وجهت اتهامات ضد وزراء الحكومة البريطانية بعدم قيامهم باللازم في سبيل التصدي للضرر الذي يلحقه فيروس كورونا بأفقر فئات المجتمع في بلادهم، إذ تظهر إحصاءات أخيرة أن إصابات كوفيد-19 تتراجع بوتيرة أبطأ في المناطق الأكثر حرماناً في المملكة المتحدة، مقارنة بغيرها.
ووجد تحليل صدرت نتائجه أخيراً أن سبعاً من أصل تسع مناطق في إنجلترا شهدت انخفاضاً غير متكافئ في إصابات "كورونا" بين أغنى المناطق وأفقرها خلال يناير (كانون الثاني) السابق. في يوركشاير Yorkshire وهامبر Humber، حيث سجل التفاوت الأبرز، كانت حالات كورونا في المناطق الغنية تتراجع بسرعة أربعة أضعاف مقارنة بالفقيرة.
ووفق الحزبين "العمال" و"الديمقراطيين الأحرار"، فإن المجتمعات الأكثر حرماناً في البلاد بحاجة إلى قدر أكبر من الدعم المالي، حيث تزداد نسبة الموظفين الأساسيين الذين يتلقون أجوراً زهيدة ولم يتمكنوا من ملازمة منازلهم أثناء الإغلاق، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بكورونا.
وفي تصريح أدلى به إلى "اندبندنت"، قال جاستن ماديرز Justin Madders، وزير الصحة في حكومة الظل "لا ريب في أن كورونا استغل أوجه انعدام المساواة القائمة في مجتمعنا. الوظائف ذات الطبيعة المحفوفة بالمخاطر، والأجور المتدنية في هذا البلد تضع الناس في موقف لا يحسدون عليه."
وقال إن "الثغرة الكبرى" في استراتيجية الحكومة ضد كورونا كانت "عجزها المتواصل عن ضمان حصول الناس على الدعم المالي الذي يكفل لهم البقاء في عزلة ذاتية".
وتكشف أرقام صادرة عن "مكتب الإحصاءات الوطنية" Office for National Statistics عن أن ثمة 10.9 مليون موظف أساسي في بريطانيا، ونحو 14 في المئة منهم فحسب قادرون على العمل من المنزل. ويتقاضى كثير من هؤلاء أجوراً متدنية أو يعملون بعقود لا تضمن لهم الحد الأدنى من الأجور (بموجبها لا يحظى الموظف بساعات عمل مضمونة، وإنما يطلب للعمل وفق الحاجة)، ما يعني أنهم لا يستطيعون عزل أنفسهم أو البقاء في حجر صحي من دون حصولهم على مساعدة مالية.
المدفوعات الحكومية وقيمتها 500 جنيه استرليني (حوالى 675 دولار أميركي) مرصودة لمن طلب إليهم عزل أنفسهم ذاتياً، لكن حزب "العمال" قال إن أهلية الانتفاع من تلك المساعدة تضمنت معايير "تقييدية"، إذ لا يستوفي سوى واحد من كل ثمانية أشخاص شروط الاستفادة من برنامج المساعدة المالية.
ولوحظ أن مناطق شمال غربي إنجلترا وشرقها ويوركشاير وهامبر، شهدت أوجه التفاوت الكبرى في معدلات الإصابة بين مناطقها الأقل والأكثر حرماناً، وفق تحليل أجراه كولين أنغوس، وهو زميل في الأبحاث يتولى وضع النماذج الخاصة بالتفاوتات الصحية في "جامعة شيفيلد" University of Sheffield.
وبين 8 و22 يناير (كانون الثاني) الماضي، انخفضت الإصابات بنسبة 47.9 في المئة في المناطق الأقل حرماناً في يوركشاير وهامبر، علماً بأنها تشكل 10 في المئة منهما، فيما تراجعت بنسبة 12.1 في المئة فحسب في المناطق الأكثر حرماناً ونسبتها 10 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الشمال الشرقي، انخفضت أعداد الإصابات في المناطق الأقل حرماناً بنسبة 52.2 في المئة، مقابل 31.5 في المئة في المناطق الأكثر حرماناً.
من جهة أخرى، تراجعت إصابات كورونا في لندن بما يتجاوز النصف قليلاً لدى جميع الفئات، وتراجعت النسبة إلى 51.3 في المئة لدى الفئات الأقل حرماناً، و56.2 في المئة لدى الفئات الأشد حرماناً، معلوم أن أعلى نسب الإصابة بكورونا تركز بكثافة في أفقر مناطق المدينة منذ المراحل الأولى للجائحة.
وفي حديث إلى "اندبندنت"، قالت منيرة ويلسون، عضو البرلمان عن تويكنهام والناطقة باسم "الديمقراطيين الأحرار" لشؤون الصحة والرعاية الاجتماعية، إن "تلك الإحصاءات تبين أن الجائحة ضاعفت كل أوجه عدم المساواة في المجتمع البريطاني. الفئات المهنية التي تواجه خطر هذا الوباء تتكون من الممرضين والممرضات، وموظفي محال السوبر ماركت، ومقدمي الرعاية الصحية. كل هؤلاء يقفون في الجانب الخاطئ من الفجوة الآخذة في الاتساع".
وأضافت "مرة أخرى، يبين التقرير المشكلات التي ندركها جميعاً، ولكن لسبب مجهول، تأبى الحكومة القيام بأي خطوة حيال ذلك".
ويشير الخبراء إلى أن الإغلاق الحالي في المملكة المتحدة، الذي تم بقيود أقل من تلك التي اعتمدت في إغلاق الربيع الماضي، ساعد في تأجيج تلك الاتجاهات "المقلقة" من إصابات كورونا على حساب أفقر فئات المجتمع وأكثرهم هشاشة.
