تلقت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل تحذيرات من أن الخطة المثيرة للجدل الهادفة إلى استخدام القوة من أجل أخذ بصمات أصابع طالبي اللجوء في الموانئ الفرنسية، ستفضي إلى وقوع أعمال عنف واحتمال أن يعمد هؤلاء إلى إيذاء أنفسهم.
وقد وجه عاملون في مؤسسات خيرية وقوات حرس الحدود Border Force، سيلاً من الانتقادات إلى وزيرة الداخلية البريطانية بشأن هذه الخطوة، التي قد تفسح المجال لاستخدام ما سُمي "القوة المعقولة" reasonable force في أخذ البصمات من طالبي اللجوء في ميناءي كاليه ودانكيرك، كجزء من الجهود لتسهيل عملية إبعاد الأشخاص الذين يقومون لاحقاً بعبور القناة الإنجليزية.
يُشار إلى أن الإجراء نفسه كان تم التراجع عنه من جانب السلطات المعنية قبل نحو 9 أعوام، إثر وقوع اشتباكات عنيفة مع أفراد الشرطة في الموانىء، وقيام بعض اللاجئين إما بقطع أطراف أصابعهم أو حرقها تحاشياً لأخذ (السلطات البيانات) والأدلة حولهم.
وعلى الرغم من ذلك، يستعد مجلس العموم البريطاني للتصويت في الأسابيع القليلة المقبلة، على العودة إلى تطبيق هذه السياسة، بهدف تقديم ما تدعي وزارة الداخلية أنه يشكل دليلاً "حاسماً" (يثبت) رفض (بعض) طلبات اللجوء.
وبموجب "قانون دبلن" الصادر عن الاتحاد الأوروبي (الذي يفرض على اللاجئين أن يقدموا طلب اللجوء في أول دولة آمنة يصلون إليها)، كانت فرنسا تقبل في السابق أن تتحمل المسؤولية عن الأشخاص الذين يدخلون إلى أراضيها "الآمنة" أولاً، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنهى عملياً ذلك الاتفاق، ولا توجد أي مؤشرات إلى إمكان معاودة التفاوض في شأنه.
وذكرت لوسي موريتون من "اتحاد خدمات الهجرة" Immigration Services Union الذي يمثل الضباط المسؤولين عن (أمن) الحدود بأن "تيريزا ماي كانت قد طرحت خطة اعتماد البصمات القسرية خلال فترة توليها وزارة الداخلية في العام 2012، لكن تم التخلي عنها بعد أسابيع قليلة فقط، بسبب "ردود الفعل العامة" الرافضة لها".
وقالت موريتون لصحيفة "اندبندنت" إن "ذلك أدى إلى قيام عدد كبير من طالبي اللجوء بإلحاق الضرر بأنفسهم، اعتراضاً على أخذ بصماتهم، سواءٌ بقطع أطراف أصابعهم أو حتى اللجوء إلى حرقها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت: "إن ما حصل في الماضي كان فظيعاً إلى درجة لا نرغب في أن نرى هذا المشهد يعيد نفسه. فمن البديهي أن يبدي هؤلاء الأفراد مقاومة إذا ما أجبروا على إعطاء بصمات أصابعهم بهذه الطريقة".
في المقابل، رأت جوزي نوتون المؤسسة المشاركة لجمعية "اختر الحب" Choose Love الخيرية للاجئين، أن "رغبة وزيرة الداخلية في أخذ البصمات على نحو قسري يؤسس لمشكلة كبيرة. فهذه الخطوة لا تقتصر على وضع حكومتها في موقف غامض للغاية من الناحية القانونية فحسب، بل تعيد إلى الذاكرة ما آلت إليه سابقاً خطة البصمة القسرية من أعمال عنف خطيرة، انعكست على طالبي اللجوء في الماضي".
وأضافت نوتون: "إننا لا نجد سبباً يجعل الأمور تختلف عن سابقاتها هذه المرة. إن اتحاد "قوة الحدود" يعارض هذه الخطة".
