حذَّر مراقب سابق في السجون البريطانية من أن السلالة المتحوّرة من فيروس "كورونا" التي ظهرت في المملكة المتحدة أخيراً من شأنها أن تفضي إلى "وفيات فادحة" في السجون، في أنحاء إنجلترا وويلز.
نيك هاردويك، الذي شغل منصب رئيس مفتشي السجون في بريطانيا بين عامَي 2010 و2016، قال إن من المهم جداً أن يُحكم الوزراء "سيطرتهم بقوة" على التفشي المحتمل للفيروس في السجون، وخلافاً لذلك سيخاطرون بوقوع وفيات في المستطاع تجنبها.
بناءً عليه، دعا رئيس مراقبة السجون السابق إلى تطبيق خطة للإفراج عن السجناء كي يُصار إلى تسريح النزلاء المعرضين للخطر. كذلك من الضروري، وفق كلامه، أن تكون تلك الخطة أقل "بيروقراطية" من نظيرتها التي عُمل بها خلال الموجة الأولى من الجائحة.
معلوم أن مناطق كبيرة من المملكة المتحدة دخلت في إغلاق (حجر) يوم السبت الماضي، نظراً إلى تفشي شكل جديد متحوّر من "كورونا" يتفوق على الفيروس الذي أطلق الوباء أصلاً بنسبة 70 في المئة في قابليته على الانتقال بين الناس ونشر العدوى.
البروفيسور هاردويك أخبر "الاندبندنت" أن الفيروس المتحوّر يطرح خطراً محدقاً على السجون، حيث يُحتجَز الناس على مسافة قريبة جداً من بعضهم بعضاً، فيما تتألف صفوف النزلاء، بنسب متفاوتة، من أفراد لا يتمتعون بصحة جيدة وعرضة لمخاطر عالية. كذلك حثّ حكومة بلاده على "اتخاذ إجراءات سريعة" في سبيل حماية السجناء وموظفي السجون، وعامة الناس على حد سواء.
في السياق نفسه، قال هاردويك، على الرغم من أن معظم الناس لم يضعوا السجناء على رأس أولوياتهم، إلا أن "قلقاً شديداً" اعتراه من موظفي السجون الذين سيحملون معهم السلالة الجديدة من الفيروس إليها (عبر التقاطها)، وسيفضي ذلك إلى "إصابات فادحة" ما لم يُطبّق نظام أكثر صرامة.
يُذكر أنه خلال الإغلاق الأول الذي دخلت فيه المملكة المتحدة، اعتمدت السجون في شتى أنحاء إنجلترا وويلز أنظمة صارمة أُلغيت بموجبها الزيارات الاجتماعية والحصص التعليمية، فيما أُبقي على النزلاء في زنزاناتهم معظم الوقت، ولم يُسمح لهم بالخروج إلا للاستحمام وإجراء مكالمات هاتفية، في حال عدم توفر هاتف في غرفهم، فضلاً عن ممارسة التمارين الرياضية.
وقدمت دائرة السجون أيضاً خطة للإفراج المبكر عن السجناء، وُضعت بغرض إطلاق سراح ما يصل إلى أربعة آلاف سجين، في محاولة لمنع تفشي فيروس "كورونا"، ولكن في النتيجة خرج من السجن مبكراً بضع مئات فقط من المحكومين.
للأسف، توفي 27 سجيناً خلال الموجة الأولى من "كورونا"، ولقي 22 سجيناً حتفهم حتى الآن بسبب الفيروس منذ بدأت الموجة الثانية، علماً أن 17 من تلك الوفيات وقعت منذ منتصف نوفمبر.
من وجهة نظر البروفيسور هاردويك، يجب ألا يعني النظام الصارم على السجناء، بقائهم 23 ساعة يومياً في زنزاناتهم، بل من الضروري أن يلتزموا بالبقاء ضمن "مجموعات صغيرة" بغية خفض مستوى احتكاكهم ببعضهم بعضاً، بالإضافة إلى أهمية توفّر نظام فحص للكشف عن الإصابات في السجون لتقليص احتمالات دخول الفيروس إليها ومغادرته منها (من طريق المصابين بالعدوى) على حد سواء.
