُسُ الاقتصاد في جامعة كامبريدج في الستينيات، وجود قلق من كون حصة العاملين كان يتم تقليصها بشكل كبير لفائدة أرباح الشركات. لكن هذا القلق تراجع في العقدين التاليين من الزمن إذ بدا أن حصة العاملين انتعشت واستقرت.
ويعتقد السير أنغوس أن المشكلة عادت الآن. وقال: "أظن أن التوزيع الوظيفي للدخل يعود مجدداً لأنه يتغير على حساب العاملين".
وللإشارة فقد قام العديد من الخبراء الاقتصاديين بدراسات حول الازدياد في حصة الأرباح من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وبلدان متقدمة أخرى.
ووفق رأي سائد (على الرغم من أنه غير مقبول بشكل عام) يعكس هذا الوضع القدرة المتزايدة للشركات على تعزيز أرباحها من خلال إبقاء الأجور متدنية.
ورُبِطت هذه القدرة بعوامل مثل تراجع قوة النقابات، والتغيرات في التكنولوجيا، وازدياد احتكار الشراء من قبل الشركات، والعولمة.
ويفوق متوسط الأجور في الولايات المتحدة قليلاً ما كان عليه قبل 40 سنة بعد أخذ التضخم في الحسبان.
ولم تشهد بريطانيا، على خلاف بلدان أخرى كثيرة، تراجعاً في حصة العمالة من الناتج المحلي الإجمالي. فبين عامي 2001 و2017 بقي تقريباً على مستوى 59 في المئة. لكن الأجور الحقيقية المتوسطة في المملكة المتحدة كانت نهاية العام الماضي، لا تزال أدنى مما كانت عليه عام 2007، ما يعكس مرحلة غير مسبوقة من الضعف.
© The Independent