كلير موسلي، مؤسسة "كير فور كاليه" Care4Calais (منظمة خيرية يديرها متطوعون، تقدم الدعم للاجئين الذين يعيشون ظروفاً سيئة في شمال فرنسا وبلجيكا)، أشارت من جهتها إلى أن "اقتراح فرض خطة البصمة القسرية على طالبي اللجوء المستضعفين، أثار الكثير من المخاوف، ليس أقلها خطر إصابتهم بصدمة أخرى". وشددت على ضرورة معاملة ضحايا النزاع والاضطهاد بكرامة ورأفة، منبهة إلى أن "وضعهم تحت الضغط لن يؤدي إلا إلى تقليل احتمالات تحقيق الغاية من تلك الخطة".
ومن المقرر طرح اقتراح صيغة معدلة لهذا القانون - الذي يتيح استخدام "القوة المعقولة" لأخذ البصمات أثناء تفتيش المركبات عند "المراكز الحدودية المتجاورة" في الموانئ - أمام مجلس النواب البريطاني في الأسابيع المقبلة.
وفي هذا الإطار، علمت صحيفة "اندبندنت" أن المملكة المتحدة كانت قد حضّت فرنسا أيضاً على تبني مثل هذا الإجراء، لكنها قوبلت بالرفض في محادثات العام الماضي التي كان الهدف منها مطالبتها بالحد من تدفّق العبور المحفوف بالمخاطر للقوارب الصغيرة إلى المياه الإقليمية البريطانية.
ومع ذلك، أقرّ كلا الجانبين بأن المملكة المتحدة لديها السلطة القانونية للتصرف كما تراه مناسباً عند نقاط التفتيش الخاصة بها، بموجب معاهدات ثنائية يعود تاريخها إلى نحو 30 عاماً، لأن أخذ البصمات بالقوة يُعد تصرفاً قانونياً في بريطانيا.
هذه الانتقادات تأتي بعدما أثارت الوزيرة بريتي باتيل غضباً عارماً بمهاجمتها احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter، واصفة إياها بـ "المخزية" ودعوتها إلى تطبيق القانون في مواجهة أي سلوك مخلّ بالنظام.
وفي هذا الإطار، رفض وزير الهجرة البريطاني كريس فيلب، التحذيرات من استخدام القوة بشأن رفع البصمات، قائلاً: "نحن لا نقبل مثل هذه الادعاءات، إذ أن عناصر "قوات (حرس) الحدود" المدربين، يلجؤون أولاً إلى الدعوة إلى الامتثال للقانون من خلال التواصل مع طالبي اللجوء وتوضيح ضرورة الالتزام به، وتشجيعهم على القيام بذلك".
وأضاف "لن يتم اعتماد "القوة المعقولة" إلا كحل أخير، في حال رفض فرد ما بشكل متكرر، الانصياع للقانون".
من المتوقع أن تقوم وزيرة الداخلية بنشر خطط مفصلة هذا الشهر، بشأن فرض مزيد من الإجراءات الصارمة على المعابر الحدودية، بعدما أبلغت النواب، بحسب ما تردد، أن المعابر غير القانونية تسبّبت بـ"البلاء" للحكومات البريطانية على مدى عقود من الزمن.
ومن المرجح أن يفرض "مشروع قانون الحدود السيادية" Sovereign Borders Bill المتوقع (طرحه في البرلمان)، قيوداً على المطالبات "القضائية" المزعومة - التي يرفعها طالبو اللجوء الذين يقاومون قرارات الترحيل - بموجب قوانين حقوق الإنسان.
وقد يُطلب في هذا الإطار من القضاة، عند النظر في الطعون المقدمة ضد الترحيل، إعطاء أهمية أكبر للسجلات الجنائية والدعاوى الخاصة بمقدمي طلبات الحصول على وضع اللجوء. وسيُلزَم هؤلاء بتقديم جميع الأسباب التي تقف وراء لجوئهم إلى الطعن في بداية المسار القانوني، في أعقاب احتجاج الوزيرة باتيل على الطعون المقبولة التي فاز بها البعض بها في اللحظة الأخيرة.
© The Independent