ودعا المراقب السابق أيضاً إلى صوغ خطة جديدة للإفراج المبكر عن السجناء، قائلاً إنه "حريّ بهم (الوزراء) المضي في إطلاق سراحهم، بتنفيذ الإفراج المبكر. لكن يتعيَّن عليهم أن يعطوا المسؤولين قدراً أكبر من حرية التصرف من أجل القيام بذلك. المشكلة التي شابت الخطة السابقة (خلال الموجة الأولى من الوباء) أنها كانت ذات نزعة بيروقراطية مفرطة لدرجة حالت دون نجاحها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "في الموجة الأولى من الجائحة، كان أداء السجون أفضل مما توقعه الناس. إذ شهدت وفيات وإصابات أقل بأشواط مقارنةً بالتوقعات، وفي الواقع حتى عواقب الإغلاق الصارم لم تكن بالقدر نفسه من السوء الذي ظنه بعضهم. ويكمن الخطر في أن الناس تراخوا في تطبيق الإجراءات، ولن يتصرفوا بسرعة كافية في مواجهة ما يحدث الآن."
وردّد ريتشارد غارسايد، مدير "مركز دراسات الجريمة والعدالة"، المخاوف عينها التي أبداها البروفيسور هاردويك، لكنه شدد على أن الاستجابة التي "حصلت دائرة السجون عليها خلال تفشي السلالة الأولى من الفيروس ربما لا تكون كافية".
وقال في هذا الصدد "في ضوء السلالة المعدية، ستكون الآثار المترتبة على الأرجح إصابات إضافية وربما وفيات أيضاً، حتى لو اتخذت دائرة السجون الخطوات عينها مرة أخرى".
في اعتقاد غارسايد، "عليهم أن ينظروا في تطبيق برنامج إطلاق سراح مُحكم كي يبعدوا قدر المستطاع الضرر عن أكبر عدد من الأشخاص. أما الخطر الماثل في الإعراض عن ذلك، فسيكون المزيد من الوفيات ونظاماً مقيداً للحرية لأشهر أخرى في أقل تقدير".
وقال إن على الوزراء أن يأخذوا في الاعتبار وضع السجناء وموظفي السجون على رأس قائمة الأشخاص الذين سيتلقون اللقاح، مضيفاً، "قيل إن مات هانكوك ذكر إن ثمة 350 ألف شخص أخذوا الجرعات التحصينية منذ الأسبوع الماضي، أو أكثر. بناءً على ذلك، يمكنهم إعطاء اللقاح لهم في غضون أسبوع".
وزاد "في الإمكان جداً تنفيذ ذلك. بيد أن السياسة تشكل المعوق الوحيد الذي يحول دون ذلك".
وذكرت وزارة العدل البريطانية Ministry of Justice MoJ إن الزيارات إلى السجون متوقفة حالياً في المناطق الخاضعة لقيود المستويين الثالث الرابع، إلا في ظروف استثنائية على سبيل الرأفة، مع الإبقاء على التباعد الاجتماعي إلى أبعد حد ممكن فيها.
كذلك قيل إن دائرة السجون تفرض أيضاً حجراً صحياً على السجناء الجدد، فيما تعزل مَن يشكون أعراضاً، وتحمي الفئات الضعيفة، وإن فحوصاً روتينية يخضع لها جميع الموظفين الذين يحتكون بهم. ويخضع السجناء لاختبارات الكشف عن الفيروس عند قدومهم إلى السجن أو عند نقلهم إلى أماكن أخرى في السجن نفسه.
في تطور متصل، قال متحدث باسم دائرة السجون، "تتمثل أولويتنا في الحد من انتشار الفيروس وحماية مَن يعيشون ويعملون فيها، ونعتمد في ذلك على النصيحة الأحدث لهيئة الصحة العامة". وأضاف "الإجراءات الوقائية الصارمة، من بينها حماية الفئات الهشة، والاختبارات الجماعية للكشف عن الإصابات، واستحداث أنظمة آمنة... حالت بلا ريب دون وقوع كثير من الوفيات، وستواصل الحد من انتقال العدوى في هذه البيئة الحافلة بتحديات فريدة من نوعها".
© The Independent