تطمح كثير من دول العالم إلى دور أميركي جديد، بعد تولي جو بايدن منصبه، يصحح أو يرمم أو يرسم سياسات توثق العلاقات معها، خصوصاً بعد سنوات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب الصعبة. وتأمل القارة الأفريقية هي الأخرى مسيرة جديدة مع دولها التي تأثرت بالتصرفات غير الحكيمة للرئيس الأميركي.
أفريقيا والاستعمار
تعرضت أفريقيا على مدى حقب الاستعمار الحديث لأسوأ أنواع الاستغلال، ما انعكس على شعوبها ودولها في العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة بين مكوناتها العرقية، وحدودها السياسية وثرواتها الطبيعية.
وكان دور الولايات المتحدة في الاستعمار خطيراً في إحدى مراحله. فخلال القرن السابع عشر جلبت مواطنين أفارقة قهراً من بلادهم ليعملوا عبيداً في بناء المستعمرات الأميركية الجديدة وخدمة الرجل الأبيض.
وبعد انتهاء عهود الاستعمار بتضحيات ومثابرة الأفارقة، جاء زمن جديد للتسابق على القارة السمراء، اتسم هذه المرة بالبحث عن المصالح سواء عبر علاقات متبادلة يستفيد منها الطرفان الأفريقي والأجنبي، أو عبر فرض أدوار ووصاية على الكيانات الأفريقية، لحماية مزايا القوى الغربية.
يقول دكتور عادل عبد العزيز حامد، الباحث في الشؤون الأميركية، إن "علاقة واشنطن بالقارة الأفريقية لا تنفصل في جملة أهدافها عن مرامي سياستها الخارجية، التي تعتمد المصالح كغاية".
يضيف "أفريقيا بحكم التخلف الذي عانته العديد من دولها، تمثل هدفاً مزدوجاً لتحقيق غايات اقتصادية وسياسية واستراتيجية تُستغل في الملفات العديدة التي تشغل العقل السياسي الأميركي"، موضحاً أن نفوذ واشنطن كان سياسياً من دون أي دافع إنساني واقتصادي.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة عاملت أفريقيا خلال الحرب الباردة بالتجاهل، "إذ كانت مكافحة الشيوعية هي أولوية البيت الأبيض. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي مثلت له القارة مطية وأداة أخرى لمحاربة الإرهاب".
ويقول حامد "على مستوى السياسة الدولية شهدت سنوات الربع الأخير من القرن العشرين اهتماماً متزايداً بالقارة من دول كالصين وكوريا الجنوبية وتركيا وإيران والهند وبلدان عربية بهدف التبادل التجاري وتنفيذ الأنشطة التنموية". وخلال سنوات التسابق على أفريقيا جارت الولايات المتحدة الدول الأخرى في الانفتاح على القارة، فزارها جورج دبليو بوش وباراك أوباما كرئيسين، ما أعطى ومضة إيجابية للعلاقة الأميركية بأفريقيا.
أما عن الأزمات التي تسبب بها ترمب، فيقول حامد "لا تحدها حدود"، مشيراً إلى أن الخطر الحقيقي امتدادها إلى داخل البيت الأميركي نفسه، إذ "هناك توقعات بضياع الولايات المتحدة كدولة متماسكة".
يضيف أن "أخطر ما سيورّثه ترمب هو تيار بدأ الآن في احتقار القيم الأميركية والغربية، من ديمقراطية وحقوق إنسان في مقابل تمجيد وتبجيل العرق الأبيض"، وهو توجه له انعكاسات سلبية على المستوى العالمي.
تجاهل وازدراء
خلال سنوات حكمه، ظل ترمب متجاهلاً أفريقيا ولم يزرها. وبقيت بعض المناصب الدبلوماسية الأميركية في عواصم أفريقية ذات أهمية شاغرة منذ توليه منصبه.
وعن تدهور الاقتصاد الأميركي في أفريقيا مقارنة بدول أخرى، يقول البروفيسور جو ستريملاو، المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة "ويتوترزراند" الجنوب أفريقية لـ"بي. بي. سي". البريطانية، إن تجارة الصين في القارة أدت إلى خفوت نجم واشنطن خلال العقد الماضي، بخاصة أن بكين سجلت عام 2018 أكثر من ثلاثة أضعاف حجم تجارة الولايات المتحدة في أفريقيا.
ويقول الصحافي محمد الشيخ حسين "كان عهد ترمب من أسوأ العهود التي شهدت فيها دول أفريقية تصرفات أميركية منحرفة، خصوصاً إذا أخذنا منطقة القرن الأفريقي كنموذج للتصرفات الترمبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يوضح حسين "تضاؤل الدور المباشر للسياسة الأميركية تجاه القارة، ليكون نداً ومنافساً لآلية الاتحاد الأفريقي عندما حاول ترمب تحويل قضية سد النهضة إلى البوابة الأميركية كوسيط بديل عن الاتحاد، ما أدى إلى فشل محادثات واشنطن العام الماضي بين الدول الثلاثة (مصر وإثيوبيا والسودان)".
ويشير حسين إلى تصريحات ترمب بشأن السد خلال اتصاله مع رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، حين قال "سينتهي بهم الأمر (مصر) إلى تفجير السد. قُلتها وأقولها بصوت عالٍ وواضح سيُفجرون هذا السد"، مشيراً إلى أنها كانت "بمثابة صدمة للسياسة الدولية في بُعدها عن الوعي السياسي الذي كان يفترض أن يتحلى به رئيس دولة عظمى في تغليبه السلام وإشاعة الاستقرار بين الشعوب، بدلاً من التحريض الذي وصفته وسائل إعلام أميركية بأنه مهمة قام بأدائها وقبض ثمناً لها".
ويضيف حسين أن "هذه التصريحات رفضها الإثيوبيون قيادة وشعباً وأعطت انطباعاً سيئاً، وأنتجت فشلاً جديداً للرئيس الأميركي في القارة الأفريقية".
ما بعد ترمب
في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، يتولى بايدن منصبه، فهل يتوقع أن تتغير السياسة الأميركية تجاه أفريقيا؟
يقول حامد إن "بايدن سيتحمل تبعات معالجة أخطاء ترمب، وسوف يستغرق الرئيس الجديد وقتاً طويلاً في تصحيح تلك السياسات المنحرفة، لكن أولاً ستبذل القيادة الديمقراطية الجديدة جهوداً كبيرة لوضع خطط مواجهة جائحة كورونا، إلى جانب تخفيف الآثار المترتبة على الاقتصاد".
ويؤكد أن "ما اقترفه ترمب من أخطاء بحق نسيج المجتمع الأميركي يحتاج إلى علاج سريع لرأب صدعه".
ويعتقد حامد أن الحزب الديمقراطي تحت قيادة جو بايدن سيكون أكثر انفتاحاً على العالم، بخاصة على القارة الأفريقية التي عانت في السنوات الأربع الماضية من الإهمال والتجاهل.