حققت الشركات المصنفة ضمن القطاع الاستثماري الجديد المسمى "استثمارات صديقة للبيئة ومسؤولة اجتماعياً ومع حوكمة أفضل"، أفضل أداء في عام الوباء (2020)، ليتجاوز حجم استثمارات هذا القطاع 20 تريليون دولار. وقدر بعض المحللين والاقتصاديين أن الاستثمارات الخضراء والمسؤولة اجتماعياً وصلت إلى قمة المنحنى، وأنها ستأخذ بالتراجع. إلا أن انتخاب رئيس جديد في الولايات المتحدة يهدف، حسب خططه الاقتصادية المعلنة، إلى التركيز على قضايا البيئة والمناخ ومعايير التزام الشركات وتشجيع الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، جعل كثيرين يعتبرون 2021 عام التوسع في هذا القطاع، ما يجعل استثماراته تتجاوز 30 تريليون دولار.
مع أن موجة ما يُسمى "الاستثمار في الاستدامة" ليست جديدة، وتعود إلى أكثر من عقد من الزمن، فإن السنوات الماضية شهدت نشاطاً استثنائياً من القطاع الخاص في تلك المجالات، خصوصاً مع انسحاب إدارة دونالد ترمب من ميثاق باريس للمناخ، وتعديلها كثيراً من القوانين والإجراءات التي تحمي البيئة وتنظم عمل الشركات.
وكتب رئيس تحرير موقع "أويل برايس" ديف بيترسون مقالاً هذا الأسبوع خلص فيه إلى أنه مع تراجع التزام الحكومات قضايا البيئة والمسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات، قررت صناديق الاستثمار وإدارة الأصول الدخول بقوة في هذا القطاع. ووصف الأمر بأن "الشركات قررت أنه إذا لم تحم الحكومة البيئة فلنفعل ذلك بأنفسنا لأنفسنا". وحوّل مديرو الأصول والشركات الخاصة والبلديات جهودهم في هذا الاتجاه.
عام الذروة
يتوقع أن يشهد العام الحالي ذروة جديدة للاستثمارات في هذا القطاع، الذي يختصر بالإنجليزية ESG وهي الأحرف الأولى للبيئة والمسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات. وإذا تمكنت إدارة الرئيس جو بايدن من تنفيذ الخطط الاقتصادية التي وعدت بها في الحملة الانتخابية، فإن هذا القطاع قد يشهد أكثر من ذروة في السنوات القليلة المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان 2020، مع أزمة وباء فيروس كورونا، عام انتعاش هذا القطاع كما تظهر بيانات الشركات. على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت قيمة أسهم شركة "كانفيز إنيرجي" بنسبة 490 في المئة العام الماضي، بينما ارتفعت قيمة أسهم شركة "ديجيتال توربين" بنسبة 673 في المئة. وأصبحت "تسلا" أكبر الشركات في السوق وارتفعت قيمة أسهمها في 2020 بنسبة 684 في المئة. حتى شركة "فيس درايف" لتشارك الرحلات في السيارات عوضت تعطل السفر نتيجة الإغلاقات للحد من انتشار فيروس كورونا بعدد من الصفقات مكنتها من توسيع نشاطها إلى مجال توصيل الطلبات وغيرها، لترتفع قيمة أسهمها بنسبة 589 في المئة العام الماضي.
هذه الشركات وغيرها مرشحة للتوسع بقوة، على الأقل في العامين الأولين من إدارة بايدن، إذ يسيطر حزبه الديمقراطي على مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، ويمكنه تمرير القدر الأكبر من تمويل خططه الاقتصادية الخضراء والاجتماعية. والخطوة الأولى هي حزمة التحفيز الجديدة بنحو 1.9 تريليون دولار، التي أُعلنت تفاصيلها هذا الأسبوع. مع ملاحظة أن حجم الحزمة يتجاوز نصف كل حزم التحفيز التي أقرت العام الماضي وبلغت 3.4 تريليون دولار.
انتعاش بايدن
صحيح أن حزمة التحفيز تلك تستهدف أساساً دعم الاقتصاد الأميركي لمواجهة تبعات أزمة وباء كورونا، مع استمرار ارتفاع أرقام الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة، وعزم إدارة بايدن تقييد الإجراءات للحد من انتشار الوباء، لكنها تتضمن أيضاً بنود إنفاق حكومي طويل المدى.
مع عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق مكافحة التغير المناخي وإلغاء كثير من إجراءات إدارة ترمب المتعارضة معه، وعودة بعض الإجراءات لتنظيم عمل الشركات بما يلزمها المسؤولية البيئية والاجتماعية، يتوقع أن يشهد هذا القطاع ظهور شركات وأعمال ناشئة جديدة. ويتوقع أن يسارع الفريق الاقتصادي للرئيس بايدن بالحصول على موافقة الكونغرس على حزم إنفاق أخرى خلال العامين الأولين في الحكم، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونعرس في 2022، التي قد تجعل الديمقراطيين يفقدون الأغلبية الضئيلة في مجلسيه أو أحدهما.
حتى قبل تنصيبه، ذهبت دوائر المال والأعمال إلى وصف الرئيس بايدن بأنه "الرئيس الأخضر"، في إشارة إلى جعله قضايا البيئة أولوية لرئاسته. وهكذا جاءت التعليقات في الإعلام الاقتصادي الأميركي لتعكس ما أخذته أسواق "وول ستريت" في الاعتبار منذ انتخابه. فشبكة "سي إن بي سي" قالت، "يمكن أن تكون رئاسة بايدن انتعاشاً للاستثمار المسؤول". بينما قالت مجلة "فوربس"، "من المرجح جداً أن ينتعش الاستثمار المسؤول اجتماعياً في ظل رئاسة بايدن".
أما صناديق الاستثمار ومديرو الأصول فلم ينتظروا تلك التعليقات من الإعلام الاقتصادي، بل بدأوا مبكراً تخصيص تريليونات للاستثمار في هذا القطاع. على سبيل المثال، خصصت "بلاك روك"، أكبر شركة إدارة أصول في العالم، ما يزيد عن 1.2 تريليون دولار للاستثمار المستدام في قطاع البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة على مدى السنوات العشر المقبلة. لتتجاوز قيمة الأصول الاستثمارية للشركة في الولايات المتحدة المستثمرة في هذا القطاع ثلث ما تديره من أصول، أي ما يزيد على 17 تريليون دولار.
ويتبع كثير من صناديق الاستثمار ومديري الأصول حول العالم ذلك النهج، ليس سيراً على خطى "بلاك روك" فحسب، ولكن لأن تلك الصناديق تدرك الآفاق المستقبلية للنمو والتوسع في هذا المجال، ولا تريد أن تفوت فرصة اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة به.