"يمكنك أن ترى أن حركة التنقل بدأت في الربيع الماضي، فالناس يتنقلون في أنحاء البلاد بصورة أكبر"، قالت ليندا بولد لـ"اندبندنت"، وهي بروفيسورة في الصحة العامة في "جامعة إدنبرة" University of Edinburgh باسكتلندا.
"لقد اتسع نطاق تعريف العمال الأساسيين ليشمل مزيداً من الموظفين، وعليه نجد أن عدداً أكبر من الأشخاص يقصدون المدرسة، ولكن المشكلة الرئيسة تكمن في شكل التوظيف. الأشخاص الذين ما زالوا يقصدون أماكن وظائفهم لأنهم غير قادرين على العمل من المنزل ولا يحظون بدعم أصحاب العمل، هم الموظفون الذين يحصلون على رواتب أقل مقارنةً بغيرهم"، استناداً للبروفيسورة بولد، مضيفة "إذا كنت مضطراً إلى الذهاب للعمل، فأنت لا تستفيد من تدابير الصحة العامة المعمول بها في البلاد."
من جهته، تطرق إلى الإغلاق في المملكة المتحدة، ديف فينش، وهو زميل كبير senior fellow في المؤسسة الخيرية "هيلث فاونديشن" Health Foundation (مؤسسة الصحة) المعنية بتعزيز الرعاية الصحية لسكان المملكة المتحدة، فضرب مثلاً بقطاع البناء الذي أقفل أبواب مرافقه في معظمها خلال الحجر الأول الذي شهدته البلاد، بيد أنه ظل مفتوحاً خلال الإغلاق الحالي.
وأخبر فينش "اندبندنت" في هذا الشأن "يبدو أن الأمر مستمر الآن. تتوفر أمامك خيارات من قبيل خدمة "النقر والتسلم" click and collect (بمعنى تحديد المنتجات عبر الإنترنت وتسلمها في المتجر). إنه إغلاق منقوص. تلقائياً، في حال لم تخضع المرافق لإغلاق شامل، سيتفاقم خطر انتقال العدوى بين الناس. والمهن غير المشمولة بإغلاق تام ستطغى مرة أخرى في المناطق الأكثر حرماناً. وهكذا، قد يؤدي ذلك دوراً في اتجاهات (الإصابات) التي نشهدها".
وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، أظهرت أرقام صادرة من "مكتب الإحصاءات الوطنية" البريطاني، أن من بين صفوف الرجال في المهن الأساسية - مثل عمال المصانع وحراس الأمن وسائقي سيارات الأجرة – نلاحظ تسجيل المعدل الأعلى للوفيات من جراء كورونا في إنجلترا وويلز، وذلك حتى حدود ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. فممارسو تلك المهن لم يتوقفوا كثيراً عن العمل طوال عمليات الإغلاق الثلاثة التي شهدتها المملكة المتحدة.
وأظهرت أرقام أخيرة مستقاة من دراسة "رياكت" React ("التقييم الآني للانتقال المجتمعي") التابعة لجامعة "إمبريال كوليدج لندن" Imperial College London - وتشكل أحد مصادر البيانات التي تستخدمها الحكومة البريطانية للبت في شأن مدى تفشي الجائحة - أن من يعيشون وسط أسر كبيرة العدد أو في أحياء محرومة، كانوا أكثر احتمالاً من غيرهم، للإصابة بوباء كورونا.
ولكن مع ذلك، فإن فئات كثيرة في المملكة المتحدة لا ترغب في الخضوع لاختبارات "كورونا"، أو الالتزام بالعزلة الذاتية، حسبما تبين في الاختبارات التجريبية الجماعية التي أجريت في ليفربول العام الماضي.
وذكر حزب "العمال" أنه كان يدعو إلى رصد أموال للعزلة الذاتية يستفيد منها "كل من يحتاج إليها" بوصفها "مسألة ملحة". ويشير البحث إلى أن واحداً فحسب من كل ثمانية أشخاص يحق له الاستفادة من تلك المساعدات المادية. ومن وجهة نظر "الديمقراطيين الأحرار"، لا بد من وجود "حزمة شاملة" من الدعم العملي والمالي.
متحدثاً إلى "اندبندنت" أيضاً، قال مايك هوكينغ، رئيس قسم السياسة في مؤسسة "جوزيف راونتري" Joseph Rowntree Foundation البريطانية المتخصصة في التغير الاجتماعي، إن بعض الأشخاص الذين لم يستوفوا شروط الاستفادة من نظام المدفوعات المركزي قد استفادوا من التمويل التقديري الذي قدمته حكومة المملكة المتحدة للمجالس المحلية. وأضاف "لكن كثيراً من تلك الأموال قد نفد الآن. لذا، حري بالحكومة أن تسارع إلى إعادة تمويل هذه صناديق المساعدات المحلية هذه".
من جانب آخر، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية "نحن ملتزمون تماماً بدعم الأسر ذات الأجور المتدنية في خضم الجائحة والمرحلة التي تليها، وبالتأكد من عدم التخلي عن أي شخص".
"لذا وجهنا دعمنا إلى أشد الناس حاجة عبر رفع الأجور المعيشية وإنفاق المليارات في سبيل الحفاظ على الوظائف وتعزيز الدعم الاجتماعي"، وفق المتحدث.
وأضاف "نحن في المرحلة الأصعب من الجائحة، وكل 30 ثانية يدخل شخص ما إلى المستشفى بسبب كورونا". من هنا، نطلب مجدداً من الناس البقاء في المنازل وحماية "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS، وإنقاذ الأرواح". وختم المتحدث قائلاً: "نحن نواصل مراقبة البيانات ونبقي القيود المفروضة (بسبب كورونا) قيد المراجعة".
© The